
مقابلة مع ريما حسن، العضو بالبرلمان الأوربي
هذا الصباح [09 يونيو/ حزيران2025]، ألقت السلطات الإسرائيلية القبض على سفينة المساعدات ”مدلين“، مُنهيةً مهمتها إلى غزة. ساعات قليلة قبل اعتراض السفينة، تحدثنا إلى ريما حسن، عضوة البرلمان الأوروبي الفرنسية التي كانت على متن السفينة.
في وقت مبكر من صباح اليوم، أعلن المناضلون/ت على متن سفينة مادلين أن السفينة الانسانية اعترضتها القوات الإسرائيلية وأن الركاب ”اختُطفوا“. كانت السفينة التي ترفع العلم البريطاني ويديرها ”تحالف أسطول الحرية“ تسعى إلى لفت الانظار إلى معاناة سكان غزة، فحاولت السلطات الإسرائيلية مرارًا نزع الشرعية عن نوايا المناضلين/ت ووصفت السفينة بأنها ”يخت سيلفي“ تقل ”مشاهير“.
وهي تدعي الآن أن الركاب سيُرجعون إلى بلدانهم الأصلية، ولكن ليس قبل أن يجبرهم وزير الدفاع المتشدد إسرائيل كاتس، كما أعلن، على مشاهدة لقطات من هجمات 7 أكتوبر. وحتى الآن، فشلت محاولات الاتصال بالركاب.
أبحرت السفينة مادلين من إيطاليا في 1 يونيو بمهمة واضحة: كسر الحصار الإسرائيلي وإيصال المساعدات للمدنيين المُجوَّعين في غزة. كان على متنها اثنا عشر مناضلا/ت من مختلف أنحاء أوروبا اختاروا العمل المباشر من أجل لفت الانتباه إلى الكارثة الإنسانية الجارية في فلسطين، والتي فشلت حكوماتهم في اتيان جواب ذي دلالة عليها . من بين هؤلاء الركاب، عضوة البرلمان الأوروبي الفرنسية الفلسطينية ريما حسن، التي انتخبت في يونيو 2024 ممثلة للحركة اليسارية ”فرنسا الأبية“.
قبل ساعات قليلة من اعتراض الإسرائيليين لسفينة مادلين واعتقال ريما حسن، تحدثت مع الصحفي هانو هاوينشتاين عن دوافعها للانضمام إلى البعثة، وردود الفعل السياسية في فرنسا، وكيف تتعامل مع المخاطر الشخصية التي ينطوي عليها دفاعها عن فلسطين.
عبرتِ دوما عن مواقف صريحة بشأن فلسطين. ما الذي دفعك إلى ركوب هذه السفينة؟
مضى عام منذ انتخابي في البرلمان الأوروبي، وكنت منخرطة جدًا لصالح القضية الفلسطينية. لكننا نلاحظ أن الأمور لا تتحرك بالسرعة الكافية. فقد انقضت أكثر من أربعة عشر شهرًا منذ أن أدانت الأمم المتحدة الإبادة الجماعية في غزة، و لم نر بعدُ أي عقوبات أو إجراءات مماثلة لانهائها. بالنسبة لي، الانضمام إلى هذه المبادرة هو اتساق مع اقتناعاتي. كما أن هذه المبادرة قوية للغاية. فهي تحشد الكثير من المواطنين وتحمل رمزية قوية للغاية.
تعرضت سفينة إغاثة سابقة للقصف في مايو. وقتل آخرون أثناء محاولتهم كسر الحصار المفروض على غزة. كيف تتعاملون مع هذا الخطر على حيواتكم؟
كلنا ندرك تماماً المخاطر. ما يقلقنا بشكل خاص هو بالضبط هو نوع الهجمات التي شهدناها في 2 مايو في مالطا. كانت السفينة الأخيرة أكبر حجماً، ولحسن الحظ لم يقتل أو يُصب أحد. سفينتنا أصغر بكثير. ضربة واحدة من مُسيَّرة قادرة أن إغراقها. لكننا مستعدون. تلقينا تدريباً لعدة أيام قبل المغادرة، ونواصل التدريب يومياً على متن السفينة. في عدة ليالٍ كانت مُسيرات تحوم في الجوار، فطبقنا بروتوكول الطوارئ الكامل: ارتدينا سترات النجاة واستعدنا للقفز في البحر.
هل اخترتم عن قصد جعل هذه المهمة علنية ؟
اختار الطاقم الأخير التكتم، على أمل أن يساعدهم ذلك. ومع ذلك تعرضوا للهجوم. لذا، فعلنا العكس: أبلغنا وسائل الإعلام، وحاولنا حشد الرأي العام، وحافظنا على ظهورنا بقصد الضغط على إسرائيل كي لا تهاجمنا.
أنقذت سفينتكم مهاجرين في البحر. ماذا حدث بالضبط؟
كانت لحظة شديدة التوتر. تلقينا نداء استغاثة من فرونتكس، يعلمنا أن سفينتنا هي الأقرب إلى قارب مهاجرين في خطر. لذا، غيرنا مسارنا وأبحرنا لمدة ساعتين نحو ليبيا. بموجب القانون البحري، من الواجب إنقاذ الأشخاص الذين يواجهون خطرا في البحر.
عندما وصلنا، وجدنا المهاجرين على متن قارب لم يعمل محركه منذ يومين. عندما وصل خفر السواحل لأخذ المهاجرين، قفز أربعة أشخاص إلى البحر. لم نستطع تركهم يغرقون. بقوا معنا على متن السفينة لبضع ساعات. تم إطعامهم وفحصهم من قبل طبيب من فريقنا. في النهاية، قامت فرونتكس بانتشالهم ونقلهم إلى اليونان.
يقول المنتقدون إن مهمتكم رمزية بحتة ولن تقدم أي مساعدة حقيقية لغزة. ما ردكم على ذلك؟
نحن ندرك، شأننا شأن منتقدينا، أن مساهمتنا رمزية مقارنة بالاحتياجات الإنسانية الهائلة. قالت الأمم المتحدة إن غزة تحتاج إلى حوالي 500 شاحنة مساعدات يومياً. من الواضح أننا لا نملك 500 شاحنة على متن السفينة. حمولتنا صغيرة.
ما هي الأشياء التي تحملونها على متن السفينة؟
أكثر من 250 كيلوغراماً من الأرز، و100 كيلوغرام من الدقيق، و600 وحدة من حليب الأطفال، ومنتجات النظافة النسائية، والأدوية، والعكازات. نحن نفعل ما في وسعنا. هذه المهمة سياسية بامتياز. الهدف هو جعل وصول المساعدات إلى غزة ممكنا. خاصة الآن، مع ما يقوم به النظام الإسرائيلي من تخطيط للمجاعة، نرى أن من مسؤوليتنا أن نتحرك. هذه ليست رحلة للمتعة أو المغامرة. نحن نفعل هذا لملء الفراغ السياسي الذي خلفه تقاعس الدول. نحن ندين تواطؤ تلك الدول.
كيف هي الأجواء المعنوية على متن السفينة ؟
نريد أن نضفي طابعاً إنسانياً على هذه المهمة. نحاول البقاء في حالة معنوية جيدة — نطبخ معاً، وننظف معاً، ونحافظ على السفينة. هذا يساعدنا على التركيز. نريد أن يرى الناس الذين يتابعون رحلتنا من نحن وكيف نعيش على هذه السفينة. كما أننا نتابع الأخبار باستمرار، خاصة من السلطات الإسرائيلية والدولية. دعا عشرة مقررين خاصين للأمم المتحدة مؤخراً الدول إلى مساعدتنا في الوصول إلى غزة، مستشهدين بالقانون الدولي. نحن لسنا من ينتهك القانون.
اتهمت إسرائيل البعثة بدعم الإرهاب. كيف تردون على ذلك؟
إسرائيل ليست مُخاطباً موثوقا. منذ أكثر من عام ونصف — وحتى قبل ذلك — وصف ممثلو إسرائيل أي شخص ينتقد سياساتها بالإرهابي أو المعادي للسامية. واتهموا الأمم المتحدة بمعاداة السامية. واتهموا البابا بمعاداة السامية. وحتى إيمانويل ماكرون. إنها حرب دعائية.
الاتهامات الموجهة إلينا هي جزء من حملة تضليل أوسع نطاقاً. ردنا هو التحدث بلغة القانون الدولي. القانون الدولي يقول إن الحصار غير قانوني، وأن التطهير العرقي والإبادة الجماعية تجري على أرض الواقع، وأن لنا الحق في تقديم المساعدات الإنسانية.
كيف تقيمين دور دول أوروبية مثل فرنسا وألمانيا؟
الدول الأوروبية متواطئة - أو في أحسن الأحوال سلبية. ليس هذا بالأمر الجديد. يمكننا أن نرجع ذلك إلى اتفاقية سايكس-بيكو وتقسيم المنطقة الاستعماري. في ظل الانتداب البريطاني، تم سجن وقتل بعض أفراد عائلتي. قد يتحدث ماكرون عن الاعتراف بفلسطين، لكن فرنسا تواصل تعاونها العسكري مع إسرائيل. حتى أنه سُمح لنتنياهو بالعبور فوق الأجواء الفرنسية، برغم مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
هل ترين ازدواجية في تطبيق القانون الدولي؟
بالطبع. ينبغي لّا تكون ثمة أي إفلات من العقاب بشأن الجرائم التي يُلاحق نتنياهو بسببها — تمامًا كما لا يوجد أي افلات من العقاب بالنسبة لبوتين. أريد أن أؤكد: هذا التواطؤ ليس باسم الشعب. تظهر استطلاعات الرأي أن ثلاثة من كل أربعة فرنسيين يؤيدون فرض عقوبات على إسرائيل. وفي ألمانيا، أظهر استطلاع حديث أن 80 في المائة من المواطنين الألمان يعارضون الهجوم على غزة. هناك انفصال واضح بين تصرفات الحكومات والرأي العام.
هل تعرضت شخصياً لضغوط سياسية أو تهديدات بسبب انضمامك إلى هذه البعثة؟
لقد استشرنا وزارة الخارجية الفرنسية، وقالوا إنهم لا ينصحوننا بالذهاب بسبب المخاطر. بالطبع، في بعض وسائل الإعلام، كان هناك استعلاء. يصوروننا على أننا ناشطون سذج أو حاقدون. لحسن الحظ، تعامل آخرون مع هذا الأمر على أنه عمل سياسي جاد. ما نقوم به هو الضغط على صانعي القرار لدفعهم للتدخل. لأن إسرائيل حذرت من أنها ستعتقلنا بمجرد اقترابنا من المياه الإقليمية لفلسطين، التي تسيطر عليها إسرائيل بشكل غير قانوني.
ما هو أكثر لحظة بقيت في ذاكرتك حتى الآن؟
أصعب اللحظات وأكثرها عاطفية بالنسبة لي شخصياً كانت إنقاذ المهاجرين في البحر. كان مشهداً صعباً للغاية. لم نتوقع أن نراهم يقفزون إلى البحر. لعدة دقائق، شعرنا بالذعر قليلاً لأنهم كانوا بعيدين. كنا خائفين من أن يغرقوا ويموتوا. وماذا كنا سنفعل بالجثث؟ لقد فكرنا في جميع السيناريوهات. أعتقد أن هذه كانت اللحظة التي اصيب فيها الجميع بهلع. أنا نفسي بكيت لأنها كانت لحظة صعبة للغاية.
اللحظة الأخرى التي كانت صعبة للغاية هي عندما أيقظنا في منتصف الليل صوت إنذار المُسيرات. شعرنا بالذعر لأننا تساءلنا عما إذا كان هجومًا أم مجرد مراقبة. استمر الأمر بضع دقائق فقط، لكنه حدث في منتصف الليل، لذا كانت الأجواء معقدة، كنا قد استيقظنا للتو، وكان الأمر مرهقًا. عندما يرن الإنذار في الليل، يصعب التعامل مع الأمر. كانت هاتان اللحظتان الأكثر حدة من الناحية العاطفية.
نُشرت هذه المقابلة لأول مرة على موقع هانو هاوينشتاين Substack، The Third Draft.
ريما حسن هي محامية فلسطينية فرنسية وعضو في البرلمان الأوروبي عن حزب La France Insoumise.
هانو هاوينشتاين هو صحفي مستقل مقيم في برلين. كتب لصحيفة Guardian وIntercept والعديد من وسائل الإعلام الألمانية.
المصدر: