مقابلة مع جلبير الأشقر بمناسبة صدور كتابه الأخير، وجولته في سويسرا الفرنسية التي شاركت جريدة Solidariés في تنظيمها.
- بعيدًا عما تروجه من أوهام، كيف تمثل ”خطة سلام“ ترامب ذات العشرين نقطة بشأن غزة طورا جديدا لتصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني؟ وما هي، في رأيك، المرتكزات الأساسية لـ"خطة سلام" حقيقية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني؟
السمة الأولى لــ”خطة السلام“ هذه هي أنها الأكثر ارتجالا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، كما وصفتُها مؤخراً في لوموند ديبلوماتيك(نوفمبر 2025) . ما يجعل تنفيذها محفوفا بشك كبير ، لا سيما أنها موضوع تأويلات متباينة من قبل الأطراف الرئيسية المعنية.
الجلي جداً أن ”خطة ترامب“ هذه تتجاهل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. فهي ترتئي إبقاء احتلال إسرائيل لغزة على المدى الطويل – في «محيط أمني» على طول حدود القطاع، على أقل تقدير – وتضع سائر الأراضي تحت الوصاية شبه الاستعمارية لمجلس إدارة يسمى «مجلس السلام»، يرأسه دونالد ترامب نفسه.
ومفترض أن يكون عضوا بهذا المجلس رئيسُ الوزراء البريطاني السابق توني بلير، شريك الولايات المتحدة في غزو العراق عام 2003، والذي ضم مسارُه وصايات مستوحاة من مناطق الانتداب الاستعماري لعصبة الأمم (سلف الأمم المتحدة)، سواء في كوسوفو أو في العراق.
لا ذكر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ولا لدولة فلسطينية، إلا كفرضية مستقبلية لن يُنظر فيها إلا إذا تم «إصلاح» السلطة الفلسطينية وفق رغبة إسرائيل والولايات المتحدة. وعندما نعلم أن السلطة الفلسطينية الحالية ممقوتة بالفعل من قبل الغالبية العظمى من الفلسطينيين، لأنها تُعتبر خاضعة للاحتلال، يمكننا أن نتخيل كيف ستكون سلطة فلسطينية ”جرى اصلاحها“ في هذا الاتجاه.
يتطلب بلوغ تسوية سلمية للعلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية، بنحو مقنع ودائم، أن تتخذ لها مبدأً أساسيا حقوقَ الشعب الفلسطيني، أي حق تقرير المصير، وحق العودة والتعويض للاجئين، والمساواة في الحقوق. إجمالا، يجب إنهاء الصهيونية بما هي مشروع استعماري قائم، على غرار كل مشروع من هذا القبيل، على ازدراء عنصري للسكان الأصليين ومتمركز حول دولة محددة على أساس عرقي-ديني كدولة ”يهودية“. آنذاك فقط سيمكن للسكان اليهود الإسرائيليين التعايش بسلام ومساواة مع السكان الفلسطينيين.
من هذا المنظور، يجب إطلاق سراح جميع السجناء الفلسطينيين المعتقلين لدى إسرائيل؛ وانسحاب الجيش الإسرائيلي التام وغير المشروط من كل الأراضي المحتلة منذ عام 1967، أي الضفة الغربية، وحتى القدس الشرقية، وغزة (بالإضافة، بالطبع، إلى الأراضي العربية الأخرى المحتلة في سوريا ولبنان)؛ وإجلاء المستوطنين الصهاينة؛ وتفكيك الجدار الفاصل؛ وكذا مساواة حقيقية في الحقوق للفلسطينيين من ذوي الجنسية الإسرائيلية – والذين يُعاملون اليوم كمواطنين من الدرجة الثانية في دولة إسرائيل.
ويتطلب الأمر في غزة، بنحو فوري أكثر، بالإضافة إلى انسحاب المحتل، أن تُفرض على إسرائيل وراعيتها الأمريكية تعويضات ضخمة تتيح إعادة بناء وإعادة تأهيل الأراضي التي دمرتها حرب الإبادة الجماعية المخربة جدا التي شنها الجيش الإسرائيلي.
عوض ذلك، يخطط دونالد ترامب وأبناؤه وشركتهم العائلية وصهره جاريد كوشنر وصديقه ستيف ويتكوف وابنه، وجميعهم مستثمرون عقاريون، لجعل الملكيات النفطية العربية تمول إعادة إعمار سيجنون منها أرباحاً طائلة. ما يدل على مدى بعدنا عن «خطة سلام» حقيقية.
- تتحدث في كتابك عن «إبادة جماعية معلنة» عند مناقشة المأساة التي يعيشها الفلسطينيون منذ 7 أكتوبر 2023، مع التركيز بشكل خاص على الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للمشروع السياسي الصهيوني. هل يمكنك أن تلخص لنا خطوط ذلك العريضة ؟
تندرج حرب الإبادة الجماعية في غزة مباشرة في تاريخ بدأ مع تأسيس الحركة الصهيونية في مدينة بازل في نهاية القرن التاسع عشر حول مشروع تم تصميمه كعملية ملحقة بالتوسع الاستعماري الأوروبي، الذي كان آنذاك في أوجه. العديد من حالات الاستعمار الاستيطاني التي شهدها التاريخ كانت مقترفة لإبادة جماعية: تكفي أمريكا الشمالية وأستراليا كمثالين معروفين.
تنطوي العنصرية الملازمة للمشروع الاستعماري دائماً على إمكان إبادة جماعية. ويتطلب تحقق هذا الاحتمال، خاصة في عصرنا هذا، وجود ظروف سياسية خاصة. وترتبط هذه الظروف باحتمال آخر متأصل في المشروع الاستعماري، وهو ميله إلى الانزياح نحو اليمين المتطرف.
وكما توقع العديد من المثقفين المنتقدين للصهيونية، لم يتأخر هذا الاتجاه في الظهور في دولة إسرائيل . فبعد حقبة أولى حكم فيها الجناح الاشتراكي الديمقراطي للحركة الصهيونية، وصل الجناح الفاشي الجديد، الليكود، إلى السلطة في عام 1977 وظل فيها بشكل شبه مستمر منذئذ.
الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو هي ائتلاف بين الليكود وجماعات أكثر يمينية، لم يتردد أحد المختصين الإسرائيليين في الهولوكوست في وصفها بالنازية الجديدة في صحيفة هآرتس اليومية.
- تتحدث في كتابك عن آفاق استراتيجية تحرر الشعب الفلسطيني، مع التركيز بشكل خاص على نقطتين أساسيتين تستندان إلى النضال الجماهيري والإطار الإقليمي، هل يمكنك توضيح ذلك؟
يجب أن تستند استراتيجية التحرر، على غرار كل استراتيجية، إلى أخذ أرض الواقع وميزان القوى بعين الاعتبار. يجب أن تستند إلى خصوصية الظروف. والحال أن المقاومة الفلسطينية التي نشأت في عام 1964 استلهمت لفترة مديدة النضال التحرري الجزائري، دون أن تولي اهتماماً للفروق الكبيرة بين الجزائر، حيث كان المستعمرون الأوروبيون أقلية، وفلسطين، حيث يشكل السكان اليهود الإسرائيليون أغلبية ساحقة داخل حدود دولة إسرائيل الرسمية، ويكادون يعادلون الفلسطينيين في المساحة الإجمالية للأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.
أما تفاوت القوى العسكرية فهو في أقصاه. وهذا ما يحكم على أي استراتيجية لهزم الصهيونية عسكرياً بالفشل، ولا يمكن أن تؤدي إلا إلى مفاقمة محنة الفلسطينيين – التي بلغت ذروتها اليوم مع الإبادة الجماعية التي أعقبت عملية 7 أكتوبر 2023، بالإضافة إلى التهديد المتزايد بتطهير عرقي جديد يكمل النكبة التي حدثت عام 1948.
لا يمكن للنضال الفلسطيني، بالنظر إلى ظروفه الخاصة، أن ينتصر إلا بكسب تأييد غالبية السكان اليهود الإسرائيليين لقضيته، مثلما لم يتمكن السود الأمريكيون من تحقيق انتصارات إلا بواسطة حركة جماهيرية سلمية من أجل الحقوق المدنية. لهذا السبب أؤكد أن أي استراتيجية تريد أن تكون ذات معنى للنضال الفلسطيني يجب أن تهدف إلى فصل جزء متزايد من السكان اليهود الإسرائيليين عن الصهيونية. والحال أن استراتيجية حركة حماس تؤدي إلى النتيجة النقيض.
أخيراً، ما هي مهام اليسار على الصعيد الدولي في دعم القضية الفلسطينية؟
هذه هي الرافعة المحتملة الأخرى المتاحة للنضال الفلسطيني والتي يجب عليه تطويرها. عليه أن يعتمد على التضامن الدولي. والحال أن فظاعة حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل على غزة أدت في النهاية إلى إثارة حركة تضامن كبيرة مع الفلسطينيين في البلدان الغربية نفسها، الداعمة التقليدية للدولة الصهيونية. وهذا أمر مهم للغاية، لا سيما أن هذا التضامن يتجلى أيضاً في الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، وخاصة من جانب اليهود الأمريكيين، ولا سيما الشباب اليهودي الأمريكي.
ولكن إنماء هذه التضامن يتطلب أيضاً استراتيجية تتقن الاستناد إلى القيم الديمقراطية والإنسانية التي تمنح المضطهدين تفوقاً أخلاقياً على مضطهديهم. يجب على اليسار الدولي الإسهام في تعزيز هكذا استراتيجية، بزيادة التزامه بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي أصبحت أكثر من أي وقت مضى على جدول الأعمال في مواجهة دولة ترتكب الإبادة الجماعية.
يجب مواصلة مطالبة الدول بقطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية، وبالأحرى العلاقات العسكرية، مع دولة إسرائيل. إن زيادة هذا الضغط عنصر أساسي في أي خطة سلام حقيقية.