
أطلقت الهند تسع ضربات صاروخية على باكستان في 7 مايو، ما أثار مخاوف من تصعيد الحرب. هل يمكنك أن تخبرنا عن تأثير هذه الضربات؟
ليس لدى باكستان أي رغبة في الحرب. يجتاز البلد أزمات عديدة. لدينا حكومة يعتبرها كثيرون غير شرعية، فقد جرت انتخابات مزورة العام الماضي. كما أننا نعاني من صراعات داخلية كثيرة، لا سيما في مناطق البلد الطرفية، لاسيما في مقاطعات خيبر بختونخوا وبلوشستان المضطربة. وتمثل الحريات المدنية مشكلة كبيرة. ويضاف إلى ذلك أزمة اقتصادية: 40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر؛ والمديونية مشكلة كبيرة، وصندوق النقد الدولي يتحكم عمليا في اقتصاد البلد. إن الحرب في هكذا حالة أفق مرعب.
برغم فقر باكستان الشديد، نمتلك أحد أقوى جيوش المنطقة — وربما هذا سبب فقرنا الشديد. مهما يكن من أمر، لم تكن فكرة حرب بين خصمين نوويين أمراً مرغوبا حتى من قبل الدولة الباكستانية. بعد هجوم 27 أبريل في كشمير، بذلت مستويات مختلفة من الدولة الباكستانية محاولات مستمرة لمد اليد إلى الهند والدعوة إلى إجراء تحقيق مشترك، وكذا إلى تدخل المجتمع الدولي. وكان عديدون يأملون تنظيم مفاوضات قبل لجوء أي من الطرفين إلى العنف أو المغامرة. لكن الكثير من الباكستانيين استهانوا بالهستيريا التي باتت مستبدة بالهند. يحظى الحزب الحاكم في الهند بشرعية أكبر، فهو حزب يميني يستمد شرعيته من الحرب والعنف، لا سيما ضد المسلمين ونزعته العدائية تجاه باكستان.
عندما بدأت هذه الضربات في 7 مايو، ثم تكررت في 8 مايو، انذهل الناس وارتعبوا. ثم حدث الأسوأ في صباح 10 مايو، لما استُخدمت مُسيَّرات إسرائيلية الصنع لمهاجمة مدن باكستانية. كانت هذه مدن آهلة. لاهور مدينة يفوق عدد سكانها 10 ملايين نسمة. قُتل أكثر من 30 شخصاً في باكستان، بينهم طفل واحد بالأقل. عندها تحول الخوف إلى غضب، وانقلب الرأي العام، وردت باكستان بوابل مُسيَّرات وصواريخ، ما أدى في النهاية إلى وقف إطلاق النار. كنا على شفا كارثة مطلقة، وأنا سعيد حقاً أن الحكمة انتصرت في النهاية وتوصلنا إلى وقف إطلاق النار.
اتفاق وقف إطلاق النار أعلنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن في 10 مايو ، لكن ثمة تقارير تفيد أنه انتهك. ما الوضع الحالي؟
شهد اليوم الأول انتهاكات كثيرة - وهذا أمر طبيعي في حالات وقف إطلاق النار، إذ يصعب جدا وقف جميع الأعمال العدائية على الفور. لكن منذئذ لم يتم الإبلاغ عن أي انتهاكات.
لكن الهستيريا والعدائية مستمران. أثار وقف إطلاق النار هذا غضب الهند الشديد لأن ترامب أعلنه قبل أن يتمكن الهنود أو الباكستانيون من الإعلان عنه. أعتقد أن ذلك جزء من نرجسية ترامب؛ إذ لم ينتظر اعلانه من قبل وزراء الهند وباكستان. قال إنه حقق السلام ويشير بمداورة إلى أنه يجب ترشيحه لجائزة نوبل. هذا ما تروج له قاعدة أنصاره على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه ”صانع السلام“.
في الواقع، أعتقد أن الهند لم تكن تتوقع رد باكستان. كانت المعارك الجوية - التي سيدرسها المؤرخون العسكريون لفترة طويلة - خطيرة للغاية.شهدنا حربًا عسكرية عالية التقنية. واجهت مقاتلات فرنسية مقاتلات صينية، من طراز رافال ضد طرازJ-10 و J-17. سقطت بالأقل طائرتان من المقاتلات الفرنسية في الجانب الهندي، ما اسهم في إحراج أولي لحكومة الهند.
بعد هجوم المُسيرات على باكستان في 10 مايو، هزت هجمات باكستان المتتالية بالمسيرات والصواريخ الهند. ويرجع ذلك جزئياً إلى أن أحد آمال الهند هو أن يكون الوضع مشابهاً للوضع العربي الإسرائيلي، حيث يمكنها مواصلة القصف، مع مقاولة دنيا، و الاستمرار في ذلك لمدة 10-15 يوماً، ثم اعلان النصر في النهاية. لكنها أخطأت ضربتها. رفعت باكستان المزايدة، مثيرة احتمال وقوع كارثة نووية، ما خرط المجتمع الدولي. في النهاية، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار لأن التصعيد لم يعد ممكناً عند حد معين.
ما هو السياق العام للتوترات بين الهند وباكستان المفضي إلى هذا الوضع؟ ما منزلة كشمير مع هذا السياق؟
تقع كشمير في صلب هذه النزاع. إنها مشكلة التقسيم العالقة. إنها الولاية الوحيدة المحرومة من حق الاختيار، والمقسمة بين الجانبين الهندي و الباكستاني. استخدم كلا البلدان هذه القضية لأغراض المفاوضة، لإثارة المشاعر القومية الداخلية، وترسيخ الرأي العام، ومهاجمة المعارضين.
كان الأمر أكثر وحشية من الجانب الهندي، جزئياً لأن العديد من الكشميريين كانوا لفترة من الوقت مؤيدين للانفصال أو مناصرين لباكستان. منذ التسعينيات، يستمر تمرد في كشمير تعزوه الهند إلى باكستان. لكن الهند استخدمت أساليب مروعة مثل التعذيب والعنف والقتل خارج نطاق القضاء. قُتل ما لا يقل عن 20 ألف شخص، ويتحدث البعض عن 100 ألف. إنها واحدة من أكثر المناطق عسكرة في العالم.
ف ألغت حكومة ناريندرا مودي في الهند، في العام 2019، المادة 370 كجزء من خطة لدمج كشمير في الهند. كانت المادة 370 تمنح كشمير قدرًا معينًا من الحكم الذاتي داخل الإدارة الهندية. أدى ذلك إلى رد فعل في كشمير تم احتواؤه وقمعه بسرعة من خلال إغلاق شامل - قبل أن يشتهر إغلاق COVID، عانى الكشميريون من إغلاق شامل في سبتمبر 2019 عندما لم يُسمح للناس حتى بمغادرة منازلهم. في النهاية، تمكنت حكومة مودي اليمينية المتطرفة من إخبار العالم، بما في ذلك جمهورها الهندي، أنها قد حققت ”الوضع الطبيعي“.
كان ذلك أحد أسباب وقوع هجوم باهلغام مؤخراً، وهو هجوم مروع على السياح أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 25 شخصاً. حطم هذا الهجوم أسطورة الوضع الطبيعي التي روج لها مودي، وهو أحد الأسباب التي دفعت قاعدته إلى المطالبة بالانتقام. كان مودي يلعب على وتر قاعدته، وردت باكستان بالمثل.
لكن على الطرفين أن يدركا أن الكشميريين ليسوا أشياء. فلهم تاريخ طويل ومفخرة، ليس فقط في بما هم شعب،، بل أيضا كمقاومة للاستعمار والاحتلال والعسكرة. لن يكون هناك سلام في جنوب آسيا ما لم تتحقق العدالة لشعب كشمير. هذا هو الجانب الأساسي لأي مفاوضات مستقبلية.
ما موقف يسار الباكستان من حق كشمير في تقرير المصير؟
ثمة وضوح تام بشأن هذه المسألة. صادقت منظمة الأمم المتحدة على قرار – قرار مجلس الأمن الدولي رقم 47 الصادر عام 1948 – ينص بوضوح على وجوب إجراء استفتاء عام لتحديد مستقبل كشمير. كشمير هي للكشميريين؛ ليست لباكستان ولا للهند. إذا اختار الكشميريون أيًا من هذين البلدين، فهذا خيارهم، وإذا اختاروا الاستقلال، فهذا خيارهم. هذا هو الموقف الأممي الوحيد الصحيح، ومن لا يؤيده يجب ألا يدعي أنه من اليسار.
كشفت نتائج انتخابات العام الماضي عن تراجع شرعية الحكومة الباكستانية والجيش الباكستاني. كيف يستغلون الصراع لإعادة تأكيد هذه الشرعية؟ هل ينجح ذلك؟
لا شك أنهم استعادوا قدرا كبيرا من شرعيتهم. كانت إحدى المشكلات التي لاحظها كثيرون في الأسبوعين الماضيين أن الدولة الباكستانية أبدت الكثير من ضبط النفس. عندما تتعرض المدن للقصف،ليس بوسع المناضلين فعل شيء ذي شأن؛ لا يمكن تنظيم أي مظاهرة. تم إجراء مماثلات مع العالم العربي، سواء داخل باكستان أو من قبل المؤسسة الهندية التي قالت بوجوب”تحويل باكستان إلى غزة“، واستخدام نفس الأساليب الإسرائيلية، وفعل ما فعلته إسرائيل بسوريا ولبنان واليمن. كان هذا مرعباً، وعندما اكتشفنا أن مُسيرات إسرائيلية سقطت على مدن، بما في ذلك لاهور، التي اتحدر منها، أثار ذلك هلعا.
ثمة إذن تعاطف كبير [مع الحكومة]، حتى ضمن اليسار. شكر حزبنا أولئك الذين دافعوا في تلك اللحظة العصيبة عن سيادة البلاد والشعب. ومع ذلك، أوضحنا أن هذه مسؤولية الجيش. إذا استمر الجيش في سياساته القمعية تحت ستار الدفاع عن النفس، فلسنا ملزمين بالصمت. في الواقع، ما حدث الأسبوع الماضي هو أن المحكمة العليا الباكستانية قامت خلال هذا الصراع برمته بإضفاء الشرعية على محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، لذا أصدرنا بياناً في الموضوع.
من طبيعة الدولة الباكستانية أن تواصل استعمال هذه الهستيريا لصالح أولئك الذين يقودونها. ومن واجبنا أن نقاوم وننظم أنفسنا. والأهم من ذلك، أننا ندرك أن هذا الهيكل الاقتصادي والسياسي برمته، وهذا النوع من الرأسمالية المعسكرة القائمة في منطقتنا، لا يمكن أن يستمر دون التضحية بملايين وملايين البشر. تذكروا أن 40٪ من سكان باكستان يعيشون في فقر، و25 مليون طفل محرومون من المدرسة، و80٪ من المياه ملوثة، و40٪ من السكان يموتون من أمراض منقولة بالماء. الحروب التي علينا خوضها هي حروب ضد الأمية والفقر والمرض والاستبداد. هذه هي الحروب التي سيخوضها رفاقنا في الهند أيضاً. هذه هي الحروب التي يجب أن توحدنا، وليس هذا التعصب الأعمى الذي نشهده في الوقت الحالي.
أيدت قسم كبير من المؤسسة الهندية هذه الحملة الحربية، وكان رد فعل اليسار الهندي متباينًا. هل سعى يسار باكستان لمد جسور نحو اليسار والمناضلين من أجل السلام في الهند؟ إذا كان الأمر كذلك، فماذا كان الرد؟
تقوم سياستنا على عدم التعليق على وضع اليسار الهندي الداخلي. على اليسار الهندي أن يحل مشاكله داخليا. اتخذت بعض الأحزاب موقفاً ممتازاً، بينما لم تفعل أحزاب أخرى ذلك. لدينا الكثير من الأسئلة حول تلك الأحزاب التي دعمت عملية سيندور. لكن من الأفضل عدم التعليق، لأننا في النهاية يجب العمل معاً وخلق مسار موحد. لن نقوم بإنشاء أحزاب يسار جديدة في الهند، فهذا ليس دورنا؛ تماماً كما لا يمكنهم تغيير بنية يسار باكستان.
كما أننا نخوض نقاشات داخل اليسار الباكستاني في الوقت الراهن. لدينا على الأقل ثلاثة مواقف داخل اليسار الباكستاني. أولها أنه حتى لو هاجمتنا الهند، لا يجب أن نرد. هذا ليس موقفنا. موقفنا هو أننا إذا تعرضنا للهجوم، فمن حقنا الدفاع عن شعبنا. كان هناك أيضاً موقف ثالث، شبه شوفيني، يدعو إلى مواصلة الهجمات والاستمرار في القتال.
جزء من المشكلة هو أن اليسار الباكستاني والهندي لا تربطهما نفس العلاقات السابقة ؛ وهذه جسور علينا أن نعيد بناءها. علينا أن نعمل مع هذه الأحزاب، حتى تلك التي لم تتخذ موقفاً مؤيداً للسلام. على المدى الطويل، يمكن أن تكون هناك أخطاء سياسية، لا سيما في حالات الهستيريا والخوف الشديدين.
لكن يجب أن نتذكر من هم حلفاؤنا في الهند، وبرغم المشكلات، ما زلنا نعلق آمالاً كبيرة على أصدقائنا في الحركة الشيوعية في الهند ونريد تطوير علاقات جيدة معهم في المستقبل. نحن نعلم أن هزيمة اليمين المتطرف في الهند ستكون نعمة للقوى التقدمية في باكستان. وإذا هُزمت النزعة العسكرية في باكستان، فستكون نعمة للقوى التقدمية في الهند. نحن مترابطون ويجب أن نحاول تعزيز بعضنا البعض.
ما هي الخطوات اللازمة لتحقيق السلام في المنطقة؟
ثمة ثلاثة مسائل.
الأولى هي تدخل الولايات المتحدة، حيث تسعى إلى تحويل الهند إلى قوة مهيمنة في المنطقة. الاتفاق الدفاعي الذي وقعه ترامب ومودي في فبراير هو شراكة استراتيجية عسكرية مدتها 10 سنوات، وهي جزء من استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء الصين، وتشير إلى أن «مصالحنا الاستراتيجية تتقارب». إنها ليست اتفاقية معادية لباكستان، بل للصين، لكنها تندرج في امتددادات لصراعات ولتاريخ قائم. يقوم ترامب بشيء مماثل مع المملكة العربية السعودية. لكن، بالطبع، بمجرد أن تحصل السعودية على تلك القوة وتلك الأنواع من الأسلحة، يمكنها استخدامها في أي مكان لارساء هيمنتها الإقليمية. إنها لعبة أمريكية خطيرة للغاية في المنطقة. علينا أن نقاوم بالتمام هذا النوع من الضغط الغربي.
ثانياً، علينا إيجاد حل عادل لقضايا كشمير والإرهاب، التي يتعين فصلهما . الإرهاب مشكلة تاريخية. إنه نتاج سياسة باكستان في الثمانينيات إبان الجهاد الأفغاني لمّا كان الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. كانت هذه سياسة أعدتها واشنطن بالكامل. كانت الولايات المتحدة هي التي هيأت هذا الجهاد برمته، وسلحته ومولته. كانت الكتب عن الجهاد تنشر في جامعة نبراسكا. لذا يمكنك أن تفهم العلاقة الوثيقة بين ذلك الجهاد والإمبريالية الأمريكية. منذ ذلك الحين، أصبحت المنطقة تضم شبكة لوجستية كاملة قتلت 70 ألف باكستاني وهاجمت الهنود وحاربت في البوسنة والشيشان وأفغانستان؛ وقد دمرت هذه الشبكة المنطقة بأسرها. لا بد من إيجاد حل طويل الأمد لهذه المشكلة.
لكن مشكلة كشمير كانت قائمة قبل الثمانينيات، وهي موجودة بعد انتهاء الحرب على الإرهاب، وستستمر حتى يتحقق السلام والعدالة لكشمير، وهو ما يرتكز على حقها في تقرير المصير. يجب أن يكون هذا هو نقطة الانطلاق لأي حل لأزمة كشمير.
تتمثل المشكلة الثالثة هي أننا ننفق فائض مواردنا على التدمير. لقد حُرمنا بالفعل من التنمية والحداثة؛ دخلنا الحداثة في ظل الاستعمار، الذي كان حداثة نهب وسلب واستغلال. حتى الآن نحن نهدر مواردنا ونضيع وقتنا في القتال بعضنا بعضاً. علينا أن نفكر في التنمية والتجارة وخوض الحروب التي نحتاج إلى خوضها ضد الأمية والفقر والمرض والاستبداد.
هل لديك تعليقات ختامية؟
الصراع بين الهند وباكستان مشكلة تتطلب مزيدًا من الاهتمام من اليسار العالمي. إنها بؤرة ساخنة في منطقة يعيش فيها أكثر من ملياري شخص، وتمتلك أسلحة نووية، ويعيش أكثر من 40٪ من سكانها في فقر. إنها تظهر لنا كيف يمكن أن يبدو العالم بأسره. هناك كتاب لميك ديفيس بعنوان كوكب العشوائيات، لكننا نتجه نحو عالم مختلف قد يصبح «كوكب الخراب» إذا استمر الوضع على ما هو عليه.[ الترجمة العربية كتاب ميك ديفيس موجودة بانترنت.م]
لم يكتف الرفاق في أستراليا وأماكن أخرى بقراءة الكتب عن هذا الموضوع، بل قمتم بعمل ممتاز، لا سيما من خلال Green Left في جمع الرفاق من الهند وباكستان. هذا شيء يمكن لليسار العالمي القيام به. هناك القليل جدًا من الأماكن التي يمكننا أن نلتقي فيها مع الرفاق الهنود. لا يمكننا الذهاب إلى الهند ولا يمكنهم القدوم إلى باكستان. لذا، نحن بحاجة إلى تلك الأماكن والمنصات حيث يمكننا التحدث مع بعضنا البعض ومناقشة خلافاتنا.
إن العمل معاً من أجل السلام والعدالة في جنوب آسيا ضرورة تاريخية.