مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

بعد هجمة باهلغام - كشمير والهند وباكستان: حول التاريخ والتحديات الأممية في سياق حربي

بقلم Pierre Rousset
La vallée de Baisaran, où l'attaque a eu lieu. © Vinayaraj / CC BY-SA 3.0

يسعى هذا المقال إلى استجلاء الأزمة الساخنة الأخيرة حيث تواجهت الهند وباكستان حول مسألة كشمير. ثمة عوامل عديدة يتعين اعتبارها. ولا شك أن الأحداث الأخيرة تندرج في سياق مديد من التوترات العسكرية والحروب التي تعود إلى التقسيم الكارثي الذي فرضه الإمبريالية البريطانية على شبه القارة الهندية في العام 1947. بيد أن الحقبة الحديثة كانت مطبوعة بتغيرات عميقة أثرت على البلدان المعنية، وكذلك على البيئة الجيوسياسية والتدبير الإقليمي للموارد المائية والأسلحة المستخدمة. لا يمكن، والحالة هذه، الانطلاق من مبدأ أن يعيد التاريخ نفسه بنحو شبه مماثل. ولعل هذا هو السؤال الرئيس الذي يطرح نفسه: هل ثمة جديد؟ جلي أن منظمات اليسار في المنطقة هي المطالَبة في مقام أول بالجواب. سأقتصر على عرض بعض عناصر التحليل أو الفرضيات للنقاش والنقد، حتى لو استلزم ذلك إعادة نظر في موقفي من الموضوع.

فرض تقسيم العام 1947 تهجيراً قسرياً هائلا للسكان وفقاً لمعايير دينية، طال زهاء 15 مليون شخص. جرى تجميع السكان المسلمين في باكستان، غرباً (في حوض نهر السند)، وشرقاً في شبه القارة (في حوض نهر الغانج، بعد أن أصبحت باكستان الشرقية بنغلاديش بعد حرب الاستقلال عام 1971). بيد أنه لا يزال ثمة اليوم عدد كبير من السكان المسلمين في ولاية حيدر أباد الهندية. انضم معظم السكان الهندوس الذين كانوا يعيشون في الأراضي المسلمة إلى الهند، ولكن ليس جميعهم.

كشمير بلد في جبال الهيمالايا كان ضمن حدود الإمبراطورية البريطانية. معظم سكانه مسلمون. جرى تقسيمه بما يسمى التقسيم غير الكامل في العام 1947 والحرب الهندية الباكستانية الأولى التي تلت ذلك. ووُعِد باستفتاء على تقرير المصير، لكنه لم ينظم قط. حالياً، تحتل باكستان أراضي آزاد كشمير وجيلجيت بالتستان؛ فيما تحتل الهند أراضي جامو وكشمير ولاداخ؛ والصين أكساي تشين ووادي شاكسم.

توترات دائمة وثلاث حروب

لا تزال عواقب سياسة "فرق تسد"الإمبريالية قائمة، ولكن الأمر يرجع أساسًا إلى تأجيجها المستمر من قبل النخب الحاكمة. يستغل النظامان الباكستاني والهندي حالة الحرب الكامنة منخفضة الشدة هذه لتهميش المعارضة أو إسكاتها، والدعوة (بقدر متفاوت من النجاح) إلى الوحدة الوطنية، وصرف الأنظار عن المشاكل الاجتماعية، وتبرير حجم الميزانيات العسكرية، الخ.

خيضت حتى الآن ثلاث حروب عالية الحدة. الأولى، أولاها في 1947-1949، بعد التقسيم. وانتهت تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة بإنشاء خط مراقبة يقسم كشمير إلى شطرين (ليس حدوداً معترفا بها). والثانية في 1965-1966، والثالثة في 1999 في مرتفعات كارجيل، ما أسفر عن آلاف قتلى في الجانبين. تدور المعارك على ارتفاعات عالية وفي ظروف قاسية جدا.

تزودت الهند بأسلحة نووية في 1974 رداً على الصين، التي تنازعها أيضا على حدود جبال الهيمالايا. استوردت باكستان التكنولوجيا اللازمة، وأجرت أولى تجاربها في العام 1998 (وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلكها). غير أن توازن الرعب لم يُنه، كما هو الحال في أوروبا، النزاعات العسكرية، برغم اختلاف الوضع كثيراً عن شبه الجزيرة الكورية، حيث يصعب تجاهل مخاطر الانزلاق. من جانبها، تسعى فرنسا إلى تطبيع سياسي لفكرة استخدام هذا السلاح [النووي]، مستحضرة أبحاثها حول سلاح تكتيكي، في محاولة خطيرة لتضليل الرأي العام. لا يزال النزع الشامل للسلاح النووي أولوية قصوى.

تطور الأزمة الراهنة

نفذت جماعة مسلحة متطرفة هجوماً في باهلغام يوم 22 أبريل، في جزء كشمير الشرقي (تحت احتلال هندي). وحملت الهند مسؤولية الهجوم لباكستان.

وفي 7 مايو، أطلقت نيودلهي عملية سيندور. وفضلا عن القصف المدفعي المعتاد على جانبي خط المراقبة في كشمير، شنت طائراتها ومُسيَّراتها هجمات على أهداف عديدة في أراضي باكستان.

اشتد الصراع، وأرسلت باكستان مُسيَّرات لتدمير أهداف داخل الهند، منها مطارات.

في كلا البلدين، أججت وسائل الإعلام النزعة القومية الحربوية. بيد أنه من الجلي أن استخدام المسيَّرات المكثف، بنحو خاص، قد غير وجه المسألة. واستعادت البرجوازية الهندية، المنضمة إلى الهستيريا الوطنية، رصانتها مطالبةً رئيس الوزراء ناريندرا مودي بقبول وقف إطلاق النار. تسعى الهند إلى الاستفادة من صراع واشنطن وبكين لجذب الرساميل الدولية. إن تأجيج نار الأيديولوجية المعادية للمسلمين أمر جيد للسياسة القومية العرقية لحزب بهاراتيا جاناتا (حزب مودي)، الذي يروم استكمال عملية إضفاء الهندوسية غير الليبرالية على البلد، لكن انعدام الأمن العسكري سيء للرساميل.

كان دوما للسلطة الهندية شعور بالتفوق على جارتها باكستان. وتغذي هذا الشعور العوامل الديموغرافية، والعمق الاستراتيجي (1600 كيلومتر من الشرق إلى الغرب)، والمقدرة الاقتصادية، وانضافت اليها اليوم أيديولوجية عنصرية. ولا تحظى باكستان، استراتيجيا، بهذه المزايا.

كان من شأن العلاقات التي طالما حافظت عليها أجهزة المخابرات العسكرية مع حركة طالبان الأفغانية على الحدود الشمالية الغربية، أن تجعل أفغانستان بلداً صديقاً لباكستان، ما يمنحها عمقاً استراتيجياً. لكن حركة طالبان الأفغانية أصبحت اليوم عدوها اللدود، لأنها تدعم حركة طالبان باكستان.

والحال أن الدفاع الباكستاني أثبت فعاليته أكثر من المتوقع. يبدو أن طياريها أفضل تدريباً من نظائرهم في جارتها الكبرى. و تمتلك أسطولاً جوياً وصواريخ صينية قادرة على بلوغ المهاجم من مسافات بعيدة جدا. وهكذا، تم إسقاط خمس طائرات هندية، من بينها طائرة رافال الفرنسية، التي يبدو أن قدراتها المضادة لحماية الصواريخ لم تكن فعالة أو لم يتم تفعيلها.

ومع ذلك، لا تستطيع إسلام أباد تحمل حرب طويلة الأمد. فالبلد غارق في ديون هائلة، ويعاني من ضغوط شديدة من صندوق النقد الدولي. احتفى كل طرف بالنصر، وتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في 10 مايو/ايار وأُعلن عنه في 12 مايو/أيار. لكنه مجرد هدنة وليس اتفاق سلام. بعد تأجيج مشاعر أنصار حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) الذين لا يفهمون هذه الهدنة، أعلن ناريندرا مودي أن عملية سيندور لم تنته، بل باتت سياسة دائمة للحكومة. بهذا النحو، يستعد لمواعيد انتخابية مهمة، لا سيما في ولاية بيهار، ويواصل تأجيج كره المسلمين ضد جارته، وكذلك ضد الجالية المسلمة الكبيرة في الهند في ولاية حيدر أباد. كما أن الجالية المسيحية هي أيضا هدف للأصولية الهندوسية، المدافعة عن تفوق الهندوس (الهندوتفا).

من نفذ هجوم باهلغام؟

من هي الجماعة المسلحة المتطرفة التي نفذت العملية الإرهابية في 22 أبريل في باهلغام، في كشمير المحتلة من قبل الهند، والتي أسفرت عن مقتل 26 ضحية بريئة؟ سارعت الهند إلى اتهام جماعة ”لاشكار-إي-طايبا“ (Let)، ما يسمح لها بتوريط إسلام أباد مباشرةً، لأن هذه الجماعة ترتبط فعلا بالجيش الباكستاني. غير أنه ما من دليل على ذلك.

يبدو أن رفاقي الهنود، برغم رفضهم مساندة النظام الهندي والانخراط في دينامية الوحدة الوطنية (كما فعل الحزبان اليساريان الكبيران، الحزب الشيوعي الهندي والحزب الشيوعي الماركسي الهندي) مقتنعون بأن هجوم باهلغام تم بتوجيه من الأجهزة الباكستانية. ما يبدو لي غريباً هو عدم اعتبار إمكان، وحتى احتمال، أن تكون هذه العملية (المدانة مطلقا بفعل طابعها الإرهابي) قد نفذت من قبل جماعة كشميرية. هذه فرضية تستحق أن تؤخذ على محمل الجد.

نفذت هذه الجماعة عمليتها بعيدًا عن خط الحدود، دون وسائل متطورة، على ما يبدو باستخدام أسلحة نموذجية لدى أي جماعة حرب غوار (أسلحة آلية، ولكن دون متفجرات عالية الجودة)، في منطقة فائقة العسكرة حيث خطورة التنقل لمسافات طويلة. لا تني الأوضاع في جامو وكشمير تتدهور بالنسبة للسكان، على الصعيدين الاجتماعي والديني. لم يكن قط وضع الحكم الذاتي الذي كان يتمتع به الإقليم يعني الكثير في الواقع، لكن إلغاءه في العام 2019 إعلان عن تشديد وحشي لسياسة نيودلهي الاستعمارية، ما أدى إلى دينامية إضفاء طابع هندوسي على الإدارة، إلخ. بلغ عدد المفقودين مستوى عاليا لدرجة الحديث عن أنصاف أرامل، لوصف نساء لا يعرفن ما إذا كان أزواجهن أحياء أم أمواتا. هذا وضع قمعي يدينه رفاقي الهنود بلا لبس. في ظل هذه الظروف، سيكون من المستغرب ألا تتشكل أي جماعة مقاومة محلية.

الظروف أقل قسوة بكثير في الأراضي الكشميرية الخاضعة لإدارة باكستانية.

لا شك في أن الجيش وأجهزة الاستخبارات العسكرية (ISI - (Inter-Service Intelligence قامت بتشكيل، وتدريب، المنظمات الإرهابية التي كانت تعمل في جامو وكشمير. بيد أن الوضع تغير مؤخرًا. فقد استقلت معظم الجماعات الأصولية المتمركزة في باكستان، وأصبحت تسعى وراء أهدافها الخاصة. أما حركة طالبان الأفغان، فتساند حركة طالبان باكستان TTP))، التي تقاتل الجيش وتسيطر على جزء من الأراضي. وهي تمتلك أسلحة ثقيلة من ترسانات خلفتها الولايات المتحدة وحلفاؤها المحليون عند مغادرة أفغانستان على عجل في العام 2021.

عاشت باكستان مدة طويلة تحت أنظمة عسكرية مباشرة أو غير مباشرة (كما هو الحال اليوم، مع حكومة شهباز شريف كواجهة)، ولم تكن الحقب الديمقراطية سوى فواصل. لكنها تجتاز أزمة نظام ربما غير مسبوقة. الجيش الباكستاني فاقد جدا للشعبية، منذ أن سجن مَحمِيه السابق، عمران خان، الذي بات قوياً للغاية ولا يزال يتمتع بشعبية مذهلة. قد تتباهى القيادة الباكستانية العليا بعد الهجمة في محاولة لتلميع صورتها، لكن الدعوة إلى الوحدة الوطنية خلف الطغمة العسكرية تبدو، في الوقت الراهن، بلا مفعول، بغض النظر عن الغضب الذي يشعر به السكان بعد هجمات عملية سيندور، التي استهدفت، بالإضافة إلى المنشآت العسكرية، مدارس دينية ومساجد لم تعد مراكز للتعليم الأصولي.

الجغرافيا السياسية للمياه وللسلطة

تفاقمت، في الآونة الأخيرة، التوترات الإقليمية بشكل كبير بسبب قرار حكومة مودي تعليق معاهدة نهر السند. إن التوزيع العادل لمياه النهر أمر حيوي لباكستان، لأنه يسهم في ري الزراعة في البنجاب، سلة غذاء البلد. وتمثل هذا المعاهدة، الموقعة في العام 1960، آلية تعاون مستقرة بين البلدين، وهو أمر نادر الحدوث بحيث يستحق الذكر. ويعد هذا التعليق، الذي اتخذ بعد هجوم باهلغام، بمثابة عمل عدائي حقيقي. وكما هو معروف، أصبح التحكم في الموارد المائية في عصر الاحتباس الحراري تحديًا استراتيجيًا أكبر مما كان سابقا.

تدخلت تركيا، وبعض دول الشرق الأوسط والشرق الأدنى، وسطاء لإنهاء المعارك. كما ستدافع عن باكستان، التي تعد إلى جانب إندونيسيا واحدة من أكبر الدول الإسلامية في العالم، والتي قد تمنحها إمكانية الوصول إلى الأسلحة النووية. لكن القوتين الوازنتين في الصراع لا تزالان هما الولايات المتحدة والصين. من يستطيع التنبؤ بما سيفعل ترامب غدًا؟ يبقى أمر بكين.

يكتسي الممر الباكستاني أهمية أساسية للنظام الصيني، إذ يتيح له بالالتفاف على الهند من الغرب لبلوغ المحيط. يبدأ الطريق الشمالي-الجنوبي المؤدي إلى ميناء جوادر (قيد الإنشاء) في كشمير، الخاضعة لإدارة باكستانية (في جيلجيت-بالتستان)، وينتهي في بلوشستان، منطقة الصراع حيث تنشط مختلف حركات المقاومة الاستقلالية (المدعومة أحيانًا من الهند؟) وحيث لا يتورع الجيش الباكستاني عن استخدام القوة (هنا أيضًا ظاهرة  الاختفاء القسري). الاستثمارات الصينية كبيرة، وقواتها المسلحة موجودة على طول الممر، تحت غطاء أجهزة الأمن تابعة للشركات... الصينية. تحكُّم بكين جلي لدرجة إثارة اهتياج بين النخب الباكستانية، على الرغم من أنه يبدو أمراً واقعاً.وهذا معطى لا يمكن لنظام مودي تجاهله.

أخذ الجديد في الاعتبار، ولامركزة الرؤية، والتصرف الأممي

يجب علينا التفكير في الجديد. والجديد في الحالة التي نحن بصددها كبير: في الهند، الدينامية الإقصائية للهندوتفا (مودى يطالب بكامل حدود الإمبراطورية البريطانية القديمة)؛ وفي باكستان، أزمة نظام خطيرة في بلد تعصف به النزاعات الإقليمية والصراعات المسلحة؛ وإعادة تنظيم جغرافية الحركات الأصولية؛ والآثار المتسارعة للأزمة المناخية؛ وتجدد التحديات الجيوسياسية مع المجهول الذي يمثله مستقبل أزمة نظام أخرى، تغرق فيها الولايات المتحدة وستكون مضاعفاتها عالمية...

أمر عادي أن تقوم كل منظمة في البداية بتحليل حالة الأزمة الإقليمية، إذا جاز التعبير، من منظور بلدها وتوجهها السياسي الخاصين. غير أن تعميق التحليل، والعمل بشكل مشترك، متجاوز للحدود، يستلزمان بذل جهد من أجل لا مركزة للرؤية، ومراقبة الوضع كما تراه البلدان الأخرى المعنية بالأزمة (والمنظمات الأخرى التي نريد العمل معها).وهذا ينطبق على أوروبا (أن يرى الأوروبيون الغربيون الحرب في أوكرانيا كما تعيشها أوروبا الشرقية)، أو على أوروبي يحاول فهم أزمة بعيدة في آسيا...

إن النزعة الأممية هي، بطبيعة الحال، الخيط الموجه للقوى المنتسبة إلى اليسار في حالة النزاع العسكري. وقد حافظ معظم رفاقي في البلدان المعنية على هذا الموقف المعاكس للتيار السائد، وفي مواجهة ضغوط شديدة، متمسكين بمواقفهم ضد الوحدة الوطنية والنزعة العسكرية، ومؤيدين الاعتراف الكامل بحق الكشميريين في تقرير المصير، وهو واجب أساسي للمناضلين الباكستانيين والهنود و... الصينيين.

ليس تطبيق هذا الحق في تقرير المصير بالأمر البسيط، لاسيما أن كل إقليم كشميري شهد الانفصال طيلة عقود. ومع ذلك، طالما لم يتم الاعتراف بحق الشعب الكشميري في تقرير المصير، لن يكون ثمة أي حل دائم لأزمة إقليمية تستغلها العديد من القوى القائمة، دولانية وغير دولانية.

المصدر