مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

طرق جديدة لحل مشكلة السكن القديمة

numéro

تناقلت كل الألسنة، في الأشهر الأخيرة، أسعار الإيجارات، وليس الأمر اعتباطيا. لا لأنها مشكلة تهم مئات الآف الناس وحسب، بل أيضا لأن الحركة من أجل الحق في السكن نجحت في إنزال عشرات الآف الأشخاص إلى شوارع مدريد، وبرشلونة، وفالنسيا، وإشبيلية، وخيخون، وسرقسطة، وسالامانكا ...

فوجئنا، مثل العديد من الناس- حتى المنظمات - باقتحام المستأجرين-ات المباغت هذا، وكذا قطاعات اجتماعية أخرى، خارجين بكثافة إلى الشوارع. الواقع أن هذه التعبئات، الأهم في التاريخ الحديث، جرت في لحظة ارتداد سياسي، وتراجع القوى اليسارية عامة، وصعود اليمين واليمين المتطرف. أفلحت نقابات المستأجرين (Sindicatos de Inquilinas)، في هذا السياق، في الظفر بمكان في وسائل الإعلام، وفي تحديد الأجندة السياسية بخطاب مواجهةٍ جذري مع النظام الريعي ومع الأحزاب السياسية، أي ما يسمى بالكتلة التقدمية، العاجزة على إتيان إجابات حقيقية لمشكلة السكن.

بناء نقابات المستأجرين-ات كأدوات نضال

لم تنبثق هذه التعبئات، برغم طابعها المفاجئ، من عدم. إنها ثمرة حركةٍ من أجل السكن بُنيت بجهد ضارٍ منذ سنوات عديدة. إنها بوجه خاص نتيجة بناء نقابات المستأجرين-ات، التي أفلحت في ضم آلاف الأشخاص (أكثر من 3000 في مدريد وأكثر من 5000 في كاتالونيا)، يجدفون ضد التيار في سنوات التراجع السياسي. تأسست النقابتان في مايو العام 2017، عندما كانت دورة الـ 15M 1 تُستنفذ بجلاء، وكان حزب بوديموس بدأ عملية التبعية لحزب الاشتراكي العمالي الاسباني والتكيف معه، وبدأ الانهاك ينال من التعبئات الكبيرة التي ميزت الدورة السابقة.

كانت نقابات المستأجرين/ت قادرة على إدراك بعض الحدود المميزة للحركات الاجتماعية الحديثة ومحاولة تجاوزها، بفضل أشكال هجينة تقع بين هذه الأخيرة وبين النقابات العمالية. لقد اختارت إحداث بنيات قارة، يتم الانخراط فيها، وتشغل مداومين، على غرار كل نقابة. هذه العناصر هي التي أتاحت لنقابات المستأجرين/ت هذه الاستمرار والتطور و التعزز، وحتى مقاومة أوجه الدمار الناجم عن معيقات الالتزام النضالي المفروضة في سياق الجائحة. كانت هذه القيود الضربة القاضية لغالبية الحركات الاجتماعية التي لم تصمد أمام توقف نشاطها.

معارك ملموسة ضد المؤجرين

بيد أن التحدي التنظيمي لم يكن العنصر الرئيس الوحيد في نجاح النقابات. كانت مقدرتها على ضمان تمفصل صراع المستأجرين ضد المالكين بنحو جماعي عنصرا آخر، وكذا مقدرتها على خلق أدوات نقابية أتاحت لها تحقيق انتصارات. وكانت المقدرة على إتيان إجابات ملموسة ومفيدة للأشخاص الذين يأتون إلى الاجتماعات لعرض مشكلاتهم، وعلى حلها، مفتاح النمو. ما من أمر أفضل لكسب الأعضاء من إثبات فائدة نقابات المستأجرين-ات. وليس ثمة ما هو أفضل من النضال الجماعي لإدراك الحاجة إلى الكفاح المتجاوز للحالات الفردية. ولا يوجد شيء أفضل من الانتصارات على الملاكين لكسب الشرعية الاجتماعية، وتحسين ميزان القوى لصالح المستأجرين-ات والطبقات الشعبية.

جرى تطوير استراتيجيات مختلفة للاستجابة لمعظم،مشكلات المستأجرين-ت: عدم أداء الكفالة، والفواتير غير القانونية، وعدم إصلاح وصيانة الشقق والمباني، والمضايقات الضاغطة لأجل طرد السكان،... ولكن، وبوجه خاص، جرى وضع إستراتيجية مقاومة في مواجهة المشكلة الرئيسية: ارتفاع الأسعار وعدم تجديد عقود الإيجار، وهي الآليات الرئيسية لمعاملة السكن كسلعة، المتيحة للملاكين زيادة أرباحهم على حساب ضرورة أساسية وإفقار تزايد للمستأجرين .

تركز لرأس المال

طورت نقابات المستأجرين، بوجه حالة الشطط هذه، الإستراتيجية النقابية "نحن نبقى" مؤداها عصيان كل من الزيادات في الأسعار وعدم تجديد عقود الإيجار. الفكرة بسيطة: يبقى المستأجرون في منازلهم بعد انتهاء العقد، ويدفعون نفس السعر، ويبدؤون عملية مفاوضة جماعية مع المالك من أجل الحصول على تجديد العقد دون زيادة في الأسعار.

برغم من أنهم يسوقون لنا فكرة رصيد عقاري في أيدي صغار مالكين يعتمدون على هذا الدخل للبقاء على قيد الحياة، فإن الواقع أشد تعقيدا. كانت إحدى ديناميات السوق العقاري التي ظهرت في أعقاب أزمة العام 2008، وتحول سوق العقارات من البيع والشراء إلى الإيجار، هي اندفاع الشركات وصناديق الاستثمار نحو القطاع. وهكذا، تُلاحظ في السنوات الأخيرة زيادة مطردة في عدد كبار الملاكين، وميل إلى تركز الملكية في عدد قليل من الأيدي. وبرغم أن هؤلاء الملاك الكبار لا يمثلون بعد غالبية سوق العقارات المؤجرة، فإنهم يلعبون دورا راجحا وهم رأس حربة المضاربة العقارية.

في هذا السياق، يتخذ كاملَ معناه تنظيمُ الكتل العقارية العمودية 2، متضمنة أحيانا عشرات الشقق المعروضة للإيجار، حيث يمكن أن يوجد بها عدد كبير من المستأجرين المكابدين نفس المشكلات، وبوسعهم النضال معا ضد عدو مشترك. قررت نقابات المستأجرين القطع مع الدينامية السلبية المتمثلة في انتظار حضور الأشخاص المعنيين إلى اجتماعاتهم، لتبني دور استباقي يسعى إلى الصراع. أي باختصار، من أجل الانتقال إلى الهجوم. وذلك بالبحث عن العناصر المختلفة لنفس الملكية، والتحدث إلى الجيران، ورصد المشكلات الرئيسية لكل جماعة، وتنظيم نضال مشترك لعشرات أو مئات المستأجرين لضمان الحقوق المنتهكة. وبوجه خاص، التصرف قبل أن يقع معظمهم في وضع حرج، وبالتالي كسب وقت بهذا النحو للتنظيم والنضال.

ربط الصراع ضد الريع العقاري والنضال على الساحة المؤسسية

وكان من الركائز الأساسية الأخرى الجمع بين النضال بالصراع والنضال في الميدان المؤسسي، بفهم الحاجة إلى الحصول على تغييرات تشريعية تعترف بالحقوق وتحسن وضع المستأجرين العام. وبهذا المعنى، يجب اعتبار التحسينات التشريعية المحققة بفضل إصلاح قانون الإيجار الحضري وقانون السكن (مدة العقد 5/7 سنة، والرسوم على حساب الملكية، وتقنين الإيجار المعمول به في بعض بلديات كاتالونيا، والحد من الكفالات...) انتصارات محققة بالنضال، ولكن دون وقوع في نزعة انتصارية. ولا يعني الاعتراف بأوجه التقدم هذه تجاهل أن آثارها كانت محدودة جدا وغير كافية على الإطلاق. وينبغي ألا يغيب عن البال أن التشريع الحالي لا يزال يحمي مصالح المالكين على حساب الحق في السكن.

إن مفتاح القدرة على ربط النضال النقابي مع النضال المؤسسي والتحسينات التشريعية هو فهم هذه الأخيرة لا كغاية في حد ذاتها، ولا كحل حقيقي ممكن لمشكلة السكن، بل كأداة أخرى للعمل النقابي، كتحسين لميزان القوى لصالح المستأجرين: أداة مفيدة كأساس لحفز الصراعات المقبلة ضد المؤجرين، وتهيئة دورة النضالات القادمة. إن التحسينات التشريعية، والنضال من أجل برنامج يرفع مستوى الوعي، والعمل النقابي والضغط المؤسسي هي جزء من النضال السياسي المنظم على جميع المستويات وضد جميع حلقات الدولة.

إضراب الإيجارات

يكمن جزء كبير من نجاح تعبئات أكتوبر ونوفمبر2024، بوجه التحديد، في مقدرتها على التقدم بمطالب وبرنامج تستشعر شرائح عريضة من الطبقة العاملة طابعهما المشروع، وبوجه خاص الحاجة إلى خفض عاجل وجذري لأسعار الإيجارات (50% كحد أدنى)، وهو إجراء غير مقبول بتاتا من قبل الحكومة. وفي الآن ذاته، أتاحت التعبئة التنديد بكون هذه الحكومة التقدمية المزعومة تعتبر السكن سلعة، ولا تزال تُشَرِّع لضمان دوام الملكية الخاصة وأرباحها. أخيرا، تقدمت التعبئات بإستراتيجية نقابية جديدة للحصول بنحو مستقل على خفض الأسعار هذا : إضراب الإيجارات.

لكن خفض الإيجارات ليس الإجراء العاجل الوحيد. فالتدابير التالية، ضمن أمور أخرى، ضرورية:

1. ايجارات طويلة الأجل مع تجديد تلقائي، ما يتيح ضمانات طويلة الأجل للتمكن من تخطيط وتطوير الساكن حياته في ظروف جيدة.

2. مصادرة جميع المساكن الفارغة، والتي في حوزة الصناديق الانتهازية (**)، التي لا تؤدي وظيفتها الاجتماعية، من أجل إنشاء رصيد مساكن عامة تحت رقابة اجتماعية.

3. تنظيم حقيقي لأسعار الإيجارات، يراعي وضع الأسر الاجتماعي والاقتصادي، ويضبط سعر الإيجارات في  10٪ كحد أقصى من الدخل.

كل هذه الإجراءات ضرورية للبدء في التخفيف من حالة الطوارئ السكنية التي نعاني منها منذ سنوات. لكن دعونا لا ننخدع، فالطريقة الوحيدة لضمان الحق في السكن للجميع هي سحب المساكن من السوق وإنهاء الإيجار كوسيلة لاستخلاص الريوع على ظهر الطبقة العاملة. وهذا ما لن يتحقق في إطار النظام الرأسمالي.

إعادة بناء الوعي الطبقي ومحاربة اليمين المتطرف

بالإضافة إلى تنظيم المستأجرين الضروري لتحسين ظروفهم المادية، يمكن للمنظمات والبنيات مثل نقابات المستأجرين أن تلعب دورا رئيسيا في إعادة بناء الوعي الطبقي، بربط قطاعات رئيسية من القوى العاملة بكامل تعقيداتها، من منظور نسوي ومناهض للعنصرية، وتكون معقلا ضد اليمين المتطرف.

ومن المهم التأكيد، كما أشير في مناسبات أخرى، على أنه لا توجد طبقة مستأجرين. المستأجرون هم قطاع من الطبقة العاملة، ليس موقعه الطبقي مرتهنا باستغلال العمل فحسب، بل أيضا بعدم التحكم في مسكنه، تماما كما هو الحال بالنسبة للأشخاص الذين عليهم قرض او يعيشون في مساكن احتلوها (مُستقْطِنون). على عكس من يتحدثون عن مسألة أجيال، نعتبر أنها مواجهة بين الطبقة العاملة ومصالح أصحاب الريوع الذين يشكلون جزءا مركزيا من برجوازية الدولة الإسبانية.

تتيح مقدرات حركة حقوق السكن الكامنة إمكان بناء عمل نقابي قادر على مواجهة الديناميات التي يفرضها السوق، بتجميع القطاعات الأكثر فقرا وأولئك الذين يعانون من الاستغلال الريعي اليومي دون أن يتعرضوا للهشاشة القصوى. على نقابات المستأجرين اليوم العمل بربط النزاعات والتنظيم من خلال التجربة بالنضال لبناء حركة جماهيرية قادرة على دمج غالبية الناس الذين يستأجرون سكنهم.

إن الزيادة في كلفة المعيشة، وطرد الجيران من أحيائنا، وتكاثر الشقق السياحية، والتدهور المنهجي للخدمات العامة وتسليعها، هي أيضا نتيجة لعملية تسليع أحيائنا، المرتبطة مباشرة بالهجوم الريعي. لكن هذا الوضع يتيح أيضا فرصا لحركة السكن، ولكل من في اليسار الثوري يرون ضرورة تشكيل كتلة سياسية واجتماعية تقطع مع سياسة الحوار الاجتماعي. في حالة السكن، يتعلق الأمر بتوسيع مجال عملنا ليشمل الطبقة العاملة برمتها، وخاصة أولئك الذين يمتلكون منزلا ويعيشون فيه، والذين تكون مصالحهم أقرب إلى مصالح الأشخاص الذين لا يتحكمون في مساكنهم، مما هي إلى مصالح 6٪ من السكان الذين يحصلون على ريع من الإيجار.

في مواجهة الرجعيين

علاوة على ذلك، يعد الصراع الطبقي على السكن أحد رؤوس حربة اليمين المتطرف عبر المحاربة العنيفة للحركات الاجتماعية الذي تقوم بها شركات الإخلاء (شركات خاصة تقدم حلولاً سريعة وفعالة لإخلاء الساكنين غير الشرعيين)، المولدة لردود أمنية على ذعر مفتعل - حيث يُزعم أن من ينزل لشراء خبزه سيعود ليجد منزله محتلا - وكأداة لإعادة إنتاج الطبقات الوسطى قيد الإفقار، في صراع ما قبل الأخير ضد الأخير. بينما يسعى اليمين المتطرف إلى تفتيت الطبقة العاملة على أساس قضايا مثل الجنسية أو العرق، تتيح الحركة النقابية - بشكل عام - توحيد الطبقة العاملة برمتها في النضال.

إن أفضل طريقة لمواجهة المواقف الرجعية لقطاعات معينة من الطبقات الوسطى هي توحيد الطبقات الشعبية ببرنامج سياسي يقترح حلولا شاملة لمشكلة السكن، مع الاعتراف بتنوع الطبقة العاملة والتأكيد على الحاجة إلى طرح مبادئ نسوية ومناهضة للعنصرية.

معركة نسوية

هذا جلي جدا في مجال الإسكان، لأن قطاعات المهاجرين - التي غالبًا ما تكون على هامش الشبكات السياسية - تنتظم جنبًا إلى جنب مع القطاعات غير المهاجرة، في أوضاع أقل هشاشة أحيانا. وعبر استحداث مجتمعات ومبادرات نضال جماعي، يتوقف السكان البيض الأصليون عن اعتبار المهاجرين بمثابة "آخر"، وينظرون إليهم كجزء من نفس الذات. هذا كله بحضور عدد كبير من النساء كفاعلات رئيسيات.

وليس هذا صدفة، فلا يزال المنزل هو المكان الذي يحتفظ به النظام الأبوي والرأسمالية للنساء، اللاتي يواصلن أداء معظم المهام الضرورية لإعادة الإنتاج الاجتماعية. ويظل المنزل، بالنسبة لكثير منهن، مكانًا للمسؤولية والعمل، ولكن أيضًا مكانًا لازدهار الشخصية. وفضلا عن ذلك، عندما يُطردهن، لا يُطردن من المنزل فحسب، بل من مجتمع أيضًا. ولهذا السبب أيضًا، عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن المنزل وكل ما يحتويه، تكون النساء في الصفوف الأمامية.

بينما يشغل الرجال غالبا مساحة أكبر في اجتماعات نقابات المستأجرين، ينهض عدد متزايد من النساء كل أسبوع بصراعهن الخاص، مدبرات لملفهن الخاص، ومضيفات هذا العبء الزائد إلى واجبات الرعاية  والعمل لكسب معيشتهن. في ثقافة واقتصاد نيوليبرالي يريدنا أن نكون وحيدات وعاجزات، حيث يتعين على كل فرد أن ينقذ نفسه، فإن الجيران هم الذين يدعمون بعضهم البعض لبلوغ ما لا تعمل الدولة على توفيره، بينما يواصل النظام هجماته.

تضع مقاومة عمليات الإخلاء، والنضال من أجل سكن لائق للجميع، الحياة في المركز، وتركز الاهتمام على إعادة الإنتاج الاجتماعية. نضع موضع اتهام قواعد السوق والمضاربة العقارية، التي تولي الربح الاقتصادي أسبقية على الحاجات البشرية والحفاظ على الحياة، ونخلق روابط مع النضالات النسوية ضد التبرجز وتدمير الأحياء الشعبية، ونقاوم تسليع الفضاء العام. يجب أن يجسد النضال من أجل السكن هذه النقابية النسوية والمناضلة التي تواجه الهجوم النيوليبرالي على إعادة إنتاج الحياة، ببناء تحالفات مع عاملات المنازل، وعاملات الجنس، والمعارضات على صعيد جنسي وجندري، والنساء المهاجرات والمصنفات عرقيا ، وجميع من تصيبه مباشرة أزمة إعادة الإنتاج الاجتماعية.

تحديات جديدة بوجه الحركة النقابية السكنية

اختتاما، نعتقد أنه من المهم تأكيد التحديات الرئيسية التي يجب أن تواجهها نقابات المستأجرين، والحركة ككل، في السنوات القادمة لتتمكن من إتيان إجابة عامة لمشكلة السكن. أولا، نحن بحاجة إلى تطوير وتحسين أداة إضراب الايجارات لتكون مفيدة بالفعل، وتتيح لنا تحقيق انتصارات جديدة وتخفيضات واسعة النطاق في الأسعار، مع التمكن أيضا من الاستفادة من لحظات التدخل السياسي. بالإضافة إلى ذلك، نحتاج إلى تجاوز نقابات المستأجرين الحالية، و إلى المراهنة على تطويرمنظمات مستأجرين جديدة على المستوى الإقليمي والوطني، واتخاذ خطوة أخرى للتغلب على التجزئة بين المستأجرين/ت و الملاكين المحتلين (المُستقْطِنين) وخلق حركة نقابية سكنية قادرة على تقديم إجابة  إجمالية.

بادئ ذي بدء، يجب القول إن إضراب الإيجارات جاري بالفعل. فالمئات من مستأجري Nestar، الذين تم تنظيمهم مع نقابة مستأجري مدريد ، كفوا عن دفع جزء من إيجارهم لمحاربة انتهاكات هذا الصندوق الانتهازي. وبالمثل، يقوم مستأجرو La Caixa بإضراب شامل عن الإيجار، جنبا إلى جنب مع نقابة مستأجري كاتالونيا، لأجل استرداد الضريبة العقارية، وهي ضريبة محلية على كل ملك عقاري، تُقطتع بالاحتيال. وقد أتاح تنظيم كتل مُضرِبة إمكان إضرابات نشيطة في مدريد وكاتالونيا، مستفيدة من المكون الجماعي لهذه الإضرابات، وألحقت أضرارا مباشرة بأموال الصناديق الانتهازية الكبيرة. إنه هجوم مباشر على رأس المال العقاري، وهذا يتيح أيضا تحقيق انتصارات، مثل إلغاء البنود التعسفية، دالة على فعالية النضال الجماعي.

سلطت نقابة المستأجرين في مدريد الضوء على إضراب الإيجارات في الفترة التي سبقت مظاهرة 13 أكتوبر، وقد فرضت هذه الإمكانية نفسها في وسائل الإعلام، ما أثار الرعب والسخط بين المؤجرين، ولكن أيضا فضولَ أو حماسَ العديد من المستأجرين. الإضراب مفيد كعنصر تحريض وكأفق للسير نحوه، مفهوما على أنه يجب أن يكون نتيجة لسيرورة نضالات صاعدة، تخلق إمكانياتِه من تجارب ملموسة للإضرابات، جزئية أو كلية، في كتل عقارية عمودية، للظفر في صراعات وكسب شرعية، مع توسيع التنظيم والشعار الى كل حي وتحسين ميزان القوى لصالحنا. لا يمكن أن يكون إضراب الإيجار إعلانا رمزيا: إذا تم إعلانه فيجب الظفر به.

ولكن، بالإضافة إلى تطور إضراب الإيجارات، يجب أن تكون نقابات المستأجرين قادرة على الاستفادة من اللحظة الحالية. كما ذكرنا سابقا، تمكنت النقابات العمالية من بناء منظمات مستقرة وطويلة الأجل بواسطة خطط منظمة ورهانات طويلة الأجل ومنهجية واضحة. ومع ذلك، من الضروري، في الوقت الذي تقتحم فيه قضية الإسكان الساحة السياسية والإعلامية، امتلاك الجرأة على أخذ زمام المبادرة، لأن الوضع السياسي الراهن يستدعي إجابات سريعة من أجل الاستفادة من لحظة الزخم السياسي وتعبئة الجماهير بنحو يتجاوز النشاط اليومي.

مواجهة الرأسمالية

فمن ناحية، يتيح هذا مساءلة الدولة بشعارات برنامجية، مثل مصادرة المساكن الفارغة والسياحية والمؤقتة، مع رفع مستوى الوعي العام والدعوة إلى التنظيم. إن اتهام الدولة جوهري إذا أدركنا أن الريع أحد العناصر الهيكلية في بناء الرأسمالية في الدولة الإسبانية، وهو برغم إمكان تجليه في أشكال مختلفة - الإيجارات الموسمية، واضفاء الطابع السياحي، والمساكن الفارغة،، يستجيب لنفس دينامية المضاربة المتمثلة في الزيادة المعممة في الأسعار.

إن كون الريع مشكلة واسعة الانتشار يحيل إلى مسألة السلطة السياسية ومسألة الدولة، التي لديها في النهاية القدرة السياسية على التدخل وتوجيه المجتمع برمته. لهذا السبب، من المهم، بالإضافة إلى تشكيل وتطوير نقابات المستأجرين في جميع المناطق، أن تكون قادرة على التعبير والتنسيق مع بعضها البعض، وتشكيل منظمة كونفدرالية، تُحسِّن ميزان القوى لصالحنا عند مواجهة كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، مع الحفاظ على توجه شامل نحو الحكومات باعتبارها المسؤول الرئيسي عن حالة السكن.

لكن ينبغي ألا يكون الهدف فقط تحقيق قفزة تنظيمية على المستوى الإقليمي، بل القيام بالقفزة نحو حركة نقابية سكنية شاملة متكاملة، تتعامل مع جميع المشكلات - الإيجار، المساكن المحتلة، المساكن غير الصحي، الرهون العقارية - وتكون قادرة على التوحيد وإعطاء إجابات فعالة لمجمل الطبقة العاملة التي لا تتحكم في مساكنها.

يمثل الإيجار في الوقت الحالي نقطة انطلاق لتنظيم الصراع حول عدم التحكم في السكن. فمن ناحية، يتعلق الأمر بقطاع من الطبقة العاملة بالغ الأهمية عدديا، ومن ناحية أخرى، هو القطاع الذي يعاني أكثر من غيره من مشكلات تسليع السكن. وعلاوة على ذلك، يؤدي عدم استقرار العقود، التي تسمح بالزيادات التعسفية أو الطرد التعسفي للعائلات بشكل منتظم، بفارق سنوات قليلة فقط، إلى معركة دينامية وفعالة ضد النظام الريعي.

ومع ذلك، يجب أن نتوجه بالنداء إلى مجمل أعضاء الطبقة العاملة الذين لا يتحكمون بمساكنهم، مدركين أن المشكلة تكمن في نهاية المطاف في تسليعها. من الضروري وضع برنامج يخاطب جميع هذه القطاعات بنحو شامل لتجنب المواجهة بين الملاكين المستدينين والمستأجرين والمستقطنين، الذين تتمثل مصلحتهم المشتركة في ضمان أن يكون السكن ملكًا عامًا وليس سلعة. وبالتالي فهي أيضًا خطوة سياسية إلى الأمام، توحد عبر برنامج ملموس مطالب وحاجات أولئك الذين تسعى السوق والدولة إلى تقسيمهم. التقدم في بناء كتلة سياسية للطبقة العاملة تحدث، من خلال تجربة الصراع على الإسكان، قطعا مع إستراتيجية الحوار الاجتماعي، وتتصور السياسة كوعي بمقدراتنا على بناء بديل اجتماعي وثقافي وسياسي عن الرأسمالية.

لا يمكن، من وجهة نظرنا، تحقيق هذه الوحدة إلا عبر نضال مشترك وتجربة مشتركة تبرز الحاجة الملحة لصياغة بديل سياسي يبلور في مجال السكن، على أساس رد مناهض للرأسمالية على مجمل نظام السيطرة والاستغلال الرأسمالي، رد برنامجي اشتراكي ايكولوجي يكون منطلَقاً لمواجهة مباشرة لكل أحزاب النظام والدولة في مؤسساتهم الخاصة. هناك بالفعل العديد من الأمثلة حيث، في غياب أداة سياسية خاصة بنا ننطلق منها لمواجهة أحزاب الريع والمضاربة العقارية دون تنازلات، يُعرض علينا كبديل رئيسي التفويضُ لمن يتولون في أحسن الأحوال إدارة نقدية للأزمة الرأسمالية. ولكننا ندرك أن لا فرصة لتجسيد أحد الشعارات التاريخية لحركة الإسكان، السكن الشامل والجيد“،تحت وطأة الرأسمالية. وهذا ما يفرض علينا جميعًا مهمة التقدم نحو هذا الهدف بالجمع بين إنجازاتنا اليومية وبناء كتلة اجتماعية وسياسية تتبنى هذه الفكرة ومستعدة للنضال من أجلها في جميع ميادين الصراع الطبقي

  • 1

    يشير اسم 15M إلى 15 مايو 2011، وهو تاريخ أول مظاهرة كبرى للحركة في مدريد. جمعت حركة Indignados مئات الآلاف من المتظاهرين في مائة مدينة في جميع أنحاء إسبانيا.

  • 2

    الكتل العقارية العمودية  هي مبانٍ او مجمعات سكنية تعود ملكيتها الى مالك واحد أو كيان واحد (مثل صندوق استثماري أو بنك أو مؤجر كبير)، على عكس الملكية الأفقية، حيث يكون لكل شقة مالك مختلف.

المؤلف - Auteur·es

أليكس فرانسيس

أليكس فرانسيس وبلانكا مارتينيز مناضلان من أجل الحق في السكن في نقابات المستأجرين في كاتالونيا ومدريد، وعضوان في منظمة مناهضي/ت الرأسمالية  Anticapitalistas ، الفرع الإسباني للأممية الرابعة. سينشر هذا المقال في فيينتو  سور Viento sur  العدد196.

بلانكا مارتينيز

أليكس فرانسيس وبلانكا مارتينيز مناضلان من أجل الحق في السكن في نقابات المستأجرين في كاتالونيا ومدريد، وعضوان في منظمة مناهضي/ت الرأسمالية  Anticapitalistas ، الفرع الإسباني للأممية الرابعة. سينشر هذا المقال في فيينتو  سور Viento sur  العدد196.