
ما يفوق 200 قتيل، وجماعات سكانية منهارة، وبنى تحتية مدمَّرة. تتركنا حصيلة "الدانا Dana"1 في فالنسيا في حالة متزايدة من الدمار والخراب، وتغدو مجمل صنوف الإهمال تربة خصبة لردود الفعل التضامنية، لكن أيضًا للردود الرجعية واليمينية المتطرفة.
لهذا السبب، عندما تغمرنا الكارثة، وتدهمنا الحاجة الملحة إلى الرد، يكون واجب المناضلين- ات الثوريين- ات هو أن يجمعوا التضامن الفوري للاستجابة للحاجات الآنية في المناطق المتضررة مع عمق التحليل من أجل فهم للكارثة يُعَيِّنُ المسؤولين الحقيقيين ويقترح منظورا للصراع.
أجل، نريد أن نتحدث عن الدانا وعواقبها من منظور الصراع، لأن أيا من الظواهر الجوية السلبية التي نشهدها لا تَحدث في فراغ: إنها أعراض الأزمة الإيكولوجية وتفاقمها في منطقة البحر الأبيض المتوسط، والهشاشة الناجمة عن النظام الافتراسي للإنتاج واحتلال الأرض. أمر يجب ألا ننساه رغم عنف الكارثة الاستثنائي. كما لا يمكن نزع الطابع السياسي عن الكارثة.
اضطرابات المناخ في زمن الأزمة الإيكولوجية
إذا كنا نأخذ تحليلاتنا على محمل الجد عندما نتحدث عن الأزمة الإيكولوجية وقفزاتها الكمية والنوعية، فمن الجوهري ربط الكوارث التي نعيش حاليا بعضها ببعض. إن منطقة البحر الأبيض المتوسط هي، بسبب خصائصها الطبيعية والجغرافية، واحدة من أكثر المناطق عرضة للخطر: بحرنا وهواؤنا أكثر دفئًا بكثير من المناطق الأخرى؛ وفي سياق ارتفاع الحرارة، يفاقم هذا آثار السيول والفيضانات التي تغدو أكثر تواترًا وأشد قوة. وكما تشرح جيزيلا تورنتس Gisela Torrents، يمكنلغلاف جوي أدفء أن يُخزن قدرا أكبر من بخار الماء. بنحو ملموس، يمكن لهوائنا أن يضم، مع كل درجة حرارة إضافية، 7% إضافية من بخار الماء، يُحتمل أن ينتهي إلى الهطول دفعة واحدة، مسببا ظواهر مماثلة لتلك التي لاحظنا هذه الأيام مع عبور الدانا أراضينا. يتشكل هذا الواقع بينما باتت درجة الحرارة مرتفعة بمقدار 1.3 درجة مئوية عما كانت في عصر ما قبل الصناعة، وعواقبها على الأرض متفاقمة بسبب كيفية استعمالٍ للأرض لا تراعي الخصائص الجغرافية القائمة. وإن الواقع الملموس للفوضى المناخية التي نشهدها في فالنسيا شاهد على ذلك.
عندما نضع في الاعتبار الهشاشة المناخية التي تضعنا فيها الأزمة البيئية، يجب أن ندرك أن بوسعنا، بالطبع، تحسين أنظمة إنذار السكان، وزيادة عدد فرق الطوارئ للتصرف بسرعة وكفاءة أكبر، لكن لا ليس بوسعنا تجنب الأمطار، وربما حتى الكثير من الأضرار المادية التي تسببُها إذا واصلنا الإقامة في المناطق المحتمل أن تكون عرضة لفيضانات. لذلك، يجب إبراز أن السيول والفيضانات، كالتي نجمت عن الدانا، على غرار موجات الحر، وانجراف التربة الخصبة، وحرائق الجيل السادس2، وثيقة الارتباط بمصالح الرأسمالية الأحفورية التي تجعل الهمجية المناخية، بحفز من الربح، معيارا.
لقد عودتنا بنيات الاقتصاد والسلطة، التي تفرض نمط إنتاج قائم على الحرق المستمر لكميات هائلة من الوقود الأحفوري، على ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وتدمير النظم الإيكولوجية وانقراض الأنواع . إنه أمر أساسي التصدي مباشرة لمساندي الرأسمالية الأحفورية، ولمن يستفيدون من الدمار الناجم عنها، ويخلقون أسواقًا جديدة للمضاربة على الانتقال الايكولوجي. لا يمكننا أن نتسامح مع بقاء الرأسمالية الأحفورية في صحة ممتازة، واستمرار الحكومات في تخصيص الملايين من المساعدات له، بينما نواصل نحن، العمال والعاملات، عد قتلانا في الكوارث المتسارعة.
يجب أن نتحرر من التبعية للوقود الأحفوري، ونفكك بنيات سلطة الشركات والدولة التي تدعمه، وإجراء تغييرات جذرية في طريقة تنظيم حياتنا، وإعادة التفكير في هيكل الإنتاج بنحو يقلل استهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. إن خارطة الطريق هذه حيوية في خضم الاضطرابات المناخية للأزمة البيئية، ويجب تنفيذها بتخطيط ديمقراطي، ودون أن نغفل أن الأمر ليس مستلزمات اقتصادية أو خاصة بالأمن القومي، بل دفاع عن الحياة، عن حيوات لائقة. ليس وقف ارتفاع درجات الحرارة، وتقليل آثار أزمة المناخ، مجرد مسألة بقاء، بل مسألة صراع طبقي: فبوجه عدم اليقين المكتنف للآثار الناجمة عن مختلف أبعاد الأزمة البيئية، نريد أن نستبق كل شيء ممكن، وأن نقطع مع الرأسمالية الأحفورية وأسواقها من أجل هذه الأجندة الاشتراكية الايكولوجية.
عودة الثنائي القاتل: إعادة الاعمار والتمويل
طيلة عقود من الزمن، أتخذ إطار الرأسمالية الأحفورية في إسبانيا شكل هروب إلى أمام حول ثنائية إعادة الإعمار والتمويل. فشكلت أراضينا، بهذا النحو، ملعبا لمصالح رأس المال، وتم اعتبار الأرض قيمة استهلاكية وليس قيمة استعمالية، أي سلعة أخرى يمكن استخراج الأرباح منها. ونجد أمثلة على ذلك في كل فترات ازدهار التنمية الحضرية التي جرت منذ سنوات 1970. إن جعل أشغال الإعمار المحمومة حقلا تجاريا ذي مردود لصالح البعض، ووسيلة لإعادة تنشيط الاقتصاد، وتقطيع المجال الترابي، كان دوما ممارسة مغرية للحكومات من جميع الألوان في أوقات الأزمة.
إن مقترحات توسيع البنى التحتية، مثل ميناء فالنسيا أو مطار إل برات، إلى جانب حفز البنى التحتية المرتبطة بالسياحة مثل مقهى هارد روك في تاراغونا، والألعاب الأولمبية في جبال البرانس، وكأس أمريكا في فالنسيا وبرشلونة، هي جزء من سلسلة اقتصادية مضارباتية. إن تسليع جميع الأراضي، سواء كانت زراعية كما نرى في مقترح التعمير الجديد في بينيماكليت، أو أراض قابلة للفيضانات كما نرى في مشروع الحركية الحضرية المستدامة PDU3 في منطقة تريس زيمينيس في سانت أدريا ديل بيسوس وبادالونا4، مقبول أيا كانت عواقبها ومدى مفاقمتها لهشاشتنا.
إذا ركزنا اهتمامنا على انتشار السيول والفيضانات، فمن الضروري الإشارة إلى المستتبعات البيئية والاجتماعية للعمى البيئي والترابي (المتعلق بالأراضي) لثنائية الإعمار والتمويل عندما تشجع على بناء في مناطق الفيضانات، وعندما تعتقد أن بناء حواجز دفاعية اصطناعية يزيل خطر احتلال المساحات القريبة من الأنهار والوديان. ومن هنا استنتاج هام: لم تكن الآثار المترتبة على الدانا خطيرة وحسب، بل كانت مأساوية ومدمرة بسبب نموذج احتلال الأراضي غير متحكم به، تدفع به شركات البناء وصناديق الاستثمار، وتحميه الحكومات. لذا، ولتجنب تكرار ما جرى، يجب علينا مراجعة كل ما تم بناؤه في المناطق المعرضة للفيضانات، وإيقاف جميع تصاريح البناء الجديدة، ونقل المنشآت والمساكن من المناطق عالية الخطورة إلى أماكن آمنة.
يعيش حالياً حوالي 2.7 مليون شخص في إسبانيا في مناطق معرضة لخطر الفيضانات، ووفقاً لخطة الحكومة المركزية الجديدة لإدارة مخاطر الفيضانات، تشمل هذه المناطق المهددة 45 مستشفى و985 مركزاً تعليمياً و358 دارا للمسنين و9 مطارات. يجب ألا تشلنا المخاطر التي تشير إليها هذه البيانات؛ بل يجب أن تشجعنا على إعادة التفكير في تخطيطنا الترابي، بطريقة واعية للحدود المادية واحتياجات إعادة الانتاج اليومية لحياة السكان، واعادة إنتاج الموارد الموجودة اليوم. يستلزم ذلك تفكيرا صعبا ولكنه مهم: لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بإعادة بناء ما دُمِّر في مناطق معرضة للفيضانات، ولا بتحويل اقتصاد الكوارث إلى سوق جديدة لصالح الثنائي القاتل، ثنائي الإعمار والتمويل.
لا يمكن أن نجعل سلامة المرافق العامة والجماعية والمساكن متوقفة على منشآت دفاع اصطناعية جديدة بوجه السيول والفيضانات. كما ذكرت منظمة Ecologistas en Acción في بيانها، ليس بناء حواجز مائية جديدة حلاً بوجه الفيضانات، بل هي تفاقمها. إنها تولِّد إحساسًا زائفًا بالأمان، ما يؤدي إلى مواصلة احتلال مساحات كانت في الأصل حيزا لمجرى الأنهار والوديان. وتحجز المياه في مساحة مقلصة، وتزيد سرعة المياه وارتفاعها، بنحو يجعلها عندما تفيض أكثر خطورة بسبب الشدة؛ وهي لا تلغي الفيضانات، بل تنقلها فقط من مكان إلى آخر، فتنقل الآثار من منطقة إلى أخرى. ومن ثمة أهمية ألا يوضع حجر بناء واحد آخر في مناطق الفيضانات، وألا يُعطى ترخيص آخر، وألا يعتمد اقتصادنا على تلك المناطق. كيف نبني وأين، وكيف نصنع الهياكل التي تسمح لنا بالتنقل، وكيف نرتبط بالطبيعة والموارد البيئية (الأنهار والغابات والبحار...) للأماكن التي نعيش فيها، هي أمور أساسية لإعادة التفكير في نموذج استعمال الأراضي، مع الأخذ بعين الاعتبار الشكوك التي تكتنف الأزمة البيئية.
من المهم، بهذا المعنى، التأكيد على أن تأثيرات الدانا لا تقتصر على البلديات التي تكرس فيها آلاف المتطوعين الوقت والموارد لإعادة جعلها صالحة للسكن: تلعب مهام التنظيف أيضًا دورًا محوريًا في منع تأثير الدانا على البوفيرا Albufera5. يمثل ركود مياه الصرف الصحي والمنتجات الملوثة وتراكم النفايات خطراً على صحة وسلامة الناس والنظام البيئي المتنوع الموجودين في المناطق الرطبة. إن العواقب المحتملة على البوفيرا قد تعرض للخطر الأنواع المهدَّدة بالانقراض وتغيُّر الوظائف البيئية والاجتماعية للمنطقة. وليس هينا بأي وجه إمكان تغيير عملية الأيض الإيكولوجي والبيئي للمنطقة: فالأراضي الرطبة آبار قادرة على التقاط وتخزين ضعف كمية الكربون التي تحتفظ بها الغابات، ويزيد تدميرها من ضعف المنطقة أمام تغير المناخ. لا يمكننا أن نسمح لمصالح ثنائي الإعمار والتمويل بمفاقمة عواقب الأزمة البيئية، ولا بعرقلة التعافي البيئي للمناطق المتضررة وحمايتها.
بيد أنه من الضروري الذهاب إلى أبعد من ذلك لوقف الثنائي المدمر: فحتى عام 2015، لم تُعلَن مناطق الفيضانات في الدولة الإسبانية أراضٍ غير قابلة للاستعمال الحضري؛ ومع ذلك، لا نزال نلاحظ حتى اليوم كيف تجري إعادة تكييف المناطق عندما تكون مصالح ثنائي الإعمار/ التمويل على المحك. لهذا السبب لا يتعين تغيير نموذج احتلال الأراضي وحسب، بل أيضا محاسبة من حفزوا ونفذوا وسهلوا ووافقوا على إنشاءات جديدة في المناطق المعرضة للفيضانات، والذين ما يزالون يدافعون عن مصالحهم باسم الاقتصاد دون الاهتمام بحيواتنا.
وفضلا عن ذلك، يجب، من منظور اشتراكي ايكولوجي، أن تشمل الاستجابة لحالة الطوارئ التي سببتها الدانا في مناطق الفيضانات تشريكا عاجلا للمساكن في المناطق غير المعرضة للفيضانات: مصادرة المنازل الفارغة وتلك التي في أيدي الصناديق الجشعة6، واستعادة الشقق السياحية والموسمية للاستخدام السكني. ويجب أن تقترن هذه الاستجابة بنقل المرافق الواقعة في مناطق الفيضانات إلى مناطق آمنة وفي ظروف لائقة - مع إشراك السكان والشبكات المجتمعية في عملية تقرير مستقبل تلك المرافق - وبعمليات تكييف ترابي مثل إعادة إضفاء سمة طبيعية على الوديان، ونفاذية الشوارع والطرقات، وتوسيع محيط الأشجار في المدينة، إلخ.
إنكار الأمر البديهي يقتل، و كذلك الاقتطاع من الميزانيات
إن تفاقم التجليات الجوية للأزمة الإيكولوجية مقترنة بنموذج استعمال ترابي متغاض عن المناطق المعرضة للفيضانات يؤطر السياق المناخي والمادي لآثار الدانا، لكنه لا يفسر أسباب استمرار خراب اورتا سور Horta Sur7 بعد أسابيع من الكارثة. لا يفسر هذا سبب عدم تفعيل الإنذارات منذ البداية بمجرد أن حذرت AEMET8 الوكالة الإسبانية للارصاد الجوية من وصول الدانا إلى فالنسيا، ولا يفسر سبب عدم تنسيق خدمات الحماية - الذي سبب تأخر المساعدات في لحظة حرجة - ولا تشبع مراكز الهاتف في مواجهة الفيضانات. كما أنه لا يفسر لماذا كان السكان والمتطوعون أول متدخل في حالة الطوارئ منذ البداية، أو لماذا كانوا في الصفوف الأمامية، منظِّمين فرق تنظيف ورعاية المتضررين الأكثر تضررًا، سادين ثغرات الحكومات الغائبة وغير المنشغلة بتلبية الحاجات الأكثر إلحاحًا. إن الصمت والتقصير السياسي الكبير، اللذين حدثا قبل الدانا وفي أثنائها وبعدها، هما نتائج خيار سياسي واع من قبل الذين يحكمون أزمنة الأزمة البيئية هذه انطلاقا من رؤية رجعية ومحافظة وليبرالية.
إن غياب رد فعل من حكومة فالنسيا الذاتية يوضح العواقب المادية على أجسادنا وحيواتنا وأراضينا الناتجة عن رؤية تتجاهل تغير المناخ، وتنكره، وتبخس أهميته إلى أن تمتد آثاره إلى الساحة السياسية والاجتماعية. إنها نتيجة إنكار الأدلة بأي تكلفة حتى تصبح العواقب واقعا وتتصدر عناوين الأخبار. إن استراتيجية إنكار تغير المناخ بسيطة: إفقاد الاعتبار لكل ما يتعارض مع منطق الربح، ورفض كل ما يعطي أولوية للمشترَك على حساب الحرية الفردية، وإلغاء كل ما يزيح الملكية الخاصة من مركز الاقتصاد. تجسد نزعة إنكار أزمة المناخ منظورا رجعيا ونيوليبراليا يمنع التصدي للمخاطر والتهديدات الحقيقية، وكذا على أسبابها، من أجل الحفاظ على دارات إنتاج رأس المال وإعادة إنتاجه.
إن نزعة إنكار أزمة المناخ قاتلة. يؤدي التقاؤها مع الضرورة الاقتصادية إلى تسبيق مصالح الشركات على صحة الشغيلة وسلامتهم، ويفاقم العواقب الفتاكة لأحداث من قبيل الدانا. فالعديد من الذين واللائي ماتوا أو اختفوا ما كان لهم أن يكونوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ لولا أن الشركات أجبرتهم على البقاء في أماكن عملهم، ولولا الابتزاز المتمثل في إجبارهم على بيع قوة عملهم من أجل العيش، وما ينطوي عليه ذلك من مخاطر شديدة. من المهم التذكير بكون إطلاق إنذار الحماية المدنية لم يتم سوى في الساعة 20.15، أي بعد انتهاء يوم عمل قسم كبير من السكان؛ وبعد ساعتين من حدوث الفيضانات الأولى، التي سببت انهيار الطرقات، مع مئات السيارات المحجوزة حتى اليوم بنحو يعرقل ولوج بعض المدن الأشد تضررًا.
كانت شركات ميركادونا (توزيغ أغذية مختصفة في أسواق القرب الكبرى) وإيكيا وغلوفو (توصيل أغذية إلى البيوت بتطبيق هاتفي) من الشركات المعروفة التي عرّضت عمالها للخطر الشديد، لكن إدارة فالنسيا لم تتفاعل بأفضل من ذلك مع العمال العموميين غير الأساسيين. لم يُطلَق الإنذار الأقصى فاستمرت الحياة الحياة بمنطق العمل كالمعتاد as usual Businessعلى أمل ألا تنتهي الأمطار إلى ما انتهت إليه. وكما جاء في الشكوى التي قدمتها نقابة الكونفدرالية العامة للعمل في فالنسيا، مثلت هذه التصرفات انتهاكات متعددة لحقوق الشغيلة يجب محاسبة المسؤولين عنها.
لا تكفي مطالبة الشركات والحكومات بعدم تعريض حياتنا للخطر. ولا يكفي أن نتحرك بتعزيز تشريعات المخاطر المهنية أو خطط الطوارئ وبروتوكولات السلامة، التي تبقى حبراً على ورق في غياب سلطة نقابية مضادة لها مقدرة فرض سلطتها وثقتها. إن مهمتنا واضحة: يجب علينا أيضا، بقصد تجنب تكرار هذه الحادثة غير المسبوقة، أن نتقدم في بناء قوة نقابية تقول بوضوح أننا، نحن الطبقة العاملة، لن نعرض حياتنا للخطر لإرضاء جشع رأس المال. فمصادر ثروته هي أيضًا حدوده، ونحن نرفض الابتزاز الإجرامي الذي يضعنا أما خيار التعرض للطرد من العمل أو الموت وسط عاصفة.
غير أن الإهمال السياسي لا ينتهي هنا. يجب ألا يُنظر إلى درجة فتك نزعة إنكار أزمة المناخ في فالنسيا من زاوية هيمنة الضرورة الاقتصادية للشركات وحسب، بل يجب ربطها بتبني وجهات النظر الرجعية لحزب PPCV9 تجاه الأزمة البيئية. غذَّت وجهات النظر هذه الإهمال في الرد على الطوارئ والاقتطاع من الخدمات العامة الأساسية.
إن التقشف العام، وتقنية إسناد العمل لشركات فرعية، والخصخصة، هي استجابات نيوليبرالية للأزمات التي تُعرضنا لمزيد من الضعف بوجه الأخطار. ويعني تطبيقها تخفيضات في الإفادة من الحقوق الأساسية للحياة - مثل الصحة والتعليم والغذاء والعلاجات الطبية والسكن... - ويستتبع تسليعًا متزايدًا لبنيات الرفاهية المشترَكة. وتتيح هذه الإجابات، من زاوية نزعة الإنكار، الإطار المثالي لتفكيك وحدة الطوارئ في فالنسيا، وإلغاء وكالة فالنسيا لتغير المناخ فور الوصول السلطة. إنهما هيئتان أساسيتان في أوقات الطوارئ المناخية يمكن أن تلعبا دورًا رئيسيًا في توجيه سياسات الوقاية والتكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ في الإقليم -إذا ما تم تزويدهما بالميزانية والاختصاصات اللازمة- ومن أجل تصور استجابات تسمح بتفعيل مكابح الطوارئ، وتجعلنا أقل عرضة وأقل تأثرا أمام الدانا. وهكذا، لا تبدأ المسؤوليات السياسية - وربما ينبغي أن نقول حتى الجنائية - عن هذه الكارثة في 28 أكتوبر/ تشرين الأول: إنها تبدأ في اللحظة التي جرى فيها تفكيك المساحات المصمَّمة لمواجهة تحديات الأزمة الإيكولوجية وعرض بقاياها.
جعل الصراع الطبقي سياسة اشتراكية إيكولوجية
ونحن نبكي في شوارع بايبورتا وتشيفا وكاتاروخا وماساناسا وألغيميسي، والعديد من المدن الأخرى المتضررة من الدانا، من هول الكارثة، مشتغلين بالتنظيف والرعاية والمساعدة حيث لا تصل خدمات الطوارئ، نحتاج إلى توجيه الألم والغضب المتراكم في الصراع. وليتجسدا، كما حدث في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر، في تعبئة وتنظيم شعب لا يكتفي بالحزن ولا بالصمت أمام أرواح وأوقات ومنازل وأراضٍ جرى تحطيمها والعصف بها.
لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بأن نصف بالخطأ جملة القرارات الواعية تلك التي أدت إلى موت مئات الأشخاص، والتي تجعل من الهمجية المناخية عملاً تجاريًا. لا يمكن أن نسمح للكارثة بإخراس، ولا بنزع، الطابع السياسي عن الصراع الطبقي الذي يكمن في جذور العواقب التي تعاني منها فالنسيا اليوم. هذا لأنه مع مضي الأيام والأسابيع، تتغلغل الأصوات اليمينية الرجعية والمتطرفة في كل شيء بالأخبار الكاذبة وخطابات كراهية وعنصرية منفلتة من عقالها. وتنفتح الأنابيب باطراد أمام قومية كارثية تخلق المزيد والمزيد من العقبات أمام فهم الدانا وعواقبها بما هي نتيجة قرارات سياسية قادتنا إلى سيناريو الأزمة البيئية، وتضفي على نظريات المؤامرة معقولية أكبر بوجه كارثة بهذا القدر من الضخامة وقوة التدمير. وكما أكد ريتشارد سيمور، يجري تحويل الكارثة البيئية إلى كارثة ناجمة عن سوء نية بشري، وأزمة المناخ إلى مجال خصب لتغذية الكراهية، والدفاع عن شعبويات وطنية تنقل مركز النقاش نحو تشنيع السكان المهاجرين وتجريمهم.
ما هي، بوجه هذا السيناريو، الأدوات التي بحوزتنا لوقف الآلة الوحشية، ولاقتراح إجابات قاطعة مع الفكرة الرجعية التي مفادها بأننا لا نستطيع النجاة من اضطرابات الأزمة البيئية إلا ضمن هوامش رأس المال؟ وعيا بحجم التحدي النابع من هذه الأسئلة، نرى أن بناء كتلة اشتراكية إيكولوجية شعبية توحد مختلف قطاعات السكان - من القاطنين على خط مواجهة الكارثة إلى الشبكات الاجتماعية، يمثل عنصرا أساسيا للجواب: مساحات مستقرة من العمل النقابي والبيئي والنسوي، والخاص بمجتمع الميم، ومناهضي العنصرية، وحركات الحق في السكن، والمنظمات السياسية لليسار الراديكالي. إن هكذا كتلة اشتراكية إيكولوجية قادرة على اقتراح بديل للسياسات الرجعية والإنكارية التي تحكمنا: تكون مساحة التقاء تقطع مع تجزئة النضالات وتتغلب على القطاعية في النضال للتصدي لتغير المناخ، وتربط مختلف أوجه الأزمة البيئية لرأس المال، وتشكِّل، بناء على مختلف ممارساتها، نموذجًا من التدبير الشامل والجماعي لحياة لائقة، في احترام للحدود وللموارد الطبيعية المتاحة لنا.
يجب أن تكون شبكات الأحياء والفضاءات الجماعية التي توجد هذه الأيام في قلب التصدي لعواقب الدانا، وتعبيرات التضامن الشعبي مع المتضررين التي تجوب هذه الأسابيع المدن والأحياء في فالنسيا وفي جميع أنحاء إسبانيا، رأس حربة بناء هذه الكتلة الشعبية الاشتراكية الإيكولوجية. من هذه المساحات والأماكن المشتركة، تنبثق من الوحل أسس الأفق الاشتراكي الإيكولوجي والطبقي الذي نناضل من أجله.
12 نوفمبر2024
- جوانا بريجولات Joana Bregolat، ناشطة إيكولوجية نسوية وناشطة في منظمة Anticapitalistas (مناهضو- ات الرأسمالية) فرع الأممية الرابعة في الدولة الاسبانية.
====
إحالات:
- الدانا Dana : Depresion Aislada en Niveles Alto
ظاهرة جوية تسمى أيضا "النقطة بالباردة"، وهي مرور كتلة هواء مفعمة بالرطوبة، تتكف بعنف. وهي ظاهرة ناتجة عن ارتفاع حرارة المحيطات والمناطق القطبية.
- بدأ هذا التعبير يكسب شعبية قبل ثلاث سنوات تقريبا، لما تعرض شمال الشيلي لدمار بسبب شدة حرائق الغابات. خصوصية هذه الحرائق ناتجة عن تفاعل الظروف المناخية والجوية. يولِّد انبعاث قدر كبير من الحرارة تيارات هواء تعود نحو اللهب وتضاعف مفعوله. لم تكُف وتيرة حرائق الجيل السادس عن الارتفاع في السنوات الأخيرة.
- تتضمن خطة حركية حضرية مستدامة PDU جملة تدخلات هدفها المفترض تطبيق أشكال نقل مستدامة في بيئة البلدية.
- المحطة الحرارية لبالدونا- سان ادريا بناية صناعية في كاتالونيا في منطقة مشتركة بين بالدونا وسانت أدريا ديل بزوس، على ضفة البحر المتوسط، لها ثلاث مداخن فباتت رمزا لتعنيف المشهد الحضري لمحيط برشلونة. مساحة المحطة 115000 متر مربع وهي ملك لشركةFecsa-Endesa .
- البوفيرا L Albufera بحيرة مياه عذبة على طرف البحر المتوسط وفي اتصال به. تعتبر "منطقة رطبة ذات أهمية دولية".
- "الصناديق الجوارح"، صناديق استثمار مختصة في شراء سندات دوين سيادة آجلة بأسعار بخسة، والقيام بمساطر لمحاولة الحصول من البلدان المعنية على سداد مجموع القيمة الاسمية لدينها.
- قسم من إقليم فالنسيا.
- وكالة الدولة الإسبانية للأرصاد الجوية.
- الحكومة الذاتية لفالنسيا.
10- الحزب الشعبي للجماعة السكانية لفالنسيا.
- 1
الدانا Dana : Depresion Aislada en Niveles Alto
ظاهرة جوية تسمى أيضا "النقطة بالباردة"، وهي مرور كتلة هواء مفعمة بالرطوبة، تتكف بعنف. وهي ظاهرة ناتجة عن ارتفاع حرارة المحيطات والمناطق القطبية.
- 2
بدأ هذا التعبير يكسب شعبية قبل ثلاث سنوات تقريبا، لما تعرض شمال الشيلي لدمار بسبب شدة حرائق الغابات. خصوصية هذه الحرائق ناتجة عن تفاعل الظروف المناخية والجوية. يولِّد انبعاث قدر كبير من الحرارة تيارات هواء تعود نحو اللهب وتضاعف مفعوله. لم تكُف وتيرة حرائق الجيل السادس عن الارتفاع في السنوات الأخيرة.
- 3
تتضمن خطة حركية حضرية مستدامة PDU جملة تدخلات هدفها المفترض تطبيق أشكال نقل مستدامة في بيئة البلدية.
- 4
المحطة الحرارية لبالدونا- سان ادريا بناية صناعية في كاتالونيا في منطقة مشتركة بين بالدونا وسانت أدريا ديل بزوس، على ضفة البحر المتوسط، لها ثلاث مداخن فباتت رمزا لتعنيف المشهد الحضري لمحيط برشلونة. مساحة المحطة 115000 متر مربع وهي ملك لشركةFecsa-Endesa .
- 5
البوفيرا L Albufera بحيرة مياه عذبة على طرف البحر المتوسط وفي اتصال به. تعتبر "منطقة رطبة ذات أهمية دولية".
- 6
"الصناديق الجوارح"، صناديق استثمار مختصة في شراء سندات دوين سيادة آجلة بأسعار بخسة، والقيام بمساطر لمحاولة الحصول من البلدان المعنية على سداد مجموع القيمة الاسمية لدينها.
- 7
قسم من إقليم فالنسيا.
- 8
وكالة الدولة الإسبانية للأرصاد الجوية.
- 9
الحزب الشعبي للجماعة السكانية لفالنسيا.