في موجات متلاحقة، وصل المتظاهرون/ات سيراً إلى جزيرة يويدو في سيول بعد منتصف نهار يوم 14 دجنبر/ كانون الأول بوقت قصير، حيث اضطرت قطارات الأنفاق مرة أخرى إلى تجاوز المحطة المحلية لتجنب الازدحام. كما حدث في التجمع المليوني في الأسبوع السابق، حاصر المتظاهرون الحاملين شموعا البرلمان لمعرفة ما إذا كان الرئيس يون سوكيول سيُعزل هذه المرة من منصبه.
في حوالي الساعة 5 مساءً، تحقق مطلبهم أخيرًا عندما صوّت 204 نائبا لصالح العزل (85 نائبًا ضد العزل، وامتنع 3 نواب عن التصويت، و8 أصوات باطلة). وفي الساعة 7:24 مساءً، قام وفد برلماني بتسليم مشروع قانون العزل إلى المكتب الرئاسي، ما أدى إلى تعليق رئاسة يون رسميًا. هكذا انتهت الأزمة الدستورية التي أثارتها محاولة السيد يون الانقلاب الذاتي في 3 دجنبر/ كانون الأول. .
استعراض آخر للإرادة الشعبية
كان الوضع السياسي، قبل الإقالة، متوترًا بشكل متزايد وتجمع الناس الغاضبون في العديد من مدن كوريا الجنوبية. كما نظّم أعضاء الجالية الكورية في المهجر مظاهرات بالشموع في باريس وبرلين ولندن ونيويورك وسيدني وملبورن والعديد من المدن الأخرى حول العالم.
لكن الاهتمام انصب على الطرقات والشوارع المحيطة بالبرلمان، حيث تجمع مليون شخص بعد أن ساروا في جميع الاتجاهات وهم يهتفون ”يا رئيس، استقل“ و”اعزلوا يون سوك يول“. طغت العصي المتوهجة الملونة والشموع واللافتات والأوراق النقدية والأعلام على المشهد، حيث ساعد مئات المتطوعين في الحفاظ على النظام. كان هناك الكثير من الناس لدرجة أنه كان التجول صعبا للغاية.
في لحظة رائعة من القوة الشعبية، تجمع الناس من جميع الخلفيات- طلاب /ات ونقابيون ومتقاعدون/ات وشابات - للمطالبة باستقالة يون ومحاكمته. بعد أن كسبوا قضيتهم، عادوا إلى منازلهم سعداء ومفعمين بالأمل، بينما بقي المتظاهرون الأصغر سنًا للاحتفال حتى وقت متأخر في الليل المتجمد.
بالمقابل، كان هناك تجمع أصغر بكثير ضم أقل من 50,000 من مؤيدي يون في ميدان غوانغهامون. وتعبيرًا عن غضبهم من العزل، لم يكن بوسعهم سوى العودة إلى منازلهم وهم يشعرون بالعجز واليأس.
مقاومة اللحظة الأخيرة
بعد اعتذاره قبل أيام قليلة عن الانقلاب الذاتي، غيّر يون لهجته وسعى إلى تبريره بوصفه انقلابًا شرعيًا. ومنذ 3 دجنبر/ كانون الأول رفض بعناد الاستقالة.
انقسمت الآراء في الحزب الحاكم ، حزب سلطة الشعب، حول مسألة العزل. فقد كان زعيم الحزب، هان دونغ هون، مؤيدًا للعزل، لكن مؤيديه كانوا أقلية داخل الحزب. من ناحية أخرى، أراد كويون سيونغ دونغ، الزعيم البرلماني الجديد المؤيد ليون ، منع العزل بأي وسيلة ممكنة.
وفي 7 كانون الأول/دجنبر نجح حزب سلطة الشعب في إحباط إجراءات العزل من خلال مقاطعة التصويت في البرلمان. وخلال التصويت الذي جرى في 14 كانون الأول/دجنبرأعلن سبعة من نواب حزب سلطة الشعب المتمردين أنهم سيشقون الصفوف، ما يعني أنه لم يبق سوى صوت واحد فقط لصالح العزل.
لمنع ذلك، عقدت المجموعة البرلمانية لحزب سلطة الشعب اجتماعًا طارئًا استمر حتى الساعة الرابعة عصرًا، وهو الوقت الذي كان من المقرر أن يجتمع فيه البرلمان. وبينما حافظ حزب سلطة الشعب على موقفه الرافض للعزل. قرر الحزب هذه المرة عدم مقاطعة التصويت.
حين جرىالتصويت أخيرًا، صوّت 12 نائبًا من حزب سلطة الشعب لصالح العزل، في حين امتنع عدد آخر من النواب عن التصويت أو صوتوا بالرفض، وهو ما اعتبره الكثيرون احتجاجًا على السياسة الرسمية لحزب سلطة الشعب وفي نهاية المطاف، رفض 85 نائبًا (معظمهم من حزب سلطة الشعب) احترام إرادة الشعب، وفضلوا بدلًا من ذلك السعي وراء مصالحهم الخاصة والحزبية بالتصويت ضد العزل.
في أعقاب عزل يون، استقال جميع أعضاء المجلس الأعلى الخمسة في حزب سلطة الشعب، ما أدى إلى حل قيادة الحزب وإجبار هان على التنحي. جلي أن حزب سلطة الشعب يواجه أزمة كبيرة، بل وقاتلة، كشفت عن الوجه الحقيقي القبيح للرجعية المحافظة في كوريا الجنوبية.
النضال مستمر
استغرق الأمر 11 يومًا مصيريًا منذ الانقلاب الذاتي الفاشل الذي قام به يون حتى يتم عزله. وقد بذل حزب سلطة الشعب كل ما في وسعه لتجاهل الرأي العام ومنع العزل.رغم المناقشات الداخلية، لم تتغير سياسة الحزب الحاكم المناهضة للعزل، وحتى النهاية، تمسك 85 نائبًا من أقصى اليمين المتطرف بحزم بهذه السياسة.
وخلافًا لإسمه، رفض حزب سلطة الشعب دائمًا الخضوع للحكم الشعبي، مفضلًا الانتحار السياسي البطيء. وحتى اليوم، يسعى الفصيل الموالي ليون إلى الانتقام من النواب المنشقين الذين صوتوا لصالح الإقالة.
يتركز الاهتمام، حاليا، على المحكمة الدستورية التي ستستغرق بضعة أشهر للتوصل إلى حكم نهائي بشأن العزل. في هذه الأثناء، سيظل المواطنون يقظين ويتابعون القضية عن كثب، ومستعدين للتعبئة للدفاع عن الديمقراطية وانتصارهم في ثورة الشموع في عام 2024.
أظهر انقلاب يون على نفسه الضعف المتأصل في الديمقراطية المؤسسية في كوريا الجنوبية. وفي الوقت نفسه، أبرزت إقالته من منصبه مرونة الديمقراطية الشعبية على الصعيدين الوطني والدولي.
نُشر في 15 كانون الأول/ دجنبر2024