يعرض رفاق مجموعة ToupeiraVermelha وجهة نظرهم حول صعود اليمين المتطرف ومسؤوليات اليسار الجذري.
كانت هزيمة اليسار تلوح قبل الانتخابات. فقدان أحزاب اليسار لنفوذها وتمثيلها في الانتخابات السابقة؛ وانعدام تعبئة اجتماعية وانغراس اجتماعي للمشاريع المضادة للرأسمالية أو الثورية البديلة؛ وانبجاس هائل لقوى يمينية تستعمل مشاعر وتصورات عدم الأمان والمرارة أو الحنين إلى ماضٍ مُمثلن، وعجز اليسار المناهض للرأسمالية عن إتيان رد موحد، عناصر كلها كانت تدل على الحاجة إلى موقف كفاحي لم يتجسد.
تجلت أزمة اليسار البرتغالي، في العقود الأخيرة، في أشكال متعددة، لا سيما أزمة ذات طبيعة برنامجية. أبرزت الانتقادات الموجهة منذ عشر سنوات إلى اليسار البرتغالي المناهض للرأسمالية تخليه عن مشروع سياسي وأيديولوجي طويل الأمد لصالح تكتيكات فورية ومؤسسية في المقام الأول [...]. أدى إعطاء الأولوية للتكتيكات على حساب إستراتيجية انتقالية وأفق تغييري إلى خلق تناقضات خطيرة داخل كل من حزب كتلة اليسار (Bloco) والحزب الشيوعي البرتغالي. [...]
أظهرت التجربة الحكومية المسماة Geringonça(ترقيع سياسي)، التي دفعت الحزب الشيوعي البرتغالي وكتلة اليسار إلى قبول تنازلات تشمل سياسات تقشفية غير مباشرة، عجز هذين الحزبين عن فرض تغييرات هيكلية. [...]
صعود حزب شيغا Chega
اعتقد كثيرون، في اليسار، أن هذه الفضائح ستؤثر بشكل عميق على حزب شيغا، متناسين أن الحزب الذي بُني حول شخصية واحدة لا يتأثر بالفضائح إلا عندما تمس هذه الشخصية ذاتها. تم التعامل مع كل فضيحة تورط فيها نواب من اليمين المتطرف بيد من حديد من قبل أندريه فينتورا الذي [...] نجح في إيصال فكرة أنه ”ليس مثل الآخرين“، وأنه ”ليس مثل الحزب الاشتراكي والحزب الاشتراكي الديمقراطي“ وأن " في بيته، يتم تنظيف الأمور حقًا ".
لكن تنظيف المنزل ليس سوى خطاب واجهة لسياسة تَعِدُ في الواقع بطرد الذين يعيشون هنا. قام اليمين المتطرف، تبعاً للميل العالمي لاستخدام المجتمعات المهاجرة كبش فداء للمشاكل الاجتماعية، بتأليب الشغيلة بعضهم ضد بعض، وبزرع الخوف، وباحتلال مساحة التعاطف والتضامن، وبنشر الكراهية والإقصاء.
تجدر الإشارة، بنحو مواز لصعود هذا اليمين الشعبوي القومي الممزوج بالنيوليبرالية، إلى التقدم، وإن الهامشي، الذي أحرزته الأحزاب اليمينية القومية المتطرفة. لا تكف هذه الأحزاب، برغم كونها أقلية وذات تأثير انتخابي محدود، عن ابراز التزام متزايد بسياسة اليمين المتطرف المتجاوزة سياسة حزب شيغا. تضم هذه الأحزاب في قاعدتها الاجتماعية وبين نشطائها ، كما نددت بالأمر مختلف الجماعات المناهضة للفاشية، ناشطين نازيين وفاشيين صريحين، بعضهم سبق أن أدينوا، يسعون إلى بناء مشروع سياسي جماعي قائم على منطق الميليشيات المسلحة، يتجسد في اعتداءات جسدية على المهاجرين وأفراد مجتمع الميم-عين، وكل من يعتبرونه من اليسار، سواء في المجال السياسي أو الثقافي. [...] كما تربط هذه الجماعات علاقات وثيقة بقطاعات من الشرطة والجيش. وتسهل هذه العلاقة نموها وحصولها على الأسلحة والتدريب العسكري، ما يساهم في تعزيز الميليشيات المسلحة التي تسعى إلى تشكيلها.
إن فوز التحالف الديمقراطي (AD) دون أن يحصل على الأغلبية المطلقة ووصول حزب شيغا Chega إلى المرتبة الثانية بين القوى السياسية، فضلا عن كونه يشير إلى تجزئة النظام السياسي، هو نتيجة لظروف مادية ملموسة للغاية. [...]
الأزمات المتعددة لليسار المناهض للرأسمالية
يتمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجه اليسار المناهض للرأسمالية في علاقته بنظام الدولة البرجوازية البرلماني. لا نرفض مبدئياً، بصفتنا ثوريين أمميين، مشاركة اليسار المناهض للرأسمالية في هذه المساحات: بل على العكس، نتعامل معها بوضوح نقدي مستمد من تقاليدنا الماركسية. تقليد يمنعنا من الخلط بين السياسة الثورية ومجرد إدارة الممكن في إطار الرأسمالية، ويحذرنا من التخلي عن ساحات النضال التي يمكن استخدامها لكشف تناقضات النظام وتوسيع نطاق النضالات خارج البرلمان التي تشجع على القطيعة مع النظام الرأسمالي. لذا، فإن المشاركة الانتخابية والبرلمانية لها قيمة تكتيكية بحتة تندرج في إطار إستراتيجية أوسع للتحويل الاجتماعي، ولا يجب أبداً اعتبارها غاية في حد ذاتها، و يجب ألاّ تعرض للخطر بأي حال من الأحوال تعبئة الجماهير المباشرة خارج البرلمان.
تتجلى الأزمات في الساحة النقابية بطرق متعددة. فهي من ناحية تعبير مباشر عن التحولات الهيكلية للرأسمالية النيوليبرالية، التي تؤدي إلى تجزئة القوى العاملة وتقويض استقرارها وتضعف الأسس التقليدية للتنظيم. ومن ناحية أخرى، هي نتيجة للاندماج المؤسسي للنقابات في جهاز الدولة، ما يبطل قدرتها على التعبئة والمواجهة الفعلية للنظام.
منذ سنوات 80، أعاد الاندماج الأوروبي تشكيل اقتصاد البرتغال في اتجاه تفكيك الصناعة والتعاقد الخارجي وتقويض الاستقرار الوظيفي. وأدت أوبرة الاقتصاد uberisation، وانتشار العمل غير المستقر، وإضفاء عنصرية على العمل، وتقلص القطاعات الإنتاجية التي كانت أكثر تنظيماً في الماضي، إلى صعوبة التنظيم النقابي التقليدي، ولا سيما تشجيع التنظيم الذاتي للعمال، ومهد الطريق لنماذج جديدة من العمل النقابي والنقابات التي لم يتمكن اليسار من أخذها في الاعتبار.
وبالمثل، فإن أزمة النقابات التقليدية ذات التوجه المناهض للرأسمالية، حيث يهيمن الحزب الشيوعي البرتغالي، لا ترجع فقط إلى هذه الديناميات الجديدة في عالم الشغل، بل أيضاً إلى استمرار الجمود والبيروقراطية والافتقار إلى الديمقراطية والدينامية التي يسجنها فيها نموذج هذا الحزب وسياسته النقابية. [...]
من ناحية الشباب، لا يسعنا إلا أن نلاحظ أن حزب شيغا هو أحد الأحزاب التي تشهد أكبر نمو بين الشباب، حيث نجح في حشد الأصوات بفضل حلوله العاطفية الزائفة للمعاناة الاجتماعية ولانعدام معنى للمستقبل. يقدم حزب شيغا، في بلد يعاني من أزمة مرجعية، إجابات بسيطة لا تتطلب تفكيراً نقدياً في عواقب أفعاله، ويقترح هياكل هرمية واضحة تشجع على طاعة الزعيم، ويحدد أعداء مشتركين يدمرون خيال الشباب الأخلاقي. لذلك، ليس المقصود فقط إيجاد لغة الشباب الرقمية الجديدة، بل بفهم أن الواقع الحالي للشباب هو العزلة السياسية، وهي عزلة تشجع على الانجذاب إلى السلطة كبديل للحرية، عزلة يتم فيها إعادة بناء هوية جماعية جديدة ذات مكانة أخلاقية تستبعد الاختلاف والآخر.
اللوم لا يقع على ”الوكيزم“. [...] مصطلح ”woke“، الذي يعود أصله إلى الوعي بالعلاقات الاجتماعية غير العادلة والتفاوتات، تم تحويله من قبل اليمين المتطرف إلى سخرية وتقليل من شأن المكتسبات الاجتماعية والحقوق الإنسانية الأساسية التي تحققت في العقود الأخيرة. إنه استغلال لسياسة الهوية وتشويه لها، فضلاً عن استغلال تناقضاتها من قبل اليمين المتطرف، وهو ما لم يستطع اليسار الرد عليه، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن معظم اليسار المناهض للرأسمالية حافظ على الفصل بين نضالات الهوية ونضالات الشغيلة، في حين أنها في الواقع لا تنفصل عن بعضها البعض وتشمل جميع أشكال الضعف والاستغلال والهشاشة التي تتجلى بطرق مختلفة.
لم يفلح اليسار، والحالة هذه، في توسيع الوعي ومفهوم الطبقة إلى ما وراء الحركة العمالية التقليدية، ما أدى إلى دخول هذه الأخيرة في تناقض مع الحركات الاجتماعية التي سعت إلى الرد على فقدان المخيال السياسي، مثل الحركة النسوية وحركة مجتمع الميم-عين . [...] حالياً، تتسلل الأفكار المحافظة والدفاعية بشكل متزايد إلى الحركات الاجتماعية، مما يتوافق مع تراجع الحقوق المكتسبة. وقد أضعفت الخطابات الجوهرانية، التي تنتج منطقًا عقابيًا وأخلاقيًا ونخبويًا، الإمكانات التحررية للحركات الاجتماعية. وعلى الرغم من أن هذا لا ينطبق بشكل منهجي على جميع قطاعات اليسار، لا يمكن إنكار أن الحركات الاجتماعية هي اليوم مجال للمواجهة مع اليمين والنيوليبرالية.
لذلك، ثمة حاجة إلى تفكير متعمق وإعادة تصور لمفهوم الصراع الطبقي، يثبت أن النضال من أجل الحقوق الاجتماعية لا يتعارض مع النضال المركزي ضد الرأسمالية ولا يضر به، بل على العكس، لا يمكن لأحدهما أن يتقدم دون الآخر.
أبان اليسار البرتغالي، برغم التعبئة والتنظيم المستمرين والتاريخيين للحركات المناهضة للعنصرية، عدم كفاءة كبيرة في طريقة إدارته لعلاقاته مع هذه الحركات. [...] تقع على عاتق اليسار المناهض للعنصرية مسؤولية تسمية الأشياء بمسمياتها وعدم تكرار التبريرات التي تصور العنف العنصري والسياسي الهيكلي الذي نعيشه اليوم على أنه مجرد حالات منعزلة.
يجب أن يتبوأ الأشخاص الذين يتعرضون للعنصرية، باعتبارهم الفاعلين الرئيسيين في نضالهم الخاص، الصدارة وأن يحظوا بدعم غير مشروط من اليسار. [...] بدون حركة مناهضة للعنصرية، لا وسيلة لمحاربة الخطاب المعادي للهجرة الذي تستند إليه أحزاب اليمين المتطرف. [...] مرة أخرى، أدرك اليسار هذه الحقيقة متأخراً وبدون تضامن. بدون تضامن، لأنه حتى الآن لم يتمكن من المشاركة بشكل حقيقي وجماعي في المعارك القضائية المستمرة ضد الحركة والفاعلين الرئيسيين في النضالات المناهضة للعنصرية.
ليس التضليل الإعلامي وصعود اليمين المتطرف مجرد مشكلة تواصل. [...] لا يمكن مكافحة التضليل الإعلامي باستخدام نفس الآليات التي تستخدمها الهيمنة، من خلال قياس الاهتمام وتجزئة الحقائق.
العودة إلى الفعل النضالي
يجب على اليسار المناهض للرأسمالية تحديد القضايا السياسية والمطالب الانتقالية التي تسمح بالانفصال عن الدولة البرجوازية وتعزيز أممية نضالنا. يجب تحديد نقاط المقاومة هذه، حتى نتمكن من إعادة بناء برنامج فعال يسمح للناس بالحلم من جديد. إعادة تملك العمل الجماعي، والارتباط الصادق والمتواضع بالحركات الاجتماعية، والكفاح في مكان العمل، وتمثيل الحركات، والنشاط السياسي. [...]
في اليسار، من الملحّ العودة إلى الأصول، حيث لا يتم العمل الميداني في المصانع والمدارس في فترة الانتخابات فقط، بل لأنها الطريقة الفعالة للرد على التضليل الإعلامي وخلق جذور لتغيير الواقع المادي وترسيخ النشاط النضالي فيه.
ضد الفاشية نقاوم بإعادة بناء الممارسة الثورية المناهضة للفاشية.
23 يوليو 2025