مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

مقتل تشارلي كيرك مأساة وكارثة

بقلم بن بورجيس, ميغان داي
يبدو أن مقتل تشارلي كيرك دليل آخر على أن الهوس العنيف في أمريكا يتصادم بشكل مباشر مع القبلية اللاإنسانية في ثقافتنا السياسية. (أنجيلا فايس / AFP عبر Getty Images)

ينطوي اغتيال تشارلي كيرك على خطر تشجيع اليمين المتطرف،ويمنح دونالد ترامب ذريعة لقمع المعارضة. وينسف تصاعد العنف السياسي المعايير الديمقراطية، ويشكل تهديدًا خاصا لليسار.

لم يحظ تشارلي كيرك قط بترحيب حار في صفحات هذه المجلة. ذلك لا يهم الآن. اغتيال كيرك مأساة. إنه غير قابل للتبرير من الناحية الأخلاقية، ومن الناحية السياسية، مدعاة قلق شديد. ومن شأن دوامة عنف سياسي أكبر أن تكون كارثة على اليسار.

لا أحد يعرف ،حتى وقت كتابة هذا المقال، أيديولوجية مطلق النار أو دوافعه. لكن بعض النقاط الأساسية واضحة بما فيه الكفاية.

يجب ألا يُقتل أي شخص عقابًا على التعبير عن آراء سياسية، مهما كان مرفوضة. نحن أيضا، فضلا عن نفورنا الجوهري من العنف، من أنصار الديمقراطية، التي تستند إلى حرية التعبير والتحقيق الحر. فبدونهما، يستحيل التدبير الذاتي الجماعي للحكم، ويصبح الاستبداد حتميا. إن فرض الصمت على الخصوم السياسيين بالقوة الغاشمة، سواء في شكل قمع الدولة للمعارضة أو اغتيالات معزولة لقادة، يقوض مبدأ لطالما كان عزيزاً على قلوب الاشتراكيين الديمقراطيين.

علاوة على ذلك، يمثل احتمال الانزلاق إلى دوامة عنف سياسي تطورا مقلقا، يهدد بتضييق المجال أمام عمل سياسي ذي دلالة. وهذا ينذر بالسوء للثقافة السياسية بشكل عام، ولليسار بشكل خاص. نحن نقول، طوال الوقت، أمورا يجدها آخرون مرفوضة للغاية، ونتوقع أن نواجه بحجج مضادة قوية — وليس بأعمال انتقام عنيفة. على الرغم من أن العنف السياسي كان موجودًا دائمًا على الهامش، فقد ثبت أن هذا التوقع معقول في الغالب. يبدو أننا كنا نعيش في ظل توافق هش: في ثقافتنا العنيفة للغاية، كان القادة السياسيون والمعلقون في الغالب في مأمن من الأذى. الآن يبدو أن هذا التوافق آخذ في التلاشي، مع ما يترتب على ذلك من مستتبعات مرعبة.

تتزايد محاولات اغتيال القادة السياسيين الناجحة، وكذلك عمليات اغتيال ذات دوافع سياسية لأشخاص أقل شهرة. و أن كان أصل هذا النوع موجودا في جميع أطياف الطيف السياسي، فإن اليمين كان مسؤولاً عن قدر أكبر بكثير من اليسار منذ عدة عقود. في السنوات القليلة الماضية، يبدو أن المعتدين ينتمون بشكل متزايد إلى عناصر من الشعب الأمريكي مشوشة سياسياً ومضطربة عقلياً ومسلحة بشدة، حيث امتزج جنون الارتياب والارتباك العام لديها مع ثقافة سياسية غير متماسكة ولكنها متقاطبة بنحو معيب. حتى العنف الجماعي المسلح الأمريكي العادي أصبح له طابع سياسي متزايد؛ ففي حين كان مطلقو النار في المدارس في الماضي يميلون إلى نوع من النزعة العدمية الشاملة وغير السياسية، فإنهم اليوم يكتبون شعارات سياسية متناقضة على أسلحتهم.

يبدو أن مقتل تشارلي كيرك قد بات دليلا آخر على أن الهوس العنيف في أمريكا يتصادم بشكل مباشر مع النزعة القبلية اللاإنسانية في ثقافتنا السياسية. هذا المزيج السام يهدد بتآكل المعايير الديمقراطية بشكل خطير وإطفاء أي أمل في تقدم اليسار.

قمع محتمل

كان كيرك يدير آلة دعاية سياسية جيدة التمويل تروج رسالة بسيطة. ”الليبراليون“ و”الراديكاليون“ و”الاشتراكيون“ — نادراً ما كان يعبأ بالتمييز الدقيق بينهم — كانوا قيد تدمير البلد. وكانت الجامعات مصانع خبيثة للتلقين العقائدي اليساريوأمريكا مغمورة بموجة من المهاجرين العنيفين. يجب على النساء تكريس أنفسهن للشؤون المنزلية. كانت أمريكا أمة مسيحية ويجب أن تظل كذلك. كان دونالد ترامب قوة خير.

شارك أحدنا (بن) قبل أربع سنوات، في نقاش مع كيرك حول ”الاشتراكية الديمقراطية ضد الشعبوية المحافظة“. ومع مضي السنين، اتخذت سياساته منحى أسوأ ، مغازلا أشكال أكثر قبحًا من القومية وكره الأجانب، ولكن حتى في عام 2021، كان جوهر أقوال كيرك غير قابل للدفاع عنه. بينما كان يدعي أنه ”شعبوي“، دافع عن جملة مواقف من شأنها أن تجد مكانا في الصفحات الافتتاحية في صحيفة وول ستريت جورنالكان معارضًا بشدة حتى لأدنى خطوات نحو مجتمع أكثر مساواة، مثل الرعاية الصحية الشاملة وبناء حركة نقابية أقوى.

وفي الآن ذاته، لم يمارس هجمات شخصية. التزم بجوهر الحجج، وتجنب إلى حد كبير الفخاخ السهلة، تاركا لصاحبنا بن إمكان إبراز التناقض بين خطاب كيرك الشعبوي وجوهر سياسته البشع والمعادي للمساواة. إن هكذا مناقشات ضرورية بنحو مطلق في بلد يوافق فيه عدد كبير من مواطنينا للأسف على وجهة نظر كيرك. تقودنا حادثة إطلاق النار التي وقعت أمس إلى مسار أكثر ظلمة، مسار لن يفضي إلى ما نرغب في الوصول إليه.

المبدأ الأساسي للسياسة اليسارية هي أن الناس العاديين قادرون على حكم انفسهم بأنفسهم، في أماكن عملهم وفي المجتمع ككل. هذا الهدف لا يكون متماسكا إلا إذا وثقنا في أن مواطنينا سيتعرضون لجميع وجهات النظر، حتى الأسوأ منها، وسيتخذون قراراتهم بأنفسهم. ولا يمكن بلوغ أهدافنا الديمقراطية إلا بالوسائل الديمقراطية. إننا نسعى إلى قلب هياكل الثروة والسلطة الراسخة. وما من طريقة واقعية للقيام بذلك سوى كسب تأييد الغالبية العظمى من السكان إلى جانبنا. ما نملكه لصالحنا هو بالضبط أن الطبقة العاملة التي ستستفيد من برنامجنا تشكل غالبية السكان. بعبارة أخرى، الأفكار المقنعة والأرقام كلها في جانبنا.

لكن التأثير الحتمي لإدخال العنف المتبادل في السياسة هو تقليل أهمية هذين العاملين بشكل كبير. في السيناريوهات التي تهيمن عليها إراقة الدماء بين الفصائل، لم يعد مهماً من لديه البرنامج السياسي الأكثر جاذبية، أو أكبر قاعدة انتخابية محتملة، بل من لديه الأيديولوجيين الأكثر تشدداً وتسليحاً والأقل تردداً في القتل. معركة من هذا القبيل لن ينتصر فيها اليسار.

وبالإضافة إلى ذلك، من شبه المؤكد أن مقتل كيرك سيؤثر سلباً على اليسار بكيفيات أخرى. أولاً، يمكن لإدارة ترامب أن تستخدمه ذريعة لقمع مناضلي اليسار. وفور مقتل كيرك، بدأ اليمين في المطالبة بهذا الرد بالضبط. كانت مطالبه بتطهير اليسار وتجريمه بأكمله، انتقامًا لمقتل كيرك، سريعة و واسعة الانتشار وقاسية.

خاطب دونالد ترامب الأمة، قبل انتهاء الليلة، قائلاً: "طيلة سنوات، قارن اليسار المتطرف أمريكيين رائعين مثل تشارلي بالنازيين وأسوأ القتلة والمجرمين في العالم. هذا النوع من الخطاب مسؤول بشكل مباشر عن الإرهاب الذي نشهده في بلدنا اليوم، ويجب أن يتوقف على الفور". لم يتم التعرف على المعتدي بعد، ولم يتم تأكيد الدافع وراء الجريمة، لكن ذلك لم يمنع الرئيس من إلقاء مسؤولية مقتل كيرك على عاتق اليسار بأكمله والتعهد بالانتقام.

إذا كان التاريخ مرجعا، فإن اليسار يواجه مخاطر جسيمة بعد هذا التطور. إن النظرية القائلة بأن أعمال عنف سياسي فردي ستؤدي بطريقة ما إلى إثارة حركات جماهيرية من أجل العدالة (ما كان يُسمى في السابق ”الدعاوة بالفعل“) قد تم اختبارها في ظروف مختلفة حول العالم على مدى قرون. وقد كانت النتيجة دائمًا كارثية، حيث أدت في الغالب إلى زيادة قمع اليسار والهجمات على الديمقراطية بشكل عام. يمكن أن تتبع عواقب مقتل كيرك هذا النمط المألوف والمشؤوم بسهولة. سواء كان مُطلق النار من اليسار أم لا، ثمة دواع وجيهة للقلق من أن الاغتيال يمكن أن يستخدم ذريعة لشن حملات قمع جديدة ضد الأصوات المعارضة من قبل إدارة أظهرت بالفعل استعدادها للانخراط في درجة من الاستبداد لم نشهدها في التاريخ الأمريكي الحديث.

في الأشهر الثمانية الماضية، تم اعتقال حاملي بطاقات خضراء، وحبسهم في السجون بسبب مشاركتهم في احتجاجات أو حتى كتابة مقالات تنتقد إسرائيل، وتم إرسال قوات فيدرالية إلى المدن على الرغم من احتجاجات العمد والمحافظين رداً على أعمال شغب صغيرة أو حتى جرائم شوارع، وتم إرسال مهاجرين في السلفادور في زنزانات دون أي إجراءات قانونية. ليس من الصعب تخيل أن أي شيء يبدو كعنف يساري (مهما كانت دوافع مطلق النار) يمكن أن يؤدي إلى انتقام شديد من إدارة ترامب.

شهيد في طور التشكل

مُني اليسار، في السنوات التي تلت هزيمة بيرني ساندرز الثانية والأكثر حسمًا في عام 2020، بانتكاسات كبيرة. ففي حين كنا قبل بضع سنوات قليلة نتنافس على السلطة السياسية، ها نحن اليوم في الغالب عاجزون عن فعل شيء سوى الغضب العاجز بوجه فساد إدارة ترامب، وعجز المعارضة الليبرالية المهيمنة، والإبادة الجماعية الصريحة التي ترتكب في غزة.

ظهرت، في الآونة الأخيرة، بوادر أمل في أننا قد نستعيد مجددًا موطئ قدم لنا في السياسة الأمريكية — وأبرزها حملة زهران مامداني الملهمة في نيويورك. في هذه اللحظة، تعتبر شرارة إحياء السياسة الاشتراكية الديمقراطية ثمينة وهشة. قد تكون موجة جديدة من القمع السياسي كارثية بشكل خاص في وقت نبدأ فيه فقط في إعادة بناء قوتنا.

ومن المرجح ألا يؤدي مقتل كيرك إلى إحباط اليمين المتطرف، بل إلى تعزيز اقتناعاته، هذا اليمين المتطرف الذي سيحول كيرك بلا شك إلى شهيد لقضيته. وبالفعل، بدأت شخصيات في الصحافة اليمينية باستخدام هذا المصطلحوهو مؤهل للغاية لمثل هذا التلفيق الأسطوري، بالنظر إلى أنه لم يمس أحداً قط، وأُطلق عليه الرصاص بدم بارد بينما كان يعبر عن آرائه السياسية.

لعب كيرك نفسه دوراً رائداً في دفع جيلنحو اليمين، وخاصة الشباب. إذا كان القاتل يأمل في القضاء على نفوذه، فمن شبه المؤكد أن أفعاله ستؤدي إلى عكس ذلك. لا شك أن مقتل كيرك عن عمر يناهز 31 عاماً سيقنع العديد من ملايين مشاهديه ومستمعيه بتكريس أنفسهم لقضيته، ما سيسرع تماسك كتلة سياسية يمينية متشددة ستشكل عقبة أمام مشروعنا لعقود قادمة.

في الفترة الوجيزة التي تلت مقتل كيرك، أدان معظم اليساريين قتله، وهو ما كان صائبًا. لكن عددًا لا بأس به منهم ردوا بانعدام تعاطف شبه تنافسي. من المرجح أن يُنفر موقفهم المعادي للأخلاق هذا الأمريكيين العاديين، الذين يمقتون العنف السياسي، بل إنه أيضًا موقف خاطئ سياسيًا وساذج استراتيجيًا. لا يوجد ما يستحق الاحتفال هنا. بل في الواقع، هناك الكثير مما يدعو للخوف.

 

  • بن بورجيس كاتب عمود في مجلة Jacobin، وأستاذ فلسفة مساعد في جامعة روتجرز، ومقدم برنامجYouTube والبودكاست Give Them An Argumentوهو مؤلف عدة كتب، أحدثها Christopher Hitchens: What He Got Right, How He Went Wrong, and Why He Still Matters.
  • ميغان داي محررة مشاركة في مجلة Jacobinوهي مؤلفة مشاركة لكتاب Bigger than Bernie:How We Go from the Sanders Campaign to Democratic Socialism.

 

المصدر