مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

لأجل دولة علمانية ديمقراطية ثورية، في فلسطين التاريخية

numéro

 

ثمة شبه إجماع، لدى المراقبين والمحللين السياسيين، حول واقع أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة هي الأشرس، والأشد إجراماً وفتكاً، بين الحروب التي شهدها العالم، في هذا القرن، الواحد والعشرين. ولقد أعلنت وزارة الصحة في غزة، يوم السبت، 15

شباط/فبراير، الحالي، ارتفاع حصيلة ضحايا هذه الحرب على القطاع المدمر إلى 48 ألفا و264 شهيداً، علاوة على 111 ألفا و688 مصاباً، نسبة ٌ عالية جداً بينهم من النساء والأطفال، والعُجَّز، وذلك منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول .2023

هذا ومن المعتقد ان ثمة تحت ركام المباني المدمرة – وهي الغالبية العظمى لمباني القطاع - اكثر من 14الف ضحية لم يتم انتشالهم الى الآن. هذا مع العلم أن الحصيلة الحقيقية للحرب المشار إليها قد تتجاوز الأرقام الواردة أعلاه بكثير، إذا أخذنا بالاعتبارالعدد الفعلي غير المعروف حتى الآن للجثث الباقية تحت الأنقاض، والعدد الهائل من الجرحى الذين لم يتم إسعافهم، بسبب تدمير الإسرائيليين للمشافي، والمستوصفات، والحصار الخانق الذي ضربوه على القطاع، بخصوص كل شيء، ولا سيما الأدوية والأجهزة الطبية، فضلًا عن الطعام، والشراب ووسائل التدفئة، وما إلى ذلك من أسباب البقاء على قيد الحياة، الامر الذي دفع محكمة العدل الدولية للقبول بوضع يدها على الدعوى التي أقامتها حكومة افريقيا الجنوبية ضد الدولة الصهيونية، كما جعلت المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية يدعي على كل من رئيس حكومة اسرائيل، ناتانياهو، ووزير دفاعها السابق، يوآف غالانت، بتهمة اقتراف جرائم حرب وتطهير عرقي.

والجدير بالذكر أن هذا الأمر تم ويتم بمباركة من الكثير من حكومات العالم، الرأسمالية، ولا سيما في الغرب الاستعماري، مع مشاركة أساسية كثيفة وحاسمة من جانب الولايات المتحدة الأميركية، هذه المرة، وبالصورة الأكثروقاحة وكلبية، سواء في ظل الإدارة الديمقراطية، قبل 20 كانون الثاني/يناير الماضي، أو في ظل حكومة ترامب الجمهورية الحالية. وذلك بالاسلحة شديدة التدمير، التي كان آخر تجلياتها إفراج إدارة ترامب عن صفقة كبرى إلى إسرائيل سبق أن جمَّدها الرئيس بايدن، تتضمن عدداً كبيراً من القنابل زنة الواحدة منها طن من المتفجرات! كما بالدعم المالي الكبير، وبات يصل في الفترة الأخيرة إلى عشرات المليارات من الدولارات. فضلًا عن الإسناد المخابراتي، بشتى الإمكانات الموجودة بحوزة الجيش الأميركي. بالإضافة الى استخدام الفيتو المتكرر امام مجلس الامن لمنع وقف حر ب استمرت أكثر من سنة وثلاثة أشهر، أطول حرب تشنها إسرائيل منذ إعلان قيامها، في 1948، وإلى الضغط المتواصل لأجل الحيلولة دون ادانة اسرائيل امام المنظمات الدولية، ولا سيما امام محكمتي العدل، والجنايات، الدوليتين.

والاخطر من ذلك ما يعلنه الرئيس ترامب عن دعمه لتهجير سكان غزة الى مصر والاردن، ولسياسة اقصى اليمين الاسرائيلي الرافض حتى لحل الدولتين، ولأي استعادة من جانب الشعب الفلسطيني لأ ي من حقوقه الوطنية التاريخية، والذي يتولى حاليا تصعيد عملية الاستيطان في الضفة الغربية وهدم المدن وإجلاء السكان، وتكثيف القتل والاعتقال التعسفي، في الوقت نفسه الذي يهدد فيه باستئناف حرب الإبادة في غزة.

هذا في حين نلاحظ أن هذا الواقع، وما يكشفه من ممارسات إجرامية يندى لها الجبين، لم يفلح الى الآن في استنهاض الحد الادنى من مشاعر التضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني، لدى الانظمة العربية، والمواقف الفعلية ضد تلك الممارسات وضد مقترفيها، ولا سيما ضد الكيان الصهيوني، مع ما يستدعيه ذلك من خطوات صلبة وحازمة ضده، من ضمنها قطع العلاقات معه. ناهيكم عن قطع النفط والغاز عن كل الدول المساندة لافعاله الإجرامية.

في شتى الأحوال، إن ما أوردناه أعلاه يكشف للمرة الألف واقع الدولة الصهيونية - التي شكَّل أساسَها المعنوي، وحتى المادي، إعلان مسؤول بريطاني كبير ما سمي بوعد بلفور، إبان الحرب العالمية الأولى، مع ما تلا ذلك من انتداب بريطانيا الاستعمارية على فلسطين، لاجل تسهيل تنفيذ هذا الوعد، عبر الهجرات اليهودية، المسهَّلة وحنى المحمية، من جانب الغرب الاستعماري، ومن ثم ضمان الامبرياليات الغربية، بوجه خاص، اتخاذ الأمم المتحدة في العام 1947، قرار تقسيم فلسطين – الدولة الصهيونية، نقول، بما هي دولة كولونيالية استيطانية تمثل قبل كل شيء مصالح هذا الغرب، بوجه أخص، ويؤمن لها، بالمقابل، كل وسائل البقاء، كما نشهد حالياً، على حساب شعب آخر تمتد جذوره في فلسطين التاريخية إلى آلاف السنين.

ومن الواضح أن هذه الدولة، بما هي دولة استيطان وتوسع وتهجي ر واحتقار لكل القوانين الدولية، تعتبر أن بقاءها لن يمكن استمراره إلا بالحروب التي تتواصل منذ نشوئها، مخلفة الكثير من الضحايا، وأشكال الدمار والعذابات والبؤس، وكل الانتهاكات المشينة للكرامة الإنسانية، منذ حرب 1948، التي أدت، بين ما أدت إليه، إلى تهحير معظم سكان فلسطين الاصليين، إلى حرب 1956 ضد مصر وقطاع غزة، إلى حرب 1967 ضد مصر وسوريا والأردن، إلى اجتياح لبنان في العام 1982، فالحرب على لبنان، مجدداً، في العام .2006 ناهيكم عن الحروب العديدة على غزة، منذ العام 2008، وصولًا الى الحرب الأخيرة على ك ل من غزة ولبنان، وما رافق ذلك من تدمير


 

هائل للقرى والمدن، ورف ض لإنهاء احتلال الدولة تلك، سواء لغزة، أو للعديد من المواقع داخل الجنوب اللبناني، فضلًا عن احتلال اكثر من خمسمئة كلم مربع من الاراضي السورية!

وهو ما يضاف، حتماً، الى الغارات الجوية على ايران والتهديدات بالحرب ضدها، بحجة منعها من امتلاك السلاح النووي(الذي تمتلكه بالمناسبة اسرائيل)، الأمر الذي ينذر بشر مستطير، إذا أخذنا بالاعتبار امتلاك الدولة الصهيونية اكثر من مئتي رأس نووي، وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، واستعدادها، كما يبدو من وقائع تلك الحروب، الى بلوغ أقصى مدى في التدمير والإبادة، في مسعاها، بحسب ادعاءاتها، للدفاع عن نفسها! وهو ما يكشف مخاطر حقيقية، في الآتي من أفعالها، واحلامها التوسعية الإجرامية، لحروب قد تتطور الى استخدام السلاح النووي، ووضع العالم بأسره على شفير حرب عالمية لا تبقي ولا تذر!

لأجل ذلك، وفي حين نبدي حرصنا، في الاممية الرابعة، على حق الشعوب في الحرية والكرامة، والمساواة، والسيادة على ارضها، وحق تلك التي تعاني ظلماً طويل الامد، قائماً على التهجير والإبادة وشتى اشكال القهر والاضطهاد، في تقرير مصيرها، بحرية؛ وإذ ندرك، في الوقت نفسه، أن أنظمة العار العربية، التي إذ تمارس الاستبداد والاستغلال الشديدين ضد شعوبها، تحني رؤوسها بالكثير من الذل والإذعان للحكومات الإمبريالية، والشركات الرأسمالية العالمية، ولا تجد غضاضة في غض النظر عن أفعال الكيان الصهيوني المشينة، وحتى في الهرع للدخول في اتفاقيات التطبيع معه، لن تكون بمنأى عن الحساب العسير الذي قد تواجهها به، في القادم من الأيام، شعوبها، وهو ما تؤكده الانتفاضات التي خاضتها تلك الشعوب في العقدين الاخيرين من هذا القرن، لأسباب تتعلق بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية، والتي قد تتجدد، قريباً، ولكن لتجمع هذه المرة بينها وبين النضال لاجل الكرامة الوطنية؛ وإذ نحيي، بالكثير من الإعجاب والتفاؤل التحركات المفعمة بالشهامة والمشاعر الإنسانية ضد إسرائيل، وتضامناً مع الشعب الفلسطيني، لدى شبيبة الحواضر والمدن الكبرى، في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، بوجه أخص، ناهيكم عن شبيبة بلدان أخرى عبر العالم؛ وإذ نتذكر باعتزاز موقف الاممية الجازم، في العام 1947، ضد قرار التقسيم، ندعو إلى التنسيق والتعبئة الحثيثين، مع كل القوى والمنظمات والأفراد، في بلداننا، وعبر العالم، التي يمكن اللقاء معها على قاعدة التصور الوارد اعلاه، لاجل الكفاح المشترك من أجل المطالب التالية:

-1 تسريع اتخاذ محكمتي العدل والجنايات الدوليتين قرار الأولى باعتبار الحرب الإسرائيلية على غزة حرب إبادة جماعية، وبدعوة المنظمة العالمية للأمم المتحدة للاجتماع على اساس قاعدة الاتحاد من أجل السلام، والعمل على إنزال العقوبات الضرورية بالكيان الصهيوني، ومن ضمنها قطع شتى العلاقات، سواء الدبلوماسية أو الاقتصادية معه، على المستوى العالمي، وسحب الاعتراف بشرعية الدولة الصهيونية، وبعضويتها في الأمم المتحدة، واعتبار تزويدها بالأسلحة جريمة ضد الإنسانية؛ وقرار الثانية باعتبار كل الوزراء في حكومة نتانياهو، وكل الضباط الكبار في جيشه، الذين شاركوا في اتخاذ القرار بتلك الحرب الإجرامية، أو في تطبيقه، مجرمي حرب يجب ملاحقتهم في أي دولة يمرون فيها، او ينتقلون اليها.

-2 الضغط لأجل اتخاذ الجمعية العامة، ومجدداً على اساس قاعدة "الاتحاد من اجل السلام"، التي تم اعتمادها في اكثر من مناسبة، ولا سيما خلال كل من الحرب الكورية، عام 1950، وحرب قناة السويس، في العام 1956، القرار بنزع السلاح النووي المتوافر لدى الكيان الصهيوني، وكل اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها.

-3 تفكيك الدولة الصهيونية، ك" دولة لليهود"، وإقامة دولة ديمقراطية علمانية ثورية محلها، تتيح لكل من يريد من الفلسطينيين المشتتين خارج وطنهم التاريخي العودة اليه، إذا شاؤوا، والتمتع مع كل سكان فلسطين التاريخية الباقين، أكانوا يهوداً أو عرباً، بحقوق متساوية، على اساس المواطنية الكاملة، "وهذا يتطلب رفض يهود دولة اسرائيل الحالية للصهيونية، ومشاركتهم في ثورة عربية حاملة لدينامية ديمقراطية وعلمانية واشتراكية."