مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

"دمج الانتماء الإثني في إطار الديمقراطية السياسية"

ميشيل كاهين بقلم
Une peinture ancienne de la première migration des Fengu, l’un des peuples affectés par le Mfecane, au 18e siècle. Domaine public.

 

ينبغي إدماج مفهوم الإثنية في إطار التحليل الماركسي على نحو أكمل، خاصة بالنظر إلى ما تنطوي عليه الروابط الإثنية من خيارات عفوية للشعوب وضرورات ديمقراطية.

 

عندما يدور الحديث عن أفريقيا، غالباً ما يُطرح مفهوم الإثنية في الصحف العامة وضمن الباحثين في العلوم الاجتماعية على حد سواء. كيف يمكن تحديد هذا المفهوم؟

 

كانت بداية استخدام كلمة إثنية في فرنسا في سنوات 1930، لتحل محل كلمة عِرق. لكن هذه الكلمة الأخيرة نفسها لم تكن تحمل ما تكتسيه اليوم من نفس المعنى. يتحدث إرنست رينان Ernest Renan، منظّر الأمة الفرنسية العظيم في القرن التاسع عشر، ومؤلف كتابQu'est-ce qu'une nation (ما الأمة؟)، على سبيل المثال، عن "العرق الفرنسي" على نحو عادي جدًا. يعني ذلك مجتمع communauté أو أمة، لكن مع فكرة سريان الثقافة في الدم. يشكل ذلك نوعًا من النزعة الجوهرانية.. [نظرية فلسفية تقر أن الجوهر يسبق الوجود، بعكس الوجودية- المترجم]. كانت الأممية الشيوعية تستخدم مصطلح "زنجي"، الذي لم يعد مستعملاً اليوم.  

 

بدأ استخدام كلمة إثنية في سنوات 1930 بطريقة ذات نزعة جوهرانية للغاية.كانت اللحظتان المؤسِّستان لأكثر النقاشات حداثة حول كلمة ومفهوم الإثنية في فرنسا، في مجال العلوم الاجتماعية هما :بداية، كتاب جان- لو آمسال Jean-Loup Amselle وإليكيا مبوكولوElikia M’BokoloAu cœur de l'ethnie، الذي نُشر لأول مرة في عام 1985، ثم بعد ذلك ببضع سنوات كتاب جان بيار كريتيان Jean-Pierre Chrétien وجيرار برونييه Gérard Prunier، Les ethnies ont une histoire، الصادر في عام 1989. تقوم الأطروحة على أن مفهوم الإثنية ليس مجرد خدعة صنعها المستعمرون، وأن الأفارقة لم ينتظروا قدوم الأوروبيين ليدركوا وجود هويات - قد تُسمى إثنية أو أمة - تمثل أشكال بناء اجتماعي وبالتالي فهي ذات طابع غير مستقر. توجد هويات قائمة منذ قرون في أفريقيا، على غرار أمة الكونغو التي كانت في الأصل نتاج بناء سياسي.كانت مملكة الكونغو قائمة منذ قرنين قبل حلول البرتغاليين بالمنطقة في عام 1482، ولا تزال الهوية الكونغولية مستمرة، على الرغم من قيام الحدود الاستعمارية بتقسيمها إلى خمسة أجزاء: غرب الكونغو برازافيل، وغرب الكونغو "الديمقراطية"، وأقصى جنوب الغابون، وجيب كابيندا التابع لأنغولا، والمقاطعتين الشماليتين في هذا البلد الأخير، واللتين يطلق عليهما أيضاً الكونغو وزائير. ويمثل كيانا لا يزال قائمًا، بلغته الخاصة، وطقوسه الخاصة، ومَلكه كشخصية ثقافية سامية، وإن كان يشغل دورًا ثانويًا، وعاصمته مبانزا -كونغو في أنغولا.

 

يتمثل ما أدهشني دومًا بصفتي ماركسيًا في مدى صعوبة فهم الظاهرة الإثنية.كان نقاش مماثل إلى حد ما يدور في أوربا حول المسألة القومية. ويجدر بالذكر أن إنجلز كان يؤيد استقلال أيرلندا وبولندا، بينما كانت روزا لوكسمبورغ ضد استقلال هذا البلد الأخير لاعتقادها أن ذلك سيؤدي إلى تقسيم صفوف البروليتاريا التي كانت موحدة بالقوة داخل إمبراطورية ألمانيا.كان إنجلز يوضح أن على البروليتاري بداية معرفة الأرض التي يسير عليها، وما يقع على عاتقه من مسؤوليات: كان لا بد من حل المسألة القومية، ليتمكن بروليتاري أيرلندي من التحالف مع بروليتاري إنجليزي. كان إنجلز يولي أهمية لأيرلندا وبولندا لأنهما كانتا توالياً مستعمَرتين من قبل إنجلترا وألمانيا، البلدين الصناعيين العظيمين. كان يبدي تعاطفا متسما بنزعة أداتية [النزعة الأداتية أو الوسائلية نظرية مثالية ذاتية للفيلسوف الأمريكي جون ديوي وأتباعه، وهو نوع من البْرَجماتية، ملخصه أن المعرفة أداة للعمل ووسيلة للتجربة] إلى حد ما على ما أعتقد.كان لدى إنجلز نفسه بعض العبارات المروعة التي قالها عن دول البلقان التي كانت صغيرة المساحة وشعوبها "بلا أحداث تاريخية بارزة". كان يعتبر هذه البلدان متخلفة، بما أنها لم تكن صناعية. مع ذلك، تعد المجموعة الإثنية، من وجهة نظر مادية، تشكيلة اجتماعية ذاتية تعبر عن مجتمعات وفقًا لمسارات هوياتية خاصة بها، وهذا ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار في طريقة تفكيرنا.

 

هل بوسعك تحديد مفهوم الانتماء الإثني؟

 

عندما أتحدث عن الانتماء الإثني لا أعني وحسب مفهوم إثنية بل أيضًا مفهوم أمة، الذي لا أخلطه مع مفهومي الجمهورية والدولة خلافًا للتقليد اليعقوبي. لا يمكن تعريف الأمة الفرنسية، على سبيل المثال، بأي طريقة أخرى غير ما يلي: تشكل الأمة مجموعة من الناس الذين يشعرون بأنهم فرنسيون، وانتهى الموضوع. لا يوجد، من وجهة النظر هذه، أي سبب على الإطلاق يدعو إلى التفريق طبعاً بين أمة وإثنية، باستثناء درجة من درجات انتماء إثني. قد تمثّل أمة أعلى درجة من حيث مدى شدة تبلور الهوية وطول مدة وجودها.

 

لا أفهم لماذا قد نستخدم كلمة "أمة" للهوية الفرنسية - أنا مقتنع بأن الأمة الفرنسية موجودة لأن ثمة أناسًا يحددون أنفسهم على هذا النحو - ومصطلح إثنية لهوية الكونغو، في حين كان شعب الكونغو قائما بالفعل بهويته ولغته الخاصة عندما وصل البرتغاليون. هل ذلك راجع إلى أننا في أفريقيا؟ أنا مرتاب للغاية مما يُقام من فرق دلالي أمم وإثنيات. تشكل كل الأمم إثنيات لكن كل الإثنيات ليست أممًا، وبعبارة أخرى، سيكون مفهوم الإثنية أقل درجة من الهوية، وأكثر مرونة منها، وأقل تبلوراً منها، وربما أقل استمرارية منها. اختفت إثنيات وظهرت أخرى بفعل الاستعمار. لا يعني ذلك أن المستعمرين أنشأوا الإثنيات، في إطار فكرة فرق تسد الشهيرة. قام المستعمرون بتصنيف الناس، وترجم المبشرون الكتاب المقدس إلى أكثر اللغات فعالية بالنسبة لهم - مما أحدث تأثيرات كبيرة للغاية - لكنهم استخدموا ما هو كائن بالفعل. لا يمكن التلاعب بشيء غير موجود.

 

مع ذلك، يوجد في كتاب Au cœur de l'ethnie، الذي أشرف على إصداره جان لو آمسيل وإليكيا مبوكولو، والذي أشرت إليه، فصل كتبه جان بيار دوزون Jean-Pierre Dozon بعنوان: "Les Bété : une créonialation coloniale".

 

أنا لست متخصصًا في هذه المنطقة إطلاقًا. قد يكون على حق، إذا أثبت أن حاكما استعمارياً قام بتحديد الناس وتجميعهم في مقاطعة قام بتدبير نطاقها، وأن هؤلاء الناس اعتادوا تدريجياً على هذه الهيكلة الاستعمارية التي أصبحت ذات طابع إثني. قد يكون ذلك صحيحا، لكن لا يمكن أن يؤدي ذلك إلى استنتاج قانون عام يقضي بأن المستعمِر مخترع الاثنيات. قد يعني ذلك أن الأفارقة- ات كانوا- ن مضطرين- ت لانتظار قدوم المستعمرِين لإدراك وجود هويات مجتمعية لم تكن مجرد سلالة وعشيرة.

 

لنأخذ حالة جزر الرأس الأخضر وموزمبيق البلدين المختلفين تماماً. تقع موزمبيق في المخروط الجنوبي لأفريقيا، وتطل على المحيط الهندي، وينتمي سكانها إلى عائلة البانتو الكبيرة. يُعد الرّأس الأخضر أرخبيلاً كريولياً [الشخص الكريولى: من أصول أوروبية مختلطة مع عرقيات أفريقية جنوب الصحراء الكبرى، ومختلطة أحيانًا مع الشعوب الأصلية في الأمريكتين- المترجم]، في المحيط الأطلسي، عن بعد 500 كلم غرب داكار، وكان خاليا من السكان عندما وصل إليه البرتغاليون. كانت مأهولة بالكامل بالعبيد القادمين من أنحاء مختلفة من أفريقيا، والذين لم تكن لديهم نفس الهويات ونفس الديانات، ولم يكونوا يتحدثون نفس اللغة، مما اضطرهم إلى بلورة لغة الكريول [اللغة الكريولية: لغة من تخالط بعض اللغات وغدت لغة طبيعية]. ظهرت والحالة هذه هوية جديدة، أي هوية الكريول، المحصورة إقليميًا في الأرخبيل. يمكن القول، من الناحية التاريخية، بأن أمة تشكلت على غرار أممنا في أوروبا. ﻻ توجد مشكلة عويصة في تماثل أفقر مواطن في الرأس اﻷخضر مع دولة الرأس اﻷخضر.

 

تختلف الأوضاع بالنسبة لموزمبيق، إذ أنها تقع في قارة أفريقيا. استعمر البرتغاليون هذا البلد أيضاً في بداية القرن السابع عشر، على الرغم من عدم احتلال معظم أراضيه حتى نهاية القرن التاسع عشر. إنها إفريقيا البانتو بسلالاتها ومشايخها التقليدية وأممها الإفريقية ما قبل الاستعمار، والدول العظمى التي هزمها البرتغاليون عسكريًا. كانت هناك هويات أفريقية، لكنها لم تكن بالضرورة دولاً - أمما: كان نكوسي nkosi  (ملك/زعيم) إحدى التشكيلات السياسية الرئيسية في جنوب موزمبيق، وهي إمبراطورية غازا، من الزولو zoulou  المهاجرين المرتبطين بالمفيكانية Mfecane (حركات هجرة الزولو الرئيسية منذ نهاية القرن الثامن عشر). كانت دولة قائمة على الرق والعنف، وقامت بـ"اضفاء طابع الزولو" على هؤلاء السكان جزئياً. مع ذلك، كان سكانها أبعد ما يكونوا عن التجانس؛ إذ لم تكن تلك الدولة دولة - أمة قبل الاستعمار. لكن الكيانات السياسية الأخرى كانت متألفة من سكان أكثر تجانسًا. فلمَ لا نسميها أممًا؟

 

كانت البرازوس prazos ظاهرة مختلفة للغاية موجودة في قلب البلد، وتشكل أنظمة إقطاعية برتغالية سابقا تحولت إلى حد كبير إلى إقطاعية أفريقية دون أن تتسم بـ"طابع تقليدي من جديد". كان زعماء سود أو زعماء غوان goanais يمتلكون أراضٍ باسم ملك البرتغال. فُرضت هذه الهياكل السياسية على هويات قائمة سابقاً. كانت هذه الكيانات تمثل عشائرا أو سلالات، وأحياناً ذات هويات متمايزة للغاية، في شمال البلد، خاصة لدى قبائل ماكوندي Makonde وماكوا Makua. لم يحول البرتغاليون الذين احتلوا الإقليم بأكمله في نهاية القرن التاسع عشر السكان إلى "برتغاليين سود"، إذ ظل الناس بطبيعة الحال أفارقة. رفضت جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو Frelimo)، التي استولت على السلطة في عام 1975 بعد عشر سنوات من الكفاح المسلح، أن تأخذ في الحسبان وجود الأمم الأفريقية قبل الاستعمار، والتي كانت تُعتبر إجمالاً "ذات طابع قبلي"، ولم تشجع على نشر ثقافتها ولغتها. لكنها لم تتمكن أيضًا في أن تكون دولة اجتماعية لنسبة 80% من السكان الذين كانوا قرويين، مما كان قد يؤدي إلى حمل كل هذه المجموعات هوية بلد "موزمبيق"، هذا الفضاء الإقليمي الجديد الذي أصبح رسميًا أمة. كانت سياسة جبهة تحرير موزمبيق، على العكس من ذلك تقول: "يجب أن تندثر القبيلة، لتحيا الأمة".

 

كان استخدام كلمة القبيلة موضع نقاش حاد، وترتبت على هذه السياسة المناهضة للإثنيات انعكاسات عملية، مثل حملات محو الأمية التي نظمت باللغة البرتغالية حصراً - مع نسبة فشل كبيرة - وحظر الزعماء التقليديين وطقوس هطول الأمطار... الخ. كان ذلك في رأيي نوعًا من محاولة "إضفاء الطابع البرتغالي" أو«الطابع اللوزوفوني" [لوزوفونية: مجموعة إثنية لغوية من الشعوب والأمم التي تضم ما يقدر بنحو 270 مليون شخص موزعين على 10 دول وأقاليم ذات سيادة تعتبر البرتغالية لغة رسمية- مجموعة البلدان الناطقة بالبرتغالية- المترجم] على البلد بفكرة الإنسان الجديد، وبتوظيف لغة ماوية النبرة إلى حد ما.

 

حدث نفس الشيء إلى حد ما مع قمع إثني عنيف للغاية، في فرنسا؛ إذ قام نابليون، ثم نابليون الثالث، وخاصة الجمهورية الثالثة بفرنسة فرنسا: يتذكر الجميع اللوحات المكتوبة التي تقول "ممنوع البصق والتحدث بلغة الباسك أو البريتون في أوقات الاستراحة".لكن هذه الدولة الفرنسية، التي كانت تقمع الإثنيات، كانت تُنشأ في الوقت نفسه مدارسا عمومية إلزامية ومستشفيات وطرقا وجسورا، وتحقق التقدم، وهكذا تبلورت هوية سياسية للدولة الاجتماعية الفرنسية، مما أدى تدريجياً إلى تشكل هوية وطنية. كان هذا التبادل القائم بين التقدم الاجتماعي والقمع الإثني - ولا أقول أنه كان جيدًا - قادرًا على الاشتغال.

 

لا تشكل دولة رأسمالية تابعة أو فائقة التبعية، مثل دول أفريقيا، دولةً اجتماعيةً، مع استثناءات نادرة، بل إنها دولة كليبتوقراطية [1] وخاضعة لسيطرة استعمارية، وتمارس الاضطهاد الاجتماعي  والاقتصادي والإثني أيضًا، على الرغم من نهجها ممارسات قائمة على الإثنية والزبونية. يُشَيِّدُ وزراء طرقا مؤدية إلى قراهم عبر اختلاس ميزانية وزاراتهم، لكن ذلك لا يمثل سياسة تجميع هويات أفريقية لبناء أمة واحدة من أمم.

 

إذا أخذنا حالة بريطانيا العظمى، فإنها لا تمثل فيدرالية مكونة من إنكلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا الشمالية. لا تشكل دولة فيدرالية؛ إذ ثمة هوية بريطانية فائقة. تعد هوية في صيغة المفرد ضمن هويات في صيغة الجمع. قد يعترف إسكتلندي بأنه بريطاني، لكنه لا يحبذ الخلط بينه وبين إنجليزي. لم تتبع دول أفريقيا هذا النموذج من الهويات المندمجة، وجعلت أمما أفريقية ما قبل الاستعمار متعارضة مع الأمة الجديدة التي كان مفترضاً أن تشكل قطيعة بدلاً من هذا الجمع الموطد بين الهويات من قِبل دولة اجتماعية.

 

يأخذ النظام في إثيوبيا بعين الاعتبار مختلف الاثنيات، بالأقل رسميًا

 

يكاد ذلك يكون استثناءً، ولم يكلَّل بالنجاح على الإطلاق. توجد في هذا البلد فيدرالية قائمة على الهوية. تمتلك كل أمة تأسيسية، من حيث المبدأ إقليما متمتعا بالحكم الذاتي، لكن نظاماً ديكتاتورياً يحكم البلد ولم يسبق بأي وجه احترام أشكال الحكم الذاتي. ما كان جيدًا في الدستور لم يتجسد على أرض الواقع.

 

أنا لا أدعو إلى ضرورة إقامة الفيدرالية في كل مكان داخل أي بلد في أفريقيا. قد تؤدي الفيدرالية داخل بلدان أفريقيا إلى خطر تشكيل محافظات أحادية الطابع الاثني. بيد أن المحافظات أحادية الطابع الاثني نادرة جداً في أفريقيا. يوجد في منطقة ماكوا أيضاً شعب الماكوندي وشعب الياو Yao، بحيث يمثل شعبٌ أغلبيةً وشعبين أقليتين.

 

لا تتمثل المشكلة في إقامة نظام فيدرالي، يجب النظر بدلًا من ذلك إلى بوليفيا بقيادة إيفو موراليس Evo Morales، التي أقرت في عام 2009 دستور دولة بوليفيا الموحدة متعددة القوميات.

 

لا يشكل الواقع الإثني في أفريقيا عدواً لنا نحن الماركسيين. إنه بكل بساطة شيء قائم في المجتمع، ويجب الحرص على عدم إضفاء طابع جوهراني عليه. قد تصبح هذه الهويات أو لا تصبح أممًا، لكن أحيانًا سيجري التعبير عن السخط الاجتماعي على أسس إثنية. لا توجد بوجه عام حرب أهلية قائمة على أسس إثنية وحسب. لا يشكل الهوتو والتوتسي في رواندا، على سبيل المثال، مجموعتين إثنيتين. إذا كان علينا إطلاق اسم عليهما، فهما بالأحرى طائفتان، ومجموعتان لهما نفس اللغة ونفس الأساطير الأصلية، ونفس المملكة، لكن البعض كانوا يُعتبر مُزارعا والبعض الآخر مربي الماشية. سيتفق الجميع على أن التلاعب الاستعماري أتى أكله، لكنه لم يتخذ شكل حرب إثنية.

 

عندما يندلع نزاع إثني، غالبا ما تنشب مشاكل اجتماعية. توجد في هذه اللحظة، في شمال موزمبيق، جماعة جهادية مقاتلة. أصبحت هذه الجماعة الموجودة سابقًا كطائفة دينية جماعة مسلحة ثم انضمت إلى تنظيم الدولة الإسلامية. تجند من السواحليين Mwani الذين يقطنون المنطقة الساحلية ومن شعب الماكوا - مجموعةً كبيرة تعرضت لمعاملة سيئة للغاية من قبل المستعمِرين البرتغاليين ثم من قبل جبهة تحرير موزمبيق. وتوجد في آخر المطاف، مجموعة ماكوندي على طول الحدود مع تنزانيا. ومن هنا بدأت حرب التحرير في عام 1964. كانت مجموعة ماكوندي مهمة للغاية في حرب التحرير ضد الاستعمار [2]، على الرغم من كونها أقلية في المنطقة. تولى أعضاؤها أدوارًا قيادية مهمة بما أنهم كانوا فاعلين رئيسيين في حرب التحرير ضد الاستعمار. أصبحوا وزراء بعد أن كانوا جنرالات في حركة حرب الغوار. احتكروا معظم المناصب التي تتيح فرص الثراء، على الرغم من أنهم يمثلون أقلية كبيرة جداً في جميع أنحاء البلد (نسبة 2% من السكان، وما يناهز نسبة 10% في محافظة كابو ديلغادو Cabo Delgado الشمالية). يوجد اليوم تعبير إثني عن السخط الاجتماعي من جانب السواحليين أو شعب الماكوا ضد شعب الماكوندي، لكن بفعل انعدام المساواة الناجم عن قيام مجموعة إثنية معينة باحتكار سلطة الدولة بسبب ظروف تاريخية.

 

تكمن الصعوبة بأفريقيا في كونها على هامش الرأسمالية. ليست الدول دولاً اجتماعية، بل دولا قائمة على الانتهازية، ودولا كومبرادورية، دولا تمارس الزبونية على أساس إثني، وغالبا ما تُوطد نزعة إثنية واحدة. تشهد السنغال في هذه اللحظة تنامي إضفاء طابع ”الوَلَفية“ ouolofisatio [اللغة الوُلوفية: لغة أغلبية سكان السنغال وأقلية كبيرة في موريتانيا-م ]، كما أن اللغات الأفريقية الأخرى في تراجع وقد تختفي مستقبلاً. أدى ذلك إلى انتشار حرب غوار في إقليم كازامانس [3]، وقد تَحدُث تدريجيًا انتفاضات أخرى (ليس بالضرورة بنفس الشكل)، خاصة إذا ظلت التنمية متفاوتة للغاية في جميع أنحاء البلد. تكمن وراء كل ذلك دومًا ظروف مادية واجتماعية، لا يندرج قول هذا في إطار النزعة الاقتصادية: لا تأتي الهوية بأي وجه من تلقاء نفسها، بل تشكل تعبيراً عن مواقف متخذة بوجه تغيرات تبدو عدوانية أو مقلقة.

 

عاينت ذلك في موزمبيق: في الفترة الاستعمارية - أي حتى عام 1975 - كان علماء الأنثروبولوجيا قادرين على تحديد منطقة واسعة في شمال موزمبيق حيث كان الناس يتحدثون عائلة لغوية تسمى ماخوا-لوموي makhuwa-lómwè. كانت السياسات التي اتُبعت، بعد استيلاء جبهة تحرير موزمبيق على السلطة، تصب في صالح سكان الجنوب والعاصمة والمدن الكبرى. أدرك الناس شن هذه الدولة التحديثية الاستبدادية تعديات ضدهم، وسيحظى التمرد المدعوم من جنوب أفريقيا بنفوذ واسع في هذه المناطق. ثم صار الناس يسمون أنفسهم بـ ماكوا رداً على ذلك. كانوا يشعرون بذلك حقًا، ولا فائدة من تأكيد أنه "وعي زائف".

 

 

كيف يمكن تناول مشاكل الإثنيات والمشاكل الاجتماعية على حد سواء عندما يجري التلاعب بمسائل الإثنيات بشكل تام؟ ولِما تحجب هذه الأخيرة جميع القضايا الاجتماعية؟ تقلل بعض المجموعات التروتسكية في نيجيريا من شأن مسألة الانتماء الإثني على ما يبدو لي.

 

يوجد رجال أعمال سياسيون يتلاعبون بالهوية بشكل علني، وليس بالضرورة بهويات إثنية. يمكنهم التلاعب بهويات سوداء في بلد يضم أشخاصاً مختلطي الإثنيات، يمكن التلاعب بأي شيء إذا كان هذا الأمر موجوداً. من ناحية أخرى، تنطوي المشاكل الاجتماعية على تأثيرات إثنية على ما يتضح. أتيت في وقت سابق على ذكر مثال شمال موزمبيق، حيث لا يجد المقاتلون الجهاديون أي مشكلة في تجنيد الفتيان الصغار للقتال ضد حكومة جبهة تحرير موزمبيق. يتمتع سكان ماكوندي بفرص أفضل للاستفادة من ريع الدولة، على الرغم من أنهم أقلية في المحافظة، ومع عدم انطباق ذلك بالطبع عليهم برمتهم. وبالتالي تُطرح مسألة انعدام المساواة الاجتماعية والاقتصادية هذه بشكل ذي طابع إثني: يقول السواحليون: "نحن لا نملك شيئًا، لكن شعب الماكوندي يلتهم كل شيء". لا يعد هذا الكلام تحايلاً إثنياً، بل تعبيراً إثنياً عن انعدام مساواة اجتماعية.

 

يذكرني هذا بالنقاش الشهير الذي دار بين تروتسكي وأنصاره القلائل، المطرودين بالفعل من الحزب الشيوعي، في جنوب أفريقيا. كان الحزب الشيوعي والأممية الثالثة، التي باتت ستالينية، يدافعان عن شعار الجمهورية السوداء، بينما كان التروتسكيون الشباب في جنوب أفريقيا يدافعون عن جمهورية بلا لون سوى اللون الأحمر. كان هذا من جانبهم عبارة عن نزعة ذات طابع شمولي مجردة للغاية، لأن حكم الأغلبية يعني جمهورية سوداء. لم يكن هذا يعني ضرورة رحيل البيض، بل كان يعني وجوب فقدانهم لامتيازاتهم ، وكان تروتسكي دافع عن شعار الجمهورية السوداء.

 

ينبغي علينا نحن الماركسيين إدراك المقصود من التعبير الشهير " تاريخُ كل مجتمع حتى يومنا هذا تاريخَ صراع الطبقات".لا يعني ذلك عدم وجود سوى صراع الطبقات والوعي الطبقي. قد يكون شخص أبيض أو أسود أو من أصول مختلطة، وقد يكون رجلًا أو امرأة، وقد يكون يساريًا أو يمينيًا، وقد يحب عصير التفاح أو الجعة، وقد يفضل رياضة الرغبي على كرة القدم، وقد يحمل هويات كُثر، لكن المكان الوحيد الذي تختلط فيه كل الهويات متمثل في داخل ذاته، في الفرد، المكان الوحيد الذي لا يتجزأ تحت طائلة الموت. ليس بالضرورة أن تكتسي مسألة الطبقة في لحظة معينة أهمية قصوى في إثارة هذا الشخص: قد يعود سبب ذلك إلى كونه مسلماً، لأن المسجد الذي أحرقه العنصريون هو الذي يحرك مشاعره، ليس باعتباره بروليتاريا مسلماً بل بصفته مسلماً بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

 

يبذل هؤلاء الرفاق النيجيريون- ات جهودًا لتجاوز هذه الانقسامات، لكن هذا الأمر أكثر تجريدًا بالنظر إلى أن الحدود بين المنطقة المسلمة والمنطقة الروحانية - الأكثر تنصيرا إذ لم تنجح البعثات التبشيرية المسيحية إلا في الأراضي غير الإسلامية - في تاريخ نيجيريا بوجه التحديد، متناغمة مع إمارة صُكُتُو Sokoto السابقة، الدولة الأفريقية العظيمة قبل الاستعمار. لم يخترع المستعمِر هذه الانقسامات بل كانت نتاج عوامل تاريخية. تُعد نيجيريا كيانًا مصطَنعًا، مثل كثير من دول ما بعد الاستعمار، لكن ذلك لا يعني عدم إمكانية استمرارها على ما يرام: إذا كانت دولة اجتماعية تعمل إلى حد كبير على احترام مختلف الهويات الإثنية التي تشكلت تاريخيًا على أرض نيجيريا الحالية. تمثل نيجيريا دولة فيدرالية، لكن هذا لا يعني في حد ذاته احترامًا اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا أمثل للسكان، بسبب وجود الدولة الرأسمالية التابعة والكارثة النفطية.

 

قامت "ثورة" عام 1959 في رواندا، بعد إطاحتها للسلطة المطلقة لنخبة التوتسي، باتخاذ منحى إثني مع ما ترتب على ذلك من عواقب مأساوية نعرفها، بدلاً من نهج مسار ذي طابع اجتماعي.

 

قد تظهر تعبئة اجتماعية عبر مسارات تقاطب ذي طابع إثني (بالأحرى ذي طابع طائفي في هذه الحالة كما أعتقد) لأنها أكثر اتجاهات التفاهم المتاحة للناس. ثم يكتسب هذا الشعور ذا الطابع الاثني/الطائفي استقلاله الذاتي في ما بعد: لا تنتفي المسألة الإثنية بسهولة حتى وإن حُلت المشكلة الاجتماعية التي أدت إلى بروزها. إذا ما تم إدراك هوية ما على نطاق واسع، قد تختفي المشكلة الاجتماعية التي أدت إلى تعزيز بروزها، وقد يفضي ذلك إلى تفادي حصول مذابح، لكن لن يمنع استمرار هذه الهوية على مدى أجيال عديدة، وعلى الديمقراطية السياسية أخذ ذلك بعين الاعتبار.

 

تعد حالة الصومال مثيرة للاهتمام لأنها دولة - أمة متجانسة إثنياً، لكن هناك إقليمان يسعيان إلى نيل استقلالهما: صوماليلاند Somaliland [أرض الصومال] وبونتلاند Puntland [أرض البنط].

 

في الواقع لا تطرح المسألة الاثنية وحسب، إذ يوجد في الصومال نظير ما قد نسميه "قبائل" في العالم العربي، على سبيل المثال. وتعد عموماً هياكلا سياسية، وليست هويات إثنية. لكن ينبغي عدم النظر إلى الانتماء الإثني بصورة جامدة. قد يعتبر أناس أنهم صوماليون اليوم ثم لا يشعرون أنهم صوماليون غدًا. تطالب صوماليلاند بالاستقلال، ثم حصلت عليه بالفعل. إنها دولة لا يعترف بها أحد، لكنها الجزء الذي يعمل بشكل أمثل من الصومال! حتى أنها شهدت انتخابات بإشراف مراقبين دوليين. ترتبت عن الهيمنة الاستعمارية أيضًا تأثيرات على الهويات. سآخذ المثل السابق من شمال موزمبيق مع الماكوندي، هذه المجموعة التي كانت مهمة جدًا في النضال ضد الاستعمار والتي احتكرت مناصب السلطة. يوجد شعب الماكوندي على جانبي الحدود: في منطقة شمال نهر روفوما Rovuma التابعة لتنزانيا وفي منطقة الجنوب التابعة لموزمبيق.كان لـ 120 عامًا من الاستعمار، البريطاني من جهة والبرتغالي من جهة أخرى، تأثيرات على الهوية. يدرك أفراد الماكوندي في الجنوب جيدًا، أنهم لم يعودوا متطابقين تمامًا مع أفراد الماكوندي في الشمال، حتى وإن كانوا على علم اليوم بأنّهم أبناء عمومة.

 

قد يتحدث علماء الإثنيات في الصومال عن دولة واحدة، لكن هذا لن يمنع بروز التناقضات الداخلية التي ستؤدي إلى سعي بعض المناطق إلى طلب الاستقلال. لكن هذا السعي إلى نيل الاستقلال ليس بالضرورة ذا طابع إثني - قومي، إذ قد يكون الدافع وراء ذلك انعدام فعالية أداء الدولة غير الديمقراطية، والتي لا تحقق تقدمًا اجتماعيًا أو التي تحتكرها عشيرة واحدة بينما يوجد في البلد ما يناهز خمسة عشر عشيرة... الخ.

 

تبين الصومال مسألتين. بداية، لا يعني مجرد وجود هوية وتجانس إثني سير كل شيء على ما يرام، لأن ثمة مشاكل أخرى. ثانيًا، تتغير الهوية وفقًا لمسارات قد تؤدي إلى بروز تفاوتات بين السكان. لا تعدو الهوية أن تكون مجرد مجتمع أشخاص تراودهم أفكار معينة في لحظة معينة من مسار هويتهم.

 

ماذا عن القبائل والعشائر؟

 

يمكن طبعاً استخدام كلمة قبيلة دون نزعة استعلائية استعمارية. تشكل القبيلة تنظيماً سياسياً لفصيل من السكان، مع وجود مشيخة وزعماء منتدبين لمناطق مختلفة. توجد قبائل في العالم العربي الأمازيغي وفي الصومال (المعروفة باسم العشائر).

 

توجد في موزمبيق، على سبيل المثال، مجموعات إثنية عديدة لكن بدون قبائل لأن المستعمِرين البرتغاليين قاموا بتفكيك هذه الأخيرة. اعتمد البرتغاليون، على عكس البريطانيين، الإدارة المباشرة ولم يعيدوا تنصيب الزعماء التقليديين الأقوياء لكن المهزومين الذين أصبحوا الآن مديرين محليين مطيعين للدولة الإمبريالية الأوربية.

 

تعتبر العشيرة تنظيمًا وهميًا (بالأقل في المناطق التي أعرفها). تعتقد فئة معينة من السكان، على أساس الأساطير الحيوانية، أنها منحدرة من السلحفاة أو القرد. يجب عدم تجاهل أن كلمة "البانتو"، قبل إطلاقها على عائلة من حضارات أفريقيا، كانت تعني ببساطة "الكائن الإنساني" (على عكس مملكة الحيوان). تنطوي هذه الأصول الحيوانية الأسطورية على مقدسات غذائية، مثل حظر أكل السلحفاة على المتحدِر من سلحفاة.

 

تشكل الأنساب تنظيمَ القرابة - الأبوية إذا كان الأصل عن طريق الأب، والقرابة الأمومية عبر الأم. لا يعني ذلك في الحالة الأخيرة سلطة أمومية، بل تنظيمًا اجتماعيًا لا يتمتع فيه زوج المرأة بالسلطة بل أخو المرأة. يُحدَّد النسب بواسطة الأم، كما هو الحال في الديانة اليهودية الكلاسيكية.

 

هل من كلمة أخيرة؟

 

حان وقت التفكير بالنسبة لنا نحن الماركسيين في دمج الانتماء الإثني في إطار الديمقراطية السياسية. لا توجد بالطبع نضالات لتحقيق الديمقراطية وحسب، بل أيضًا نضالات اجتماعية، ونضالات طبقية بالتأكيد، لكن هذه الأخيرة بحاجة إلى الديمقراطية، وتقتضي الديمقراطية السياسية دمج الانتماء الإثني بدلًا من محاربته. ندافع عن كل ما هو جيد في التقاليد إذا كان موجوداً، ونحارب كل ما هو سيئ في التقاليد إذا كان قائماً. لكن يجب الحرص على عدم توجيه اتهامات خاطئة: لم يحدث ختان الإناث على سبيل المثال مع ظهور الإسلام، بل كان موجودًا قبل ذلك بفترة طويلة. ولا يمكن محاربة هذا "التقليد" إلا مع الناس وليس ضدهم.

 

يقف خلف الحق في الانتماء إلى الهوية الحق في المساواة. يحق لي أن أكون يوروبا Yoruba أو ماكوا Makua  أو غير ذلك، ويحق لي أن يتعلم أطفالي القراءة والكتابة بتلك اللغة في المدرسة، ويحق لي أن يتم رسم إقليم مقاطعتي وفقاً للأماكن التي يشكل فيها من يتحدثون مثلي بنفس اللغة أغلبية، ويحق لي أن تكون الدولة ثنائية اللغة محلياً. قد تكون الدولة ناطقة باللغة الإنجليزية أو السواحيلية أو البرتغالية، لكن ينبغي أن تكون هناك ثنائية لغوية بشكل رسمي. ليس بالضرورة أن يكون الموظفون- ات المعينون- ات من أبناء الإثنية المحلية، لكن يجب عليهم- هن إتقان اللغة لتقديم خدمة عامة باحترام الناس.

 

أعتقد أن ذلك الرهان يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للماركسيين بسبب التطور الاجتماعي والاقتصادي في أفريقيا. تشهد هذه الأخيرة حالياً تحضراً متسارعاً دون تحول السكان إلى بروليتاريا. يأتي الناس الذين لم يعد باستطاعتهم كسب عيشهم في القرية إلى المدينة، لكن يفشلون عمومًا في الانضمام إلى نمط الإنتاج الرأسمالي. ولا يتمكنون من أن يصبحوا عمالاً- ات أو أجراء- ات. يجب امتلاك علاقات إثنية - طبقية للحصول على وظيفة... يحتاج هؤلاء الأشخاص، حرصاً على بقائهم الاجتماعي، إلى صون علاقات التضامن الأفقي مثل الانتماء الإثني. قد لا يشعرون بأواصر التضامن العمودي، أي طبقة ضد طبقة، بروليتاريا ضد برجوازية، إلا في وقت لاحق. لكن الغالبية الساحقة من الفقراء في أفريقيا لا يشكلون جزءًا من البروليتاريا.

 

والواقع أن البروليتاريا بعيدة كل البعد عن كونها أغلبية (ولا تشكل بالضرورة أكثر الأوساط الاجتماعية بؤسًا)، مقارنة بعامة الناس في المدن. لا يمثل عامة الناس طبقة، بل تشكيلًا اجتماعيًا غير مستقر من أناس لا فائدة منهم مطلقًا بالنسبة للرأسمالية، لأنهم نادرًا ما يشكلون سوقًا. قد يموتون بسبب مرض الإيدز أو كوفيد أو في حرب أهلية، ولا مشكلة في ذلك بالنسبة للرأسمالية. لكنهم أناس يجب أن يدافع عنهم الماركسيون. غالباً ما لا تكون المسألة الرئيسية المطروحة في أفريقيا ذات طابع بروليتاري بل على أساس عامة الناس، وليس من السهل تحديد مطالب انتقالية لهذا النوع من السكان. تشكل التطورات السياسية الحالية في غرب أفريقيا، على سبيل المثال (الفوز الكاسح الذي حققه حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة PASTEF في الانتخابات السنغالية في عام 2024، والانقلابات العسكرية "المناهضة لفرنسا" في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، والتي حظيت بداية بدعم شعبي لا يمكن إنكاره... الخ) تعبيراً غير مباشر عن إضفاء طابع عامة الناس على السكان، الذين يمثلون أيضاً فئة الشباب إلى حد كبير.

 

أجرى الحوار بول مارسيال يوم 18 آب/ أغسطس 2024.

 

[1]. يستخدم مصطلح الكليبتوقراطية كدلالة على نظام سياسي يمارس فيه شخص واحد أو أكثر على رأس بلد ما الفسادَ على نطاق واسع جدًا، وغالبًا ما يكون ذلك مع مقربين إليه وأفراد من عائلته.

 

[2]. أنا شخصياً لا أسميها وطنية بل مناهضة للاستعمار، إذ لم تكن أمة قائمة، بالمعنى الدقيق للكلمة، قبل حرب التحرير.

 

[3]. تشكل كازامانس Casamance، التي تسمى أحياناً كازا دي مانسا casa-di-mansa ("أرض الملوك")، منطقة تاريخية وطبيعية في السنغال، تقع في جنوب البلد ويحدها نهر كازامانس.

 

[4].   أنا لا أخلط بين عامة الناس وما يسمى بـ «القطاع غير الرسمي». إذ يُعدّ القطاع غير الرسمي تصنيفًا يشمل جزءًا واسعًا من السكان الذين لا يتم "تقنين" نشاطهم الاقتصادي في إطار تشريعي وقانوني. ويغطي هذا القطاع غير الرسمي مختلف الطبقات والتشكيلات الاجتماعية (بروليتاريا المقاولات الصغرى التي هي نفسها غير رسمية، وعامة الناس، والأوساط الحرفية، والتجار الصغار والمتوسطين، إلخ). وأعني بعامة الناس أساسا سكان المدن الذين لم يعودوا جزءًا من نمط الإنتاج المنزلي في القرى، ولا يمكن دمجهم في نمط الإنتاج الرأسمالي بسبب الطابع الهامشي للرأسمالية في هذه البلدان.

 

Inprecor a besoin de vous !

Notre revue est en déficit. Pour boucler notre budget en 2024, nous avons besoin de 100 abonnements supplémentaires.

Abonnement de soutien
79 €

France, Europe, Afrique
55 €

Toutes destinations
71 €

- de 25 ans et chômeurs
6 mois / 20 €

 

Auteur·es

ميشيل كاهين

ميشيل كاهين مؤرخ للاستعمار البرتغالي ومحلل سياسي لأفريقيا الناطقة بالبرتغالية، ومدير فخري للأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي CNRS وعضو الأممية الرابعة في فرنسا. يحمل آخر مؤلفاته عنوان: Colonialité. Plaidoyer pour la précision d’un concept, Paris, Karthala.