يُظهر أحدث تقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود زيادة حادة في العنف الجنسي في كيفوKivu ، المنطقة الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية. جرى علاج أكثر من 25,000 امرأة، دون احتساب النساء اللواتي فضلن الصمت. إنه رقم يعكس حجم العذاب الذي يعانيه السكان. ترتكب المليشيات المنتشرة أعمال عنف بأكبر قدر ممكن من الجهات الفاعلة الحكومية في المنطقة. أما في ما يخص القوى الغربية، فبينما نجد أن فرنسا وراء هذه الحرب الدائرة، تبقى القوى الأخرى في موقف الانتظار والترقب الأقرب إلى التواطؤ، ما يضمن إمدادات المعادن الضرورية للصناعات التكنولوجية المتطورة.
في العام 1994، كان ديكتاتورٌ في حالة انحدار هو من رضخ لضغوطات الممثلين الفرنسيين لجعل منطقة كيفو Kivuالقاعدة الخلفية للعملية العسكرية التركوازية في رواندا، التي جرى تقديمها على أنها عمل إنساني.
من الإبادة الجماعية في رواندا إلى حرب الكونغو
الأكيد أن موبوتو، الذي ظل في السلطة ما يقارب من ثلاثين عامًا في زائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية في ما بعد)، لم يكن لديه أدنى فكرة أن اتفاقه لن يعلن نهاية حكمه فحسب، بل أيضًا بدء ثلاثة عقود من النزاعات. لسوء الحظ، لا تزال هذه الحرب مستمرة حتى الآن، لتصبح واحدة من أطول الحروب وأكثرها دموية في التاريخ الأفريقي الحديث.
رغم دعم فرنسا لها، لم تتمكن الحكومة الرواندية التي كانت تمارس الإبادة الجماعية من احتواء هجوم الجبهة الوطنية الرواندية بقيادة بول كاغاميي Paul Kagame والمكونة في معظمها من المنفيين التوتسي˟ tutsis، ولكن أيضًا من المعارضين الهوتو ˟hutus. وضعت الجبهة الوطنية الرواندية حدًا لإبادة التوتسي، على إثر فوزها بالسلطة، ما أدى إلى انهيار النظام الرواندي. أدى هذا الأخير إلى فرار السكان، خاصة إلى زائير، تحت رعاية عملية "تركواز" الفرنسية.
أتاحت هذه العملية العسكرية فرار القادة الرئيسين والعديد من المتورطين في الإبادة الجماعية. بعد ذلك، حاولوا من معسكرات اللاجئين استعادة السلطة بالقوة، باستخدام الأسلحة التي احتفظوا بها خلال فترة نفيهم، لكن أيضًا من خلال عمليات التسليم التي جرت في جمهورية الكونغو الديمقراطية دون أي معارضة من السلطات الفرنسية.
حين دُمرت رواندا، اعتبرت السلطات الجديدة مخيمات اللاجئين تهديدًا خطيرًا لأمن البلاد. قام مرتكبو الإبادة الجماعية من داخل هذه المخيمات بتجنيد المقاتلين لشن هجماتهم على البلاد بهدف استعادة السلطة. حيث استقروا بشكل دائم في شرق الكونغو وأنشأوا ميليشيا هي الجبهة الديمقراطية لتحرير رواندا (FDLR).
نفّذ بول كاغامي عمليات مسلحة ضد المعسكرات دون التمييز بين المدنيين ومرتكبي الإبادة الجماعية، وبمساعدة أوغندا، تسبب في سقوط نظام موبوتو الذي كان يعتبر مهادنًا جدًا لأعضاء النظام الرواندي السابق.
التدخل الرواندي والاوغندي
شاركت رواندا وأوغندا في إنشاء جماعة حرب العصابات "تحالف القوى الديمقراطية من أجل تحرير الكونغو" (AFDL)بقيادة لوران ديزيريه كابيلا Laurent Désiré Kabila الذي استولى على السلطة بعد بضعة أشهر فقط. يعتبر هذا العمل العسكري أول حرب في الكونغو.
أراد لوران ديزيريه كابيلا بمجرد تعيينه رئيساً، أن يغادر حلفاؤه السابقون الروانديون والأوغنديون الذين كانوا يأملون في التأثير على الحكومة لصالحهم. كان هدفهم تحويل الكونغو إلى نوع من السيطرة من أجل تأمين حدود كل منهما واستغلال ثروات البلاد. كانت هذه الرغبة في الهيمنة على جمهورية الكونغو الديمقراطية السبب الرئيس لحرب الكونغو الثانية التي انخرطت فيها دول أخرى وشهدت انتشار الميليشيات.
جرى توقيع اتفاق سلام أدى إلى إجراء انتخابات فاز فيها جوزيف كابيلا Joseph Kabila، نجل لوران ديزيري. إلا أن المشاكل الأساسية لا تزال قائمة، ما أجج النزاعات المتتالية في البلاد.
السياسة الرواندية
شكل ظهور القوات الديمقراطية لتحرير رواندا عاملاً آخر في الأزمة. هاجمت هذه الميليشيا السكان، لا سيما مجتمع التوتسي. تتكوّن هذه الجماعة من البانيامولينجي Banyamulenge، وهي جماعة سكانية كانت موجودة في الكونغو منذ القرن التاسع عشر، بالإضافة إلى التوتسي القادمين من رواندا، نتيجة هجرة أحدث عهدًا بدأها المستعمرون البلجيكيون. تتعرض هذه الجماعة بانتظام للتهميش من قبل السياسيين الذين يتهمونها بدعم رواندا ويشككون في "كونغولية" أفرادها. جرى في هذا السياق إنشاء المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب (CNDP)، وهي ميليشيا تهدف إلى حماية التوتسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية والتي ستدعمها رواندا.
بالتوازي مع هذه السياسة، ازدادت أهمية استغلال الثروات الكونغولية بالنسبة لرواندا مع مرور الوقت. منذ العام 1999، اشتبكت القوات الرواندية والأوغندية الحليفة الداعمة لتحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو الديمقراطية من أجل السيطرة على مناجم الذهب في منطقة كيسانغاني Kisangani، ما أدى إلى اتفاق موييا Mweya. كان هذا التنافس بين أوغندا ورواندا على استغلال الثروات هو ما سيحدد تدريجياً السياسة الرواندية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وقع المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب والحكومة الكونغولية اتفاق سلام في 23 مارس 2009. أطلق الاتفاق اسم "حركة 23 مارس" على الميليشيا التالية التي جرى تشكيلها بعد ثلاث سنوات من توقيع الاتفاق من أجل الوقوف في وجه تطبيق الاتفاق. نما حجم حركة 23 مارس ونجحت في الاستيلاء على العاصمة الإقليمية الرئيسة، غوما Goma. مارس الغرب، قلِقًا من احتمال زعزعة استقرار البلاد، ضغوطًا على السلطات الرواندية من خلال تعليق 200 مليون دولار من المساعدات لوقف دعم حركة 23 مارس. في الوقت نفسه، جرى إنشاء كتيبة هجومية تابعة لبعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية (MONUSCO)، تضم 3000 جندي من جنوب أفريقيا وملاوي وتنزانيا، والتي نجحت في هزم الميليشيا في العام 2013.
هجوم كاغامي Kagameالمضاد
بعد هزيمتها، لم تعد حركة 23 مارس تتصدر الأخبار، لكنها عادت للظهور مرة أخرى في نوفمبر من العام 2021. في البداية، لم يكن هناك شيء جدير بالملاحظة بشكل خاص. كانت القوات الديمقراطية لتحرير رواندا قد توقفت منذ فترة طويلة عن تشكيل تهديد لرواندا، ولم تسجل أي هجمات على مجتمع بانيامولينجي banyamulenge. كان الحدث الوحيد الأبرز هو التوقيع، قبل ستة أشهر، على اتفاق مع أوغندا لبناء بنية تحتية للطرق على طريقين هما كاسيندي-بيني-بوتيمبو Kasindi-Beni-Butembo وبوناغانا- غوما Bunagana-Goma، ويمر الأخير على بُعد بضعة كيلومترات فقط من الحدود الرواندية. ويدل هذا الاستثمار على رغبة السلطات الكونغولية في تطوير شراكة اقتصادية مع أوغندا، الأمر الذي من شأنه تهميش رواندا. هكذا أصبحت حركة 23 مارس عنصر ضغط على كينشاسا Kinshasa. فهي تنفذ عمليات عسكرية لاحتلال الأراضي، بدعم كبير من رواندا، التي تمدها بالرجال والأسلحة الثقيلة والمتطورة. وهي تحتل جزءاً كبيراً من أراضي روتشورو Rutshuru وماسيسي Masisi ونييراغونغو Nyiragongo.
كما تحاول حركة 23 مارس أيضًا لعب دور سياسي يتحدى سلطة تشيسيكيدي Tshisekedi، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ العام 2019، عبر الاندماج كجناح سياسي للتحالف الفلوفي الكونغولي (AFC) الذي يتزعمه كورنيلي نانجا Corneille Nangaa، الرئيس السابق للجنة الانتخابية الوطنية المستقلة ومهندس الانتخابات المزورة التي جرت في العام 2019. يحاول (AFC) توحيد جميع المعارضين للحكومة وتقديم نفسه كبديل سياسي.
بطريقة ما، فإن كاغامي كان يبحث عن ضرب عصفورين بحجر واحد: إذا كان عليه أن يقدم تنازلات على الجبهة العسكرية، فسيظل قادراً على الاحتفاظ بنفوذه على الحياة السياسية الداخلية للبلاد. حتى وإن كان يفعل ذلك بطريقة خافتة، يثير كاغامي أيضًا مسألة الحدود الاستعمارية، في إشارة إلى فتوحات الملك الرواندي روابوجيري Rwabugiri في القرن التاسع عشر، الذي يقال إنه احتل الأراضي الحالية في روتشورو Rutshuruوماسيسي Masisiوواليكالي Walikale. دحض معظم المؤرخين هذا التفسير، حيث لم يذكروا سوى عدد قليل من القبائل التي جرى غزوها في رواندا، مثل جومبا Jombaوبويشا Bwisha.
عجز الحكومة الكونغولية
كان يأمل فيليكس تشيسيكيدي في تكرار ما حدث مع المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب، مع الضغط المالي الغربي على رواندا وهجوم عسكري واسع النطاق من قبل بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو. لم يعد هذا الخيار ممكنًا. فقد أصبحت رواندا نقطة دعم للسياسات الأمريكية والأوروبية في أفريقيا، من خلال مشاركتها الفعالة في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، ودورها في تأمين تثبيت شركات النفط الكبرى مثل TotalEnergiesفي موزمبيق، وقبولها للمهاجرين الذين أعيدوا من بريطانيا العظمى - حتى وإن تخلت الحكومة البريطانية الجديدة عن هذا المشروع. وقد اكتفى الغرب، مدعوما بأدلة خبراء الأمم المتحدة، بإرفاق إدانته لرواندا ببعض العقوبات على الضباط الروانديين المتورطين مباشرة في التدخل في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ورغم ذلك، تمتلك الدول الغربية الوسائل اللازمة لوضع حد لهذه السياسة العدوانية لرواندا. تلقت البلاد في العام 2021 مساعدات بقيمة 1.25 مليار دولار، أي ما يعادل ثلثي ميزانيتها.
لجأت السلطات الكونغولية إلى مجموعة شرق أفريقيا (EAC بالإنجليزية) طلبًا للمساعدة. وصلت القوة الإقليمية لمجموعة شرق أفريقيا إلى البلاد في نوفمبر 2022. وهي مكونة بشكل أساسي من قوات من كينيا، التي تأمل في تحقيق عائد اقتصادي على استثمارها العسكري. ومع ذلك، لم تكن كينيا مستعدة لمواجهة عسكرية مع رواندا وحاولت بذل جهود دبلوماسية. لكن دون جدوى. فقد جرى صرفها بعد عام بسبب تقاعسها عن القيام بذلك، واتجهت السلطات إلى دول الجنوب الإفريقي. لذا، في منتصف ديسمبر 2023، شُكِّلت بعثة عسكرية تضم جنوداً من تنزانيا وملاوي وجنوب أفريقيا. وتمثل قوات الدفاع الوطني الجنوب أفريقية القوة الرئيسة، حيث نُشر 2.900 جندي، على الرغم من أن النتائج على الأرض لم تكن مقنعة للغاية.
وعلى المستوى الوطني، أعلن تشيسيكيدي حالة الطوارئ في مناطق كيفو. أعطى هذا الأمر السلطة الكاملة للجيش، الذي لم يكن بالضرورة قادرا على إدارة المناطق، خاصة أنه أدى إلى الإفلات التام من العقاب على سياساتهم التعسفية وحتى العنيفة ضد السكان. مكّن هذا الإجراء أيضًا الضباط من إثراء أنفسهم من خلال وضع أيديهم على خدمات الجمارك والضرائب وشراء ذمم السلطات البلدية والإقليمية. يشير تقرير موجز لجلسات الاستماع الخاصة بتقييم حالة الحصار التي أقيمت في عام 2021 إلى أنه من بين 37 مليون دولار تم الإفراج عنها لهذه المناطق، انتهى 53% منها إلى جيوب كبار الضباط في كينشاسا.
تدرك السلطات الكونغولية جيدًا الحالة المزرية للقوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية. فهذه القوات عبارة عن خليط من الميليشيات المسلحة التي جرى دمجها في المؤسسة بموجب اتفاقات السلام، ويحمل قادتها صفة الضباط. بحيث لم يتلق معظمهم أي تدريب عسكري على الإطلاق، ولا يزالون يعملون كميليشيات ذات خطوط قيادة متوازية. بالإضافة إلى ذلك، هناك الفساد. فالضباط يختلسون جزءًا من رواتب الجنود، وكذلك الأموال المخصصة للمعدات والطاقة. لا يتردد الجنود في بيع ذخيرتهم وأحيانًا أسلحتهم للميليشيات المحلية. أما بقية الرواتب فهي زهيدة للغاية لدرجة أن القليل من الجنود لديهم الدافع للقتال. والأكثر من ذلك أن معظم مكافآت الضباط تأتي من مكافآت العمليات، والتي غالبًا ما تُمنح على أساس تقديري. ويعزز هذا النظام علاقات الزبائنية بين المرؤوسين والرؤساء، ويؤدي إلى إدامة النزاعات. بدلا من محاولة حل هذه المشاكل الكامنة، تفضل حكومة تشيسيكيدي تنظيم محاكمات للجنود الفارين من القتال، ما يؤدي إلى صدور أحكام بالإعدام، دون تحقيق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
تشمل التدابير الإشكالية الأخرى، مناشدة المدنيين في إطار برنامج "المتطوعين للدفاع عن الوطن" والتعاون مع مختلف الميليشيات التي تجوب المنطقة. وجدت هذه الجماعات عذرية سياسية جديدة - رغم جرائمها العديدة - من خلال تسمية نفسها "وازاليندو" Wazalendo ("الوطنيون" باللغة الكيسواحيلية kiswahili). تزودهم الحكومة بالسلاح وتغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان. على الرغم من تفاوت فعاليتهم من ميليشيا إلى أخرى، إلا أن فعاليتهم حقيقية بسبب معرفتهم بالتضاريس ودوافعهم للدفاع عن أرضهم، وتعزز هذه السياسة تفكيكَ المجتمعات المحلية في البلاد. إن العواقب وخيمة، إذ غالباً ما تتنافس المجتمعات المحلية مع بعضها البعض للوصول إلى الأراضي و/أو الموارد المعدنية.
بدأت، منذ بعض الوقت، شركات المرتزقة في إثبات وجودها، مثل شركة "Agemira" المسجلة في بلغاريا والتي يديرها دركي فرنسي سابق، أو شركة "Asociatia RALF" الرومانية.
اقتصاد الحرب
يعتمد الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل كبير على السياسات الخارجية للبلدان المجاورة. فالعلاقات المتضاربة بين رواندا وأوغندا لها تأثير مباشر على الوضع الأمني في البلاد. وفي الوقت الذي يشير فيه خبراء الأمم المتحدة إلى دعم رواندا القوي والنشط لحركة 23 مارس، يسلطون الضوء أيضًا على مساعدة أوغندا لهذه الميليشيا، وهي نتيجة مباشرة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. إن إحدى المشاكل الأساسية هي غياب الدولة والفساد الواسع النطاق الذي يمارسه كل من هم في مواقع السلطة مهما كان صغيراً. فالدولة غائبة في المناطق الريفية، ومنهارة ومفترسة في المدن. يقوم السياسيون في معظمهم بتفعيل النبذ المجتمعي بهدف بناء شعبية من أجل تولي المسؤوليات السياسية التي تفتح الطريق أمام مصادر الإثراء. تُقدر تكلفة البرلمان الكونغولي بين عامي 2021 و2023 بـ 1.1 مليار دولار، ثلثها نفقات غير منتظمة.
أصبحت المناجم موضوع صراع لا نهاية له بين الميليشيات المختلفة. أحدثُ مثال على ذلك، هو اشتباك الجمعية التعاونية لتنمية الكونغو (CODECO) مع "Groupe Zaïre" للسيطرة على موقع تعدين بياندا Bianda في منطقة دجوغو Djugu، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص. وردًا على ذلك، هاجمت Groupe Zaïre قرية غباتا Gbata، ما أدى إلى مزيد من الهجمات من قبل شركة CODECO التي استولت على موقع التعدين في مامبيو Mambeu، نتج عنه مقتل 21 شخصًا. يحدث هذا النوع من المواجهات العنيفة في جميع أنحاء الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ينتج عن ذلك تطور اقتصاد حرب حقيقي، يعتمد على عمليات التعدين المعروفة باسم "التاءات الثلاثة": الكاسيتيريت لإنتاج القصدير، والولفراميت لإنتاج التنغستن، والكولتان لإنتاج التنتالوم. يُستخرج الخام في ظروف مروعة، حيث يُجبَر السكان المحليون، بمن فيهم الأطفال، على العمل تحت تهديد الميليشيات المسلحة وأحياناً القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية. إن نظام التتبع الذي يشهد بأن هذه المعادن لا يجري إنتاجها عن طريق عمالة الأطفال ولا تمول الميليشيات، في رأي الجميع، قاصر تماماً وغالباً ما يعمل ضد مصالح الناس.
يساهم هذا الاستغلال في إثراء النخب الرواندية التي تقوم بتصديره إلى الصناعات التكنولوجية الرئيسة، بدعم من الاتحاد الأوروبي الذي يذكر أن "البلد فاعل عالمي رئيس في قطاع استخراج التنتالوم. كما أنه ينتج أيضًا القصدير والتنجستن والذهب والنيوبيوم، ويمتلك احتياطيات من الليثيوم والعناصر الأرضية النادرة". يضيف الاتحاد الأوروبي أن هذا البروتوكول "سيساعد على ضمان إمدادات مستدامة من المواد الخام"، خاصة المواد الخام الحيوية، "وهو شرط أساس لتحقيق أهداف الطاقة الخضراء والنظيفة". إن المشكلة الوحيدة هي أن رواندا لا تنتج أيًا من هذه المعادن، والمعادن التي توفرها تأتي من نهب جمهورية الكونغو الديمقراطية.
حين لا تسيطر الميليشيات على المناجم، فإنها تكسب عيشها عبر ابتزاز السكان المحليين عن طريق إقامة نقاط تفتيش عند نقاط العبور المختلفة. هناك نشاط آخر مربح للغاية، لا سيما في متنزه فيرونغا Virunga الوطني، وهو تجارة الفحم التي يمكن أن تجلب ما يقرب من 60,000 دولار أمريكي في اليوم لمختلف الجماعات المسلحة، بينما تدمر موقعاً يتميز بتنوع بيولوجي استثنائي. كما يجري تعبئة مصادر التمويل الأخرى مثل الصيد المحظور لبيع العاج وبيع لحوم الطرائد (1) أو أنشطة الصيد غير المشروعة.
الدبلوماسية في طريق مسدود
في هذه الحرب التي تشارك فيها جهات فاعلة متعددة، يسود الإفلات من العقاب الذي يؤدي إلى تشجيع العنف ضد المدنيين. يصح هذا الأمر بشكل أكبر بالنظر إلى أن أسلحة الطرفين أصبحت أثقل، مع استخدام المدفعية وكذلك الطائرات والطائرات بدون طيار. لا تتردد حركة 23 في قصف مخيمات اللاجئين.
نزح أكثر من سبعة ملايين شخص بسبب العنف. لم يعد أمام الناس خيار سوى مغادرة قراهم والانتقال إلى مخيمات اللاجئين المكتظة حول المدن الكبرى التي تعتبر أكثر أماناً.
لمحاولة حل هذا الوضع، وُضعت سياسة دبلوماسية حول مبادرتين للسلام في نيروبي وأنغولا. الأولى مخصصة للاجتماعات بين الميليشيات المسلحة والحكومة الكونغولية، بينما تركز الثانية على الحلول الإقليمية. ترفض سلطات جمهورية الكونغو الديمقراطية السماح لحركة 23 مارس بالمشاركة في محادثات نيروبي، بحجة أنها ليست ميليشيا كونغولية بل هي فرع من فروع الجيش الرواندي. مع ذلك، فإن العلاقات بين البلدين ليست مقطوعة تمامًا، وتستمر الاجتماعات بين كبار الشخصيات في النظامين تحت قيادة جواو لورينسو João Lourenço، الرئيس الأنجولي. وعلى هامش الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024، أعلن لورينسو عن مقترح لاتفاق سلام بين البلدين، يتمحور حول نقطتين رئيسيتين: انسحاب القوات الرواندية وتحييد القوات الديمقراطية لتحرير رواندا. في حين تتمثل إحدى النقاط العالقة، في مطالبة تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو بإجراء مفاوضات مباشرة مع الحكومة الكونغولية التي ترفض ذلك رفضًا قاطعًا.
مؤخرًا، بدأت القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية في مهاجمة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وهي طريقة تُظهر بها الحكومة الكونغولية استعدادها لإيجاد حل دبلوماسي للنزاع.
حكومة قمعية
تشكل إعادة العمل بعقوبة الإعدام في جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي تستخدم ضد الفارين من الخدمة العسكرية وكذلك ضد قادة تحالف القوى الديمقراطية لتحرير الكونغو، جزءً من سياسة متعمدة لتقييد الحياة العامة. يمكن رؤية الدليل على ذلك في زيادة الهجمات على الحق في التجمع والتظاهر والقيود المفروضة على حرية التعبير والصحافة أو على شبكات التواصل الاجتماعي مع اعتماد القانون الرقمي الجديد وكذلك المضايقات والاختطافات التي يتعرض لها نشطاء منظمة "LUCHA"˟ غير الحكومية، وحتى الاغتيالات التي طالت معارضين سياسيين مثل شيروبين أوكيندي Chérubin Okende، المتحدث باسم حزب "التجمع من أجل الجمهورية" الذي يتزعمه مويس كاتومبي Moïse Katumbi. في نهاية شهر أغسطس/آب 2023، أطلق الحرس الرئاسي النار من مسافة قريبة على أعضاء جماعة دينية صوفية "Foi naturelle judaïque et messianique vers les nations"، الذين كانوا يتظاهرون سلمياً ضد وجود بعثة الأمم المتحدة MONUSCO، ما أسفر عن مقتل 57 شخصاً على الأقل.
من أجل قمع المعارضة، تمتلك السلطات هياكل مثل الوكالة الوطنية للاستخبارات (ANR)، ووكالة الحماية العسكرية للأنشطة المناهضة للوطن (DEMIAP) والمجلس الوطني للأمن، ولكل منها سجون سرية ينتشر فيها التعذيب.
بعيدًا عن هذه التصريحات، لم يقطع تشيسيكيدي بأي شكل من الأشكال مع حكم السلطات السابقة، سواء من حيث التزوير الانتخابي أو الفساد أو سياسات التقسيم العرقي. صحيح أن الرئيس الرواندي بول كاغامي يتحمل مسؤولية ثقيلة عن تدهور النسيج الاجتماعي. فأول الضحايا هم أفراد مجتمع التوتسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، سواء كانوا من البانيامولينغي أو من أحفاد المهاجرين من الحقبة الاستعمارية. لكن، يتفاقم هذا التدهور في القدرة على العيش معًا بسبب سياسة السلطات الكونغولية التي تحابي الوزالندو Wazalendo وتوفر لهم الإفلات من العقاب على جرائمهم السابقة، وبالتالي فهي تعرض مستقبل البلاد للخطر من خلال تشجيع هذه الميليشيات المسلحة التي تشكل رعبًا حقيقيًا للسكان.
-----
- لحوم الأدغال هو مصطلح يطلق على لحوم الثدييات البرية والزواحف والبرمائيات والطيور التي تعيش في الغابة أو السافانا أو الأراضي الرطبة.
التوتسي: مجموعة سكانية تعيش في منطقة البحيرات الكبرى الأفريقية. كانوا ضحايا للإبادة الجماعية في رواندا عام 1941. يشكلون ما يقرب من 15 إلى 20٪ من السكان في رواندا وبوروندي، وهم، مثل الهوتو، جزء من سكان رواندا وبروندي. (م من ويكيبديا)
الهوتو: سكان البانتو في وسط أفريقيا. يشكلون في رواندا وبوروندي، يشكلون 85% من السكان. (م من ويكيبديا)
LUCHA: La Lutte pour le changement الكفاح من أجل التغيير، اختصار لوتشا، هي حركة مواطنة (مقرها في جمهورية الكونغو الديمقراطية) تناضل من أجل الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. تأسست هذه الحركة المدنية عام 2012، وتجمع عدة مئات من الشباب في جميع أنحاء البلاد. رغم اعتقالات الشرطة وجرائم القتل إلا أن مناضليها/تها اعتمدوا/ن اللاعنف كأساس لأعمالهم. (م من ويكيبديا)
7 تشرين الأول/أكتوبر 2024