بريطانيا : الفعل الجماهيري يوقف الفاشيين عند حدهم

ديف كيلاواي بقلم

أبانت المظاهرة الكبيرة المناهضة للفاشية، التي جرت  يوم 7 أغسطس في والثامستو ضد اعتداءات اليمين المتطرف التي شهدتها  بريطانيا، عن مقدرات المقاومة لدى السكان وكذا عن  سلبية المنظمات التقليدية، لا سيما حزب العمال . 

عند مغادرة القطار الجوي لهاكني إلى شارع هو في والثامستو، كان جليا أن المظاهرة ضد اليمين المتطرف ستحظى بإقبال هائل. وكانت العربات تمتلئ بالفعل بحشود مماثلة لتلك التي رأيناها في العديد من مسيرات التضامن مع فلسطين.

كان الشباب، المتنوعون عرقيًا، إلى جانب الناشطين اليساريين الأكبر سنًا المعروفين، يتجاهلون جميع نصائح النأي "الرسمية" الصادرة من الشرطة وأئمة المساجد المحلية والنائب المحلي وحزب العمال عمومًا. لنترك الأمر للسير كير1  وحكومته الجديدة المعتبرة ذات منفعة العامة.  فأحكام قاسية، وفرق شرطة جديدة لمكافحة الشغب، والتنديد بأعمال عنف أعمى ستكفي لتسوية الوضع – تحركوا، لا شيء يستحق المشاهدة هنا.

تعبئة كثيفة مناهضة للفاشية 

فور النزول من القطار، ورؤية نهاية الشارع الرئيسي، كان  الناس يسيرون جنبا إلى جنب، ثلاث ورباع، فوق الرصيف. ولكن بحلول الساعة 7.15، كان هناك بالفعل عدة آلاف من الأشخاص للدفاع عن المهاجرين الذين هدد الفاشيون بمهاجمتهم. بحلول الساعة 7.30 لم تعد ممكنة رؤية نهاية المظاهرة، فقد ملأت الطريق بأكمله. رصد أحدهم المحرض اليميني المتطرف كالفن روبنسون مع بعض أنصاره، لكن سرعان ما اتضح أن اليمين لم يستطع حشد أي حضور حقيقي.

وقد حضرت المظاهرة جماعات يسارية، مثل الحزب الاشتراكي، وحزب العمال الاشتراكي، والحزب الشيوعي الثوري، والمقاومة المناهضة للرأسمالية، رافعة لافتاتها. رفع بعض المتظاهرين لافتنات، لكن جلهم لم يكن  من أعضاء المنظمات، ولا حتى من أنصارها، بل كانوا من سكان لندن الذين أفزعهم ما قام به الفاشيون في اليوم الذي قبل.  جاءت مجموعات من جنوب لندن، ومن الأحياء المجاورة. وكان ثمة أيضا أناس كُثر من مجتمعات الأقليات العرقية المحلية.

. كان بعض المتظاهرين يحملون لافتات حضروها من بيوتهم، عليها شعارات أصيلة، ما يدل على أن الأمر يتعلق بمظاهرة جماهيرية حقيقية وليس مجرد مظاهرة يسار جذري. وكانت جماعة stand up to racism   (انهض ضد العنصرية) بذلت جهودا مضنية لتنسيق الاحتجاجات. وكانت بعض فروع النقابات المحلية تحمل لافتات خاصة بها.  على المستوى الوطني، وفي تناقض صارخ مع حزب العمال، دعا بعض قادة النقابات للخروج ودعم المظاهرات المناهضة للفاشية.

سلبية الأحزاب المؤسسية 

لقد هتف الناس "أهلا باللاجئين هنا"، "شوارع من؟ شوارعنا"، "نحن الشعب..."، "الشعب المتحد لن يُهزم أبدًا". لم يكن أحد يرفع شعارات من قبيل: "لا لأشكال العنف العمياء" أو"عقوبات أشد الآن" أو "مزيد من فرق الشرطة المكافحة للشغب".

وأخيرا ، أضاف ستارمر، متأخرا، "اليمين المتطرف" إلى عبارة "أشكال العنف" لحظة المظاهرات. لكن حزب العمال لم يطلق اي نداء إلى الناس كي يتظاهروا ضد الفاشيين. كما لم ينبس ببنت شفة دفاعا عن اللاجئين والمهاجرين الذين بوسع الجميع أن يلاحظ أنهم الهدف الرئيسي للفاشيين.  ولم ينطق أي من قادة حزب العمال بالحقيقة حول ما اقترف الفاشيون في روثرهام وتاموورث غيرهما. كانت مذابح فاشية ضد المهاجرين وطالبي اللجوء والمسلمين والسود.  وليس كما عرضت وسائل إعلام عديدة الأمر على أنه " احتجاجات ضد المهاجرين" كما لو أن مقترفيها كانون يوزعون مناشير أو يرفعون لافتات. لا لقد خرجوا لإضرام النار  في فنادق للاجئين ولجرح الناس وقتلهم.  وكانت حواجز مرتجلة على الطرقات تتحقق من راكبي السيارات إن كانوا سودا أو بيضا. وكانت منشورات بوسائل التواصل الاجتماعي تدعو صراحة إلى ذلك العنف.

تواطؤ  قادتنا

فشل حزب المحافظين وحزب العمال، على السواء، في الاعتراض على رواية الفاشيين حول المهاجرين وطالبي اللجوء. إنهم يطالبون بوقف القوارب، ويقولون إن ثمة الكثير من المهاجرين، ويدعمون العنصريين المحليين الذين يريدون إغلاق الفنادق "الممولة من دافعي الضرائب". وحزب العمال مرتعب من أن يُنظر إليه على أنه متساهل مع المهاجرين. وبدلاً من توفير طرق آمنة وقانونية لطالبي اللجوء، أو الاعتراف بأن العمال المهاجرين ضروريون لكل من الخدمات العامة والاقتصاد، يتحدث حزب العمال عن فرق جديدة لمكافحة الإرهاب لوقف القوارب ويتعهد بخفض أعداد المهاجرين.

تمثل كامل استراتيجية حزب العمال في الانتخابات الأخيرة في السعي لكسب ناخبي حزب المحافظين، خاصة في مقاعد الجدار الأحمر2  حيث حدثت بعض أسوأ أعمال العنف الفاشية.  فبدلاً من تحدي الأحكام المسبقة، وتنظيم حملة ضخمة قائمة على حقيقة الوقائع  المتعلقة بالمهاجرين، جرى التكيفمع الآراء الرجعية.  نعم، لقد فاز حزب العمال في الانتخابات الى حد بعيد، لكن حزب الإصلاح البريطاني بزعامة فاراج كسب أربعة ملايين صوت، ونحن نشهد الآن دينامية جديدة للعصابات الفاشية في الشوارع.

لقد أعطت الليلة الماضية بعض الأمل. يمكن استشعار غبطة الحشود وثقتها في إمكان استعادة الشوارع.  وعلى صعيد وطني، أخفق الفاشيون في مواصلة أعمال عنف الأسبوع الفارط، ما يدل على حدود مقدراتهم التنظيمية.  فعلى الرغم من أنهم يستطيعون حشد 15.000 شخص في ميدان ترافالغار في تظاهرة، لا يستطيعون تنظيم وتنسيق التحركات في 40 مدينة.

يتحدر اليمين المتطرف بنحو كثيف من فئات المجتمع المُذَرَّرة، التي تتخذ طابعا جذريا بفعل نظرية المؤامرة، من قيبل "اليمين البديل"  L alt Rightوأسلوب "كيو أنون" QAnon3  التي تغرس العنصرية  ومعركة ايديولوجية حول المخاطر المزعومة للقاحات والهجرة والمتحولين جنسيًا. وينظم حملة في الشبكات الاجتماعية، وكذا بوسائل الإعلام التقليدية، وبواسطة سياسيين وصحفيين انتهازيين الذين يضفون مصداقية على تلك الأفكار المسبقة توخيا لمسار مهني ناجح.

وقد كشفت البحوث القضائية كيف أن العديد منهم من أصحاب الأعمال الصغار، وليسوا ممثلين لقلق الطبقة العاملة المتخيل من تآكل أفكار قومية مجردة مبهمة. وعلى غرار هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة، كان الذين شاركوا في الهجوم  من ذوي الامتيازات، لكن غير في وضع هش وقابلين للتأثر بخطاب الاقوياء المثير للانقسام لأن ذلك يعكس حياتهم المستلبة. لكن ثمة باعثون على القلق، على غرار من جاؤوا لترهيب أناس مستضعفين، يقتصرون على ترديد بغير حس نقدي لأفكار عنصرية ومتعصبة.  

 

الخوف ينتقل إلى الجانب الآخر  

بوجه حركة جماهيرية مناهضة للفاشية منظمة جيدا، انكشفت لحسن الحظ مواطن ضعف هذه التشكيلات. وتجمع الآف الناس أيضًا في نيوكاسل وبرمنجهام وبريستول وليفربول وليفربول وفينشلي وأكسفورد وشيفيلد وبرايتون، مساء يوم كل أسبوع، في وقت وجيز نسبيًا.  وقد بالغت وسائل الإعلام والسياسيون دور الشبكات الاجتماعية من أجل تقليل شأن الكيفية التي ساهم بها الخطاب المعادي للمهاجرين والتقشف في مساعدة الفاشيين. فوسائل التواصل الاجتماعي موجودة في سياق اجتماعي أوسع، وتقوم بدور متناقض.  فالعديد من الناس علموا بالمظاهرات التقدمية عبر الشبكات الاجتماعية وكذلك بفضل جهود المنظمات التقليدية المناهضة للعنصرية.

أمكن، صباح يوم 8 أغسطس، عند مشاهدة بث قنوات التلفزيون الصباحي، ملاحظة أن التعبئة الظافرة قد وجدت العديد من الأنصار الجدد. لقد أوصت وسائل الإعلام والمؤسسة السياسية الناس بالابتعاد عن الاحتجاجات. ومع ذلك، كانت جميع الصفحات الأولى للصحف، بما في ذلك ديلي ميل وديلي إكسبريس الرجعيتان، اللتان غالبًا ما تنشران قصصًا معادية للمهاجرين، مبتهجتان للطريقة التي خرج بها السكان لدحر العنف الفاشي. 

في نشرة أخبار الصباح على قناة بي بي سي، على الأقل كان لدى أحد قادة الشرطة السابقين الفَضل والصدق للاعتراف بأن التعبئة الجماهيرية كانت العامل الحاسم الليلة السابقة، وليس قدرة الشرطة أو مجرد ردع بواسطة أحكام قاسية.  أما ستيلا كريسي النائبة المحلية عن مدينة والتهامستو، والتي كانت حتىئد قد دعت الناس إلى عدم المشاركة في المظاهرات، فقد أشادت فيما بعد بنحو منافق بالتعبئة.

مواردنا لبناء حركة مناهضة للفاشية 

ما لم يُقل علناً حقيقة مهمة. فلتيارات خارج حزب العمال مقدرة على حشد الآف الناس بشكل مستقل. شهدنا ذلك مع حركة التضامن مع فلسطين؛ ونراه اليوم مع الحركة المناهضة للفاشية. وهناك الآن عدد من النواب المستقلين الذين يمكنهم دعم هكذا حركات ــ حيث أصدر جيريمي كوربين والنواب الأربعة المستقلون من حركة "غزة" بياناً يدعم التعبئة المضادة. وإذا كان اليسار الراديكالي قادراً على العمل بطريقة غير عصبوية وموحدة، فسنتمكن من تحقيق تقدم كبير.

إننا بحاجة إلى العمل داخل الحركات الاجتماعية التي نشأت ضد العنصرية، والمتضامنة مع فلسطين، وتلك المعارضة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي المنفلت، فضلاً عن العمل مع النواب المستقلين، والعدد القليل من نواب حزب العمال اليساريين الذين يتحدّون ستارمر، وقبل كل شيء داخل النقابات العمالية، لمواصلة بناء بديل كفاحي للحكومة التي تراهن بكل شيء على الشراكة مع رأس المال. إن سياساتها لن تولد التغيير الهيكلي الجذري القادر على تقليص التفاوت وسحب البساط من تحت أقدام الفاشيين الذين يستغلون غضب الناس من التقشف وخيبة الأمل في السياسيين.

لقد أحرزنا نصرا في معركةٍ أمس، وكما قالت جريدة "العامل الاشتراكي" هن حق ــ إن الخوف يغير جانبه.ولكن التهديد الفاشي لا يزال قائمًا، ومعه كذلك كل من النظام البيئي الذي يغذيه ــ منظمة الإصلاح في المملكة المتحدة، ومن الإجماع السياسي السائد الذي يعتبر المهاجرين هم "المشكلة" ــ ما يعني أنهم لن يختفوا في أي أمد قريب..سيقوم موقعنا ومجموعات من قبيل   Stand up to racism بإخباركم بالاحتجاجات المقبلة.

8 أغسطس 2024 

  • 1السير كير هو الوزير الأول الجديد ، عن حزب العمال
  • 2الجدار الاحمر تعبير يستعمل في السياسة في المملكة المتحدة لوصف الدوائر الانتخابية ل Midlands وشمال انجلترا المؤيدة تاريخيا لحزب العمال
  • 3L alt Right تعبير عن قسم من اليمين المتطرف الأمريكي الرافض للنزعة المحافظة التقليدية ويناضل من أجل نزعة تفوق البيض، والميز الجنسي و معاداة السامية ونظرية المؤامرة ومعارضة الهجرة واندماج المهاجرين. أما QAnon فهو موجة جديدة من أنصار نظرية المؤامرة اليمينيين المتطرفين قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية. وتضم انصار نظرية المؤامرة التي تزعم أن حربا سرية جرت بين رونالد ترامب والنخب المنغرسة في الحكومة (الدولة العميقة) والأوساط المالية والاعلامية التي كانت ترتكب جرائم جنسية على الأطفال وأكل لحوم البشر وممارسات شيطانية.