
تعرِض رفيقتنا فيوليتا بوك Violetta Bock الوضعَ في ألمانيا، وعملها كنائبة عن حزب اليسار Die Linke، المتمثل في الربط بين الطبقات الشعبية ومعارضة سلطة تزداد عدم استقرار.
مقابلة مع فيوليتا بوك
فيوليتا بوك مناضلة في حزب اليسار. انتخبت عضوا في مجلس النواب البوندستاغ في فبراير 2025. كما أنها عضو في مجلس بلدية كاسل Kassel. درست الاقتصاد السياسي والعلوم السياسية. تناولت أطروحتها للماجستير إضرابًا في شركة أمازون. كانت تكتب في المجلة الشهرية « sozialistische Zeitung » عن قضايا العمل النقابي والشركات. حاصلة أيضا على الحزام الأسود في الكاراتيه...
أجرى المقابلة أنطوان لاراش Antoine Larrache ، وترجمها عن الألمانية بيير فاندفورد Pierre Vandevoorde.
- كيف ترين الوضع في ألمانيا، لا سيما مضاعفات الأزمة الاقتصادية؟
- سمة الوضع في ألمانيا البارزة هي تراجع "الغرب القديم". ينطبق ذلك على دورها العسكري والجغرافي السياسي في التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك على الأساس الاقتصادي لهذا التحالف: يبدو أن الحقبة التي كانت فيها ألمانيا تتبوأ مكانة رائدة في الصناعة الأوروبية، وتؤدي دوراً بارزاً في الاقتصاد العالمي، قد ولت في الوقت الراهن، ولا يوجد ما يشير حالياً إلى أن هذا التطور قد يتوقف أو حتى ينعكس.
منذ سنوات، تتجه سلاسل الإنتاج والنمو بشكل متزايد نحو آسيا، بوجه خاص نحو الصين والهند. لا يُفهم هذا التطور في ألمانيا بشكل كافٍ من قبل الحكومة الحالية، ولا من قبل قطاعات واسعة من اليسار الاجتماعي والحركة النقابية، كما أنه لا يشكل الأساس الذي تنطلق منه الإجراءات المزمع اتخاذها.
إنها حالة مأساوية، لأن كل ما نشهده اليوم يحدث في ظل هذه التغيرات الاقتصادية، في سياق كارثة مناخية متفاقمة بسرعة، مع كل ما يترتب عليها من عواقب اجتماعية وسياسية.
يتجلى هذا، بالنسبة للطبقات الكادحة، في فراغ استراتيجي.
أصبحت الكارثة المناخية الآن حقيقة معترفا بها، لكن التفكير الجاد في عواقبها قد حلت محله الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تتطور بالتوازي. الحقيقة أنه يجب على المجتمع أن يستثمر في مشاريع مستقبلية تعزز الحماية المدنية والبنى التحتية الاجتماعية، وتمنح الناس الوسائل اللازمة للتخفيف من عواقب الكارثة المناخية، وتمنع في الآن ذاته تدمير ظروف وجودنا المتواصل. عوض ذلك، تتبوأ الحرب، والمنافسة الجيوسياسية، والدفاع عن المواقع الصناعية الوطنية، الصدارة. تُستثمر الأموال في الحرب والاستغلال والنهب. بمعنى آخر، تجري الاستدانة، وتفكيك المجتمع لخدمة المجمع الصناعي العسكري وكل ما يضمن السيطرة على الموارد الطبيعية على الصعيد الدولي. يشكل هذا مصدر أرباح الطبقات الحاكمة وتطلعاتها.
يزيد هذا الأمر بشكل كبير الضغط على الطبقات العاملة، سواء على الصعيد المادي أو الأيديولوجي: من ناحية، بالدعاية القومية والرغبة في عسكرة الصناعة والمجتمع على نطاق واسع – في ألمانيا، يجري ذلك دائمًا تحت شعار «الروس قادمون» – ومن ناحية أخرى، من خلال تفكيك الصناعة في البلد، ما يدمر الوظائف وظروف المعيشة.
برغم أن ألمانيا لا تزال قوة مركزية في الاتحاد الأوروبي، لا تتمتع بقوة مصرفية على المستوى العالمي مثل بريطانيا، ولا بسيادة عسكرية مثل الولايات المتحدة، ولا حتى بمكانة اقتصادية مهيمنة مثل الصين. ثمة في الأوساط النقابية العليا حتى قادة يأملون أن تعود عليهم العسكرة بالنفع في نهاية المطاف، وأن تتمكن ألمانيا من استعادة مكانتها في سباق التنافسية، بمساعدتهم إذا لزم الأمر.
هذا يعيق أيضاً النضالات اليومية. طالما لا يوجد أمل قوي في مستقبل أفضل، ستظل أي حركة متعثرة. هذه هي المهمة التي تقع على عاتق اليسار اليوم.
- ما دور اليمين المتطرف في هذه الحالة؟
- يشكل حزب البديل من أجل ألمانيا AfD تجمعًا متنوعًا لتيارات اليمين. كان في بداياته ينتقد الاتحاد الأوروبي ويحشد ما يُسمى بالطبقة الوسطى، رغم أن قاعدته الانتخابية كانت تتألف في البداية إلى حد كبير من أجراء/أجيرات خاب أملهم/هن في النظام السياسي.
اليوم، يتراوح طيف الحزب بين المحافظين القوميين وأنصار الليبرالية الاقتصادية المتطرفة، وصولا إلى الفاشيين المعلنين الذين ينجحون في تقديم أنفسهم على أنهم معارضة راديكالية؛ ورغم ذلك، فهم يسعون منذ فترة طويلة إلى تقديم خدماتهم إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) كشريك في الحكومة.
وقد أفلحوا، بفضل هذا التقاطب المستمر، في ترسيخ برنامجهم العنصري في المجتمع، وتبنت أحزاب أخرى مطالبهم - مثل إلغاء حق اللجوء - وترجمتها إلى إجراءات حكومية.
نشهد حاليًا انزلاقًا في كامل الطيف السياسي نحو اليمين (باستثناء حزب اليسار Die Linke)، ما يُصعِّب كل يوم حياة المهاجرين /ات والعمال وأفراد مجتمع الميم-عين LGBTQ+ وكل الأشخاص الأشد هشاشة اجتماعيًا.
يدفع الخوف من ظهور حركة فاشية جماهيرية إلى البحث عن رد مركزي في إطار تحالفات واسعة قدر الإمكان، تصل إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد المسيحي الاجتماعي (CDU/CSU) والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) وحزب الخضر، من أجل صد حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) على جميع المستويات. لا توجد حالياً أي حركة فاشية جماهيرية في ألمانيا.
لكن علينا أن نتوقع أن يجد الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وحتى حزب الخضر نقاط تقارب سياسية مع حزب البديل من أجل ألمانيا – وهذا قائم بالفعل في الواقع. إن هذا بالضبط ما يجب أن نقاومه...
لم نشهد، في الأشهر الأخيرة، انزلاقًا نحو اليمين فقط، بل أيضًا تقاطبا، وهو ما يتجلى بشكل خاص في نمو حزب اليسار Die Linke. ثمة قسم متزايد من جيل الشباب يبحث عن إجابات أكثر جذرية ومستعد للتحرك. لذلك، يجب ألا تركز الردود على الانزلاق نحو اليمين على التحالفات ضد حزب البديل من أجل ألمانيا، بل يجب أن تبرز أيضاً منظوراً اشتراكياً كبديل للتسليح والقومية والتفكك الاجتماعي.
- كيف تتفاعل النقابات ؟
- إننا نواجه بانتظام هجمات شرسة ضد الحق في الإضراب والحقوق النقابية. مثلا، تهاجم الحكومة الحالية علناً يوم العمل من 8 ساعات. أضاعت النقابات الألمانية، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فرصة التخلص من أوهامها بشأن الاشتراكية- الديمقراطية. صحيح أن هناك الآن عددًا كبيرًا من المداومين النقابيين اليساريين. ولكن ثمة، في الوقت ذاته، عدد أقل بكثير من القادة العماليين في الشركات. تبلور هذا التطور في الثمانينيات. وفي الآن ذاته، تتناقص النزاعات الاجتماعية التي تستحوذ على الاهتمام العام، بعد انتعاش قصير في نهاية العقد الماضي وبداية هذا العقد.
لا نشهد حاليًا أي نضالات مهمة ومثيرة للاهتمام الإعلامي مثل تلك التي حدثت قبل بضع سنوات في أمازون والبريد والمستشفيات والخدمة العامة. بالطبع، لا تزال ثمة مبادرات وحملات مهمة تمنحنا الأمل ويجب أن ندعمها بكل قوتنا. للقيام بذلك، يجري اللجوء بشكل متزايد إلى ما يُعرف بأساليب التنظيم (1) ،لكنها تظل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالأطر والقرارات والرؤى التي تحددها الأجهزة النقابية المركزية.
نشهد ظهور لجان مقاولات يمينية، لا سيما في الشركات الصغيرة والمتوسطة، أو إنشاء نقابات عمالية يمينية منافسة. تتطلب مواجهة ذلك عملاً نقابياً احتجاجياً، لأنها تهاجم حيث موضع الألم: حيث تقوم لجان الشركات واللجان المسؤولة عن التفاوض على الاتفاقات الجماعية باستمرار بتقديم تنازلات لا تتوافق في النهاية مع رغبات الزملاء.
تظل المهمة الأساسية هي تشكيل نوى داخل الشركات تعمل على إبراز التناقضات الطبقية وإبراز منظور اجتماعي. ولكن فبي غياب تنظيم اشتراكي قادر على تقديم الخطوة التالية وتحقيقها، سنظل عالقين في مرحلة النضالات الدفاعية. هذا هو بالضبط ما نعيشه حالياً: الكثير من النضالات الصغيرة، ولكن لا تكاد أي منها تنجح في فرض نفسها في النقاش الاجتماعي. سعينا، في قطاع الخدمات، لتحقيق هذا الهدف بتشكيل تحالفات مواطنة، على سبيل المثال عبر التعاون مع حركة التحول الطاقي في النقل إبان مفاوضات الأجور في النقل العام.
يسعى رفاقنا في الشركات إلى تغيير العمل النقابي وإضفاء الديمقراطية عليه وتقويته، ولكنهم يكتفون، في كثير من الأحيان، بإعادة تنظيمه. يمكن أن يكون حزب اليسار (Die Linke) عونًا كبيرا في هذا الصدد، ولكن ليس إذا حصرنا أنفسنا في خلايا مؤسسية تحاول تطبيق سياسة حزبنا خارج نطاق العمل النقابي.
- ما هو شكل سياسة الاشتراكية- الديمقراطية؟
- في أوقات الأزمات، كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPDدائمًا عاجزًا عن تطوير سياسة مستقلة لصالح الطبقات العاملة، لأن نجاحه لا ينفصل عن نجاح رأس المال. لم يتغير شيء في هذا الصدد. وبما أنه فقد إلى حد كبير جذوره في الطبقة العاملة، فإنه يتظاهر بشكل متزايد بأنه ينتهج سياسة طبقية. إنه يتفكك تدريجياً.
في رأيي، دور حزب الخضر أكثر إثارة للاهتمام. في الخارج، غالباً ما يجري بخس أهمية حزب الخضر في المجتمع الألماني – فقد تراجع في استطلاعات الرأي إلى ما بعد حزب اليسار. لقد مثلوا لفترة طويلة أملًا في التجديد: بيئيون، تقدميون، سلميون – حتى لو كانوا، في الواقع، قد رضخوا دائمًا لمصالح رأس المال والرجعية وقادوا ألمانيا إلى حروبها الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.
اليوم، يقفون في وسط المجتمع، لكنهم أصبحوا حزب «عنصرية إنسانية»، الذي يبقي الحدود مفتوحة لصالح رأس المال، وحزب «الحرب الإنسانية». أصبحوا حزبًا مهمًا، لا سيما في الطبقة الوسطى، لكن خيانتهم لأصولهم هي، في رأيي، في عداد الماضي القديم.
يدرك الذين يصوتون له اليوم بدقة ما سيحصلون عليه في المقابل: سياسة مؤيدة لرأس المال، مع سيارات كهربائية وكبسولات قهوة عضوية.
- برأيك، ما هي السياسة التي سينتهجها ميرز Merz ؟
- لم يتحدد ذلك بعد. يواجه حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ( CDU) – ومعه شريكه في الائتلاف، الحزب الاشتراكي-الديمقراطي (SPD) – معضلة. فهم يلجأون إلى الوصفة الرأسمالية المعتادة: إجراء تخفيضات اجتماعية صارمة، وعسكرة المجتمع وإغلاق حدود الاتحاد الأوروبي أمام اللاجئين، والاستثمار بكثافة في رأس المال الأوروبي. يأملون من خلال ذلك خلق هامش مناورة جديد من أجل إعادة التوزيع بفضل «معجزة اقتصادية» جديدة.
لكن ثمة أسباب وجيهة لاعتقاد أنهم لن يفلحوا هذه المرة، في سياق الأزمة الاقتصادية العامة، من الخروج من المأزق بوفرة من اليورو – فالأزمة الاقتصادية مصحوبة بتغيرات دولية عميقة في أساليب الإنتاج الحديثة، إلى جانب إعادة تنظيم إمبريالية لميزان القوى. لن يتمكن برنامج إعادة التسلح وحده من تغيير الوضع – بل سيؤدي فقط إلى زيادة خطر الحرب وتوسيعه.
نلاحظ حالياً أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي/الاتحاد المسيحي الاجتماعي والحزب الاشتراكي-الديمقراطي يتماشيان بشكل متزايد مع شعارات حزب البديل من أجل ألمانيا العنصرية والقومية. فلماذا لا يكون من الممكن أن يجرؤ ميرز Merz يوماً ما على اتخاذ هذه الخطوة وتشكيل حكومة أقلية مدعومة من حزب البديل من أجل ألمانيا؟ سيكون ذلك كارثياً على الشعب الألماني، لكنه سيناريو واقعي.
تضغط وسائل الإعلام البرجوازية، والمجموعات الصناعية الكبرى، بكل قوتها من أجل تشكيل حكومة محافظة. فهي تتحدث باستمرار عن أزمات داخل الائتلاف، وتحوّل كل خلاف إلى كارثة، وتدافع عن مفهوم للديمقراطية مفاده أن الحكومات يجب أن تكون قادرة على «فرض إرادتها» دون اعتراض أو نقاش، بحجة أن ذلك ببساطة ضرورة تفرضها هذه الأزمة.
هنا بالضبط يمكننا نحن الاشتراكيون أن نبرز صورتنا: نحن الديمقراطيون. نحن نأخذ تنوع الآراء والصراعات المفتوحة على محمل الجد، لأننا ننطلق من مبدأ أن الحلول الجماعية لا يمكن أن تنشأ إلا من المواجهة والمشاركة الواسعة. وهذه رؤية للديمقراطية تختلف تمامًا عن رؤية "فرض الإرادة" الاستبدادية للوسط البرجوازي.
- هل يمكنكِ أن تخبرينا عن حزب اليسار Die Linke؟ ما هو توجهه السياسي العام؟ ما هو تأثير تدفق الشباب إليه بأعداد كبيرة؟
- يقتضي فهم حزب اليسار بشكل جيد معرفة تاريخه. في البداية، كان هذا الحزب نتيجة اندماج تيارين: من ناحية، المنظمة التي خلفت الحزب الحكومي السابق في الشرق، حزب الاشتراكية الديمقراطية PDS، ومن ناحية أخرى، حزب العمل والعدالة الاجتماعية-الخيار البديل (WASG)، الذي ظهر في غرب ألمانيا.
وقد نشأ حزب العمل والعدالة الاجتماعية-الخيار البديل WASG في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كرد فعل على الهجوم الراديكالي الذي شنته حكومة شرويدر Schröder على المكاسب الاجتماعية، وهو ما عُرف باسم "إصلاحات هارتز Hartz". وقد انضم إليه أعضاء محبطون من الحزب الاشتراكي-الديمقراطي (SPD)، ولكن أيضًا عناصر من اليسار الأكثر جذرية، وكان الكثير منهم من ذوي التوجه الماركسي.
كان جليا، منذ البداية، أن حزب اليسار (Die Linke) ليس مجرد حزب سياسي كغيره، بل هو نتاج تجمع خبرات وتقاليد مختلفة سواء على الصعيد السياسي أو بين الشرق والغرب. تغير شكله عدة مرات خلال تاريخه، وسيستمر في التطور في المستقبل. لأن نجاحه كان دائماً وسيظل مرتبطاً بقدرته على التكيف مع الديناميات الاجتماعية الجديدة.
اليوم، حزب اليسار Die Linke – وهنا غالباً ما ينشأ سوء فهم – هو أقل من حزب بالمعنى الكلاسيكي للكلمة مما هو منظمة جماهيرية، انه نقطة التقاء للجماهير.
ماذا أعني بذلك؟ إنه يحدد بالتأكيد توجهات سياسية، لكنه لا يفرض اتباعها بشكل موحد، ويفضل إعادة مناقشتها داخل الحركات. يضم في صفوفه اشتراكيين- ديمقراطيين يساريين براغماتيين واشتراكيين ثوريين، دون أن يؤدي ذلك عموماً إلى انقسامات أو استبعاد أو خرق للتضامن. الجميع يدركون أن هذا مشروع مشترك يجب أن يتقبل التيارات المختلفة. هدفه المركزي هو الدفاع عن المكاسب الاجتماعية، إلى جانب النقاش والنضال من أجل منظور اشتراكي، مع مراعاة التجارب المختلفة، سواء من منظور تاريخ ألمانيا الشرقية والغربية أو من منظور الحركات المختلفة.
لذلك، من الصعب تلخيص التوجه السياسي لحزب اليسار Die Linke في جملة واحدة، وهذا بالضبط ما يصطدم به العديد من المراقبين والمراقبات. فهم يريدون كلمات نهائية لا لبس فيها، لكن هذا الحزب لا يعمل بهذه الطريقة. يجري تحديد توجهه من قبل الأشخاص النشطين فيه.
إن هذه إحدى نقاط قوته: يمكن للأشخاص المنخرطين فيه التأثير على الطريقة التي يتطور بها عمل الحزب. فالخط المتبع في القضايا المركزية يتطور باستمرار ويتكيف مع الحركات.
ويمثل النقاش حول كيفية التعامل مع صعود اليمين المتطرف أحد الأمثلة على ذلك: يطالب البعض بتحالفات واسعة ضد حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، بما في ذلك داخل البرلمان، بينما يريد آخرون إظهار أن هناك هامشًا أكبر للمناورة في ظل الرأسمالية. أنا، على سبيل المثال، أعارض هاذين الموقفين. في الواقع، تقلص هامش المناورة الموضوعي للاستراتيجيات الإصلاحية في أوروبا، لا سيما في ألمانيا، في سياق التصنيع والسلطوية.
إننا نجد أنفسنا حالياً في وضع مريح إلى حد ما، لكنه صعب: تضاعف عدد أعضاء الحزب أكثر من مرتين، وكثير منهم ينتمون مباشرة إلى حركات اجتماعية، والبعض الآخر ينتمي إلى جيل بدأ للتو في الانخراط في السياسة. إن مجرد حقيقة أن هؤلاء الشباب قرروا أن يجعلوا من حزب اليسار منظمتهم هو أمر مهم بحد ذاته. إنهم يتخلون عن حزب الخضر، الذي غالباً ما يُعتبر حزباً يسارياً ليبرالياً، لكنه في الواقع يدافع جزئياً عن سياسة يمينية ليبرالية. لقد أدرك هذا الجيل أن النظام الحزبي بأكمله في ألمانيا قد تحول نحو اليمين وأن حزب اليسار هو الوحيد الذي بقي في مكانه: كقوة تحمل الأمل، وكقطب ضد الإقصاء والحرمان من الحقوق.
- وماذا يتوقع هؤلاء الشباب من الحزب؟
- أعتقد أن ما يريدونه ليس تلبية مطالب خاصة، بل أن يكونوا جزءًا من هذه المعارضة التي تحمل الأمل. في أفضل الأحوال، وهذا ما نلاحظه في العديد من الأماكن، يرون في حزب اليسار مكانًا يتيح العمل بفعالية في السياسة. ما سمح بالوصول إلى هذه النقطة هو أيضًا أن الحزب نجح، منذ رحيل ساهرا فاغنكنيشت Sahra Wagenknecht، في الخروج من الخلافات العامة، وتمكن من إيجاد موضوع مركزي هو مسألة الإيجارات، وأنه يمكن بواسطة الحملات من باب إلى باب البدء في العمل على المستوى الأساسي، وخارج الأوساط الصغيرة المنغلقة على نفسها، وإقامة اتصال مع الناس على أساس ما يعيشونه في حياتهم اليومية.
لدينا هنا فرصة تاريخية: النواب والمسؤولون في الحزب هم اليوم في هذا الموقع لأنهم اختاروا الانخراط في هذا المشروع في وقت بدا فيه من المستحيل بناء مسيرة سياسية بهذه الطريقة. في الخريف الماضي، كان حزب اليسار يُعتبر منتهيًا. كل من ترشح للانتخابات فعل ذلك باقتناع عميق بضرورة وجود بديل يساري. وهذا بالضبط ما يمكننا الاعتماد عليه اليوم لبناء المستقبل.
- فيما يتعلق بحركة التضامن مع فلسطين: هل هناك دينامية جديدة، لا سيما في الأحياء العمالية والمهاجرة؟
تعد حركة التضامن مع الفلسطينيين/ات حالياً واحدة من أهم الحركات الموجودة في ألمانيا. إنها مدعومة بشكل أساسي من قبل المهاجرين/ات. كما هو الحال في العديد من البلدان، القمع شديد ويؤدي إلى تغذية العنصرية بشكل أكبر. لذلك، من المهم دائماً التمييز بين الرأي "المعلن" والرأي العام. ثمة، ضمن عموم السكان، أغلبية تعارض شحنات الأسلحة من ألمانيا، لكن هذا لا يظهر بعد في الشارع.
لا يمكن الوصول إلى الشباب، بل وأيضاً إلى العديد من العمال وأجزاء من السكان ككل، عند وصف التضامن مع فلسطين بشكل عام بأنه "مشكلة" أو "معاداة للسامية". رغم ذلك، سادت هذه النظرة لفترة طويلة في اليسار الاجتماعي، لا سيما بسبب تاريخ ألمانيا المأساوي.
بالطبع، لا يزال صحيحاً أنه كلما زادت صلة الناس بالمؤسسات الحكومية في حياتهم اليومية – سواء على الصعيد المهني أو في حياتهم الخاصة – كلما زاد الضغط القديم لـ«مصلحة الدولة». ولا يزال هذا يمثل عقبة.
لكن هذا لا يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لإستراتيجية اشتراكية. لأننا نخاطب في المقام الأول أولئك الذين ليسوا مندمجين في هذا النظام، ولكنهم يعانون منه. وهنا بالذات يكتسب التضامن مع فلسطين، على الرغم من كل الهجمات، دينامية جديدة.
- كيف يسير النضال ضد القمع؟ هل يمكن التغلب عليه؟ هل يمكن للحركة أن تغدو أقوى من القمع؟
- بالطبع، لقمع مؤثر، خاصة على أولئك الذين يعملون أو ينشطون بالقرب من الدولة، أو الذين يعتمدون بطريقة أو بأخرى على مؤسسات الدولة. في بعض الأماكن، يظهر القمع بشكل واضح، على سبيل المثال عندما تُمنع النساء اليهوديات من التعبير عن أنفسهن علناً لأنهن يتخذن موقفاً واضحاً ضد السياسة الإسرائيلية، أو عندما تدين المحاكم التدخلات العنيفة للشرطة بعد وقوعها وترفع بعد ذلك الحظر عن بعض الشعارات. نلاحظ بانتظام، داخل حركة التضامن، تقدمًا جديدًا، مع انضمام شرائح جديدة من السكان وتحقيق اختراقات مهمة.
ساهم في ذلك أيضًا حقيقة أن المزيد والمزيد من المنظمات لم يعد قادرا على غض الطرف. وأولئك الذين نجحوا في التغلب على خوفهم أصبحوا أكثر تصميمًا. إن موقف الدولة يزعزع ثقة الكثير من الناس في النظام. ولا يزال هناك في حركة التضامن طيف واسع من المواقف، يتراوح بين التركيز على المطالب الإنسانية والمواقف المعادية للصهيونية.
المشكلة الرئيسة في ألمانيا حالياً هي مشكلة أخرى تماماً: مكافحة الإحباط والشعور بانعدام مخرج. لطالما رفضت الحكومة الفيدرالية بعناد اتخاذ أي قرار من شأنه الضغط على إسرائيل. نحن إذاً ضد الدولة، لكن الدولة لا تتحرك. "مصلحة الدولة" الألمانية تسمو فوق كل شيء وتشكل كل السياسة الخارجية.
لذلك يشعر العديد من النشطاء أنهم يقاتلون طواحين هواء. بالنسبة لأولئك الذين ناضلوا لعقود من الزمن تضامناً مع فلسطين، تهيمن هذه الفترة فظاعة ما يحدث في غزة والضفة الغربية والمنطقة بأسرها.
وفي الآن ذاته، تمثل هذه المرحلة تقدمًا كبيرًا، حيث ظهر على الساحة جيل جديد من النشطاء وأعضاء الأحزاب، الذين لم يعودوا أسرى فكرة أن أي انتقاد لإسرائيل هو في حد ذاته معاداة للسامية. قد لا يكون لهذا التقدم تأثير فوري، لكنه يخلق أساسًا متينًا يتيح بناء منظور أممي أكثر جذرية في السنوات القادمة.
- كيف ترين دورك كنائبة في هذه الحالة؟
أنا اتناول دائمًا دوري كنائبة في البرلمان مستحضرةً مسألة العلاقات بين البرلمان والحركة والحزب .
لحسن الحظ، شهدت السنوات الأخيرة العديد من المناقشات والتقدم الواضح داخل حزب اليسار. لقد تعلمنا كيف يجب أن تكون هذه العلاقة منظمة، ووضعنا قواعد محددة، على سبيل المثال، بشأن دفع الأموال أو عقد ديمومات اجتماعية منتظمة. جلي جداً أن النواب الذين أعمل معهم اليوم لم يترشحوا بدافع الطموح المهني، بل بدافع الاقتناع. بالطبع، لا تزال ثمة في الحزب طريقة عمل قديمة، حيث كان النواب ينظمون أنفسهم في مجموعات عمل صغيرة. وتظهر هكذا ميول بانتظام لأسباب هيكلية. لكننا بدأنا في كسر هذه المنطق. وأعتقد أننا على الطريق الصحيح، حتى لو كنا في البداية فقط.
بشكل ملموس، أميز ثلاثة جوانب في عملي.
أولاً، يجب العمل بنحو يتيح استفادة الحركات من الموارد القائمة. لا أتحدث هنا في المقام الأول عن المال، بل عن المعلومات، والشبكات، وفرص إسماع الرأي. غالباً ما يُختزل ذلك إلى مجرد دعم مالي. لكن ما يهم هو تزويد الحركات بالتحليلات، والأطروحات، والتقييمات، والانطباعات، وفهم جيد للخصم. هذه موارد متاحة لنا نحن النواب.
ثانياً، المقصود أن نكون نموذجا. يجب ألا نربط هذا الدور بهدف أن نصبح يوماً ما جزءاً من كتلة الأقوياء في السلطة. يجب علينا، بصفتنا نواباً، أن نظهر أننا لا نختفي بمجرد وصولنا إلى البوندستاغ Bundestag. أنشأت في كاسل Kassel، لا سيما في حي روثينديتمولد Rothenditmold، مركزاً مجتمعياً مع العديد من الرفاق. بعد انتخابي، تساءل الكثيرون عما إذا كنت قد «انصرفت».
لكن بالنسبة لي، ثمة أمر كان واضحا: يجب ألا يكون العمل في البرلمان والانغراس المحلي متناقضين. لهذا السبب أواصل تقديم المشورة الاجتماعية، ولهذا السبب أدعم حركة المستأجرين – التي أصبحت، في ظل هذه الأزمة، وبشكل غير عشوائي، مجال نشاط مركزيًا للحزب برمته. بذلك نثبت أنه من الممكن العمل داخل البرلمان البرجوازي دون أن ننزلق إلى "البرلمانية".
ثالثاً: يجب أن نستخدم منبر البرلمان بنحو يكون له تاريخ. يتعين علينا، في هذه الأوقات التي تشهد حروباً وكوارث مناخية، إتاحة أكبر بروز للنضال من أجل العدالة المناخية وضد المصالح الإمبريالية. هذه هي المهمة الكبرى التي تقع على عاتقنا، ولكنها يجب ألا تنفصل عن الصراع الطبقي كما هو جارٍ على أرض الواقع. بل على العكس، إنها امتداد لهذه النضالات. سأكون سعيدة إذا شكلت هذه القضايا بالذات – العمل التنظيمي، والانغراس، والنشاط الموجه للطبقة العاملة ومعها – أساس نقاشاتنا الداخلية في الحزب في عامين أو ثلاثة أعوام. وأنا واثقة من قدرتنا على الإسهام في ذلك. لأننا أظهرنا بالفعل أن التوجه الراسخ إلى اليسار وإلى القاعدة الشعبية ليس مجرد صورة كاريكاتورية، بل إنه يتيح لنا حقًا تحقيق مكاسب في فترة التقاطب (2).
1 سبتمبر 2025
إحالات:
- فيوليتا بوك هي مترجمة الكتاب المرجعي "التنظيم التحويلي" للكاتب إريك مان، مدير مركز استراتيجية المجتمع/المختبر في لوس أنجلوس.
- كتبت فيوليتا بوك، بالتعاون مع زميلنا توماس غوز Thomas Goes ، كتاب "Ein unanständiges Angebot ? Mit linkem Populismus gegen Eliten und Rechte" (عرض غير لائق؟ الشعبوية اليسارية ضد النخب واليمين)، 2017. يدعون فيه إلى "اشتراكية الناس البسطاء" و"تنظيم قوة مضادة من أجل خلق مختبرات للأمل وخلفيات للتضامن". كما يصفون فيه ساهرا فاغنكنيشت بأنها "شعبوية فاشلة".