
يوم 11 حزيران/يونيو 2025، في مطار الجزائر. أربع حقائب متراصة على حزام مراقبة الأمتعة. لا أعلام داخلها، ولا لافتات: مجرد ملابس محايدة وبذلات سباحة وبطاريات محمولة. سارة لالو، ياقوتة بن روݣيبي، ضحى أ. وأمل حجاج في تظاهر كونهن سائحات. ما هدفهن الحقيقي؟ الانضمام إلى المسيرة العالمية إلى غزة، وهي تعبئة عالمية لكسر الحصار المفروض على غزة.
كانت مشاركتنا، في الجزائر، حيث تخضع التظاهرات لرقابة مشددة، بمثابة رهان. مع ذلك، تمكنت الحركة النسوية الجزائرية في ظرف 48 ساعة من تنظيم صفوفها ذاتيا لجعل هذه المهمة ممكنة: تأمين التأشيرات وفقاً لخيارات استراتيجية، وحجز التذاكر، والاتصال بالرفيقات في مصر، وبلورة خطة تواصل آمنة.
6 حزيران/يونيو
التحضير للمستحيل: لوجستيات وتضامن نسائي في حركة ذات طابع عاجل
جاء قرار المشاركة باسم الحركة النسوية على عجل، بعد محادثة هاتفية في بداية شهر حزيران/يونيو مع المخرجة والممثلة الجزائرية عديلة بن ديمراد، التي قالت لي: «قد تؤدي قوة الجماهير إلى ممارسة الضغط، ولا يحق لنا الغياب أمام الفظائع التي يعيشها الفلسطينيون/ات».
تساءلتُ: هل هذه مبادرة ذات معنى أم مجرد ضجة؟ ما يمكن أن تقدمه لآلاف الأشخاص الذين يتعرضون للقصف؟ كان من الصعب عليّ اتخاذ قرار. ثم استشرت رفيقاتي النسويات لمعرفة الموافقات على مرافقتي في هذه المسيرة التي ستستغرق ثلاثة أيام في صحراء مصر حتى الوصول إلى رفح.
رحبت لويزا آيت حمو، وسمية صالحي، وفاطمة أوصديق، بحماس بهذه الشكل الجديد من العمل الجماهيري، وبأممية متجددة غير منحصرة في إطار النزعة الغربية. كنّ جميعاً راغبات في المشاركة، لكن تراجعن بسبب الظروف الجسدية، نظراً لكبر سنهن. كثفتُ الاتصالات مع رفيقاتي المنتميات إلى جيلي. كان بعضهن مترددا، وأخريات راغبات لكن ظروفهن - الأمومة والمسؤوليات الآنية المنوطة بهن - حالت دون ذلك.
تبلور قراري بعد الاستماع إلى مداخلة النائبة الأوروبية الفرنسية-الفلسطينية ريما حسن، التي تحدثت من على متن السفينة مادلين التابعة لأسطول الحرية: «نسعى إلى تقديم حد أدنى من المساعدة. لن يكون ذلك كافياً لتلبية حاجات سكان غزة، لكن سيشكل خطوة رمزية ويفتح ثغرة ويضغط على الدول التي لا تتخذ إجراءات ملموسة».
في البداية، انضممت إلى مجموعة الوفد الفني التي شكلتها عديلة بن ديمراد: تبادلُ المعلومات، ونقل رسائل منظمي/ات المسيرة العالمية، ومتابعة وتحليل المسار الذي يسلكه الأسطول وقافلة الصمود. ومن ناحية أخرى، استمرت الرسائل في التداول بين الصديقات النسويات.

9 حزيران/يونيو
بناء فريق عمل
بعد ثلاثة أيام من حجز تذكرة مقعدِي في الطائرة، وفي اليوم الذي قام فيه الكيان الصهيوني باختطاف أسطول الحرية بالمياه الدولية، اتصلتْ بي رفيقتاي النسويتان ياقوتة وسارة لإبلاغي عن جهوزيتهما للمشاركة في المسيرة العالمية. قررت عندئذ، مع عضوات أخريات في الجريدة النسوية الجزائرية، جعل المعلومات ممركَزة، والتوقف عن الاتصالات الهاتفية الثنائية، وتحرير رسالة إلكترونية إلى جميع شركائنا في الحركة النسوية، لتوضيح حاجتنا إلى المساعدة في تنفيذ هذه الخطوة.
لم تتأخر الردود: منذ الدقائق الأولى، أوضحت عديدات أنهن كن يفكرن في ذلك، لكن كن يواجهن صعوبة في الحصول على معلومات مؤكَّدة. لم تكن هناك أي ردود سلبية. حاولت كل واحدة منهن تقديم ما في وسعها: اتصال، تغطية تكاليف تذكرة، بطارية محمولة، رسالة دعم، نصيحة...
كانت لحظةً تُذكرنا بأن هذه الحركة لا تمثل إعادة إنتاج لحركة نسوية بيضاء أو برجوازية: إنها حركة عميقة في معاداتها للاستعمار وفي السعي إلى إزالته. على الرغم من اختلافنا، كنا نتشارك نفس السخط ونفس الطاقة الحيوية، ونشيطات وعلى استعداد لتحمل أي مخاطر من أجل الشعوب الخاضعة للاضطهاد.

10 حزيران/يونيو
في الصباح، أخبرتنا لينا تي بي دي Lyna TBD، الرفيقة النسوية، أن شابة نسوية أخرى، تسمى ضحى، تسعى إلى الذهاب إلى غزة، وترغب في الانضمام إلى هذه الوفد الصغير. تم إبلاغ بقية الرفيقات، وانطلقت جولة جديدة لإدماج الشابة ضحى في المجموعة.
11 حزيران/يونيو مساءً
الإبحار نحو تجسيد فعل تضامني
بينما كنا على استعداد للصعود إلى الطائرة، وردتنا الأخبار التالية: تزايدت عمليات الترحيل والرقابة المتشددة في مصر. كان ذلك بمثابة صاعقة. سادت حالة من الذعر بين الوفدين المسافرين معاً (الفنانات والنسويات). ثم استرددنا رباطة جأشنا.
التعليمات واضحة: عدم التراجع، وتوخي الحذر، والتظاهر بالسفر للسياحة، كما كان مقرراً. بين 12 و15 حزيران/يونيو، كان على المنظِّمين التفاوض للحصول على تصاريح للذهاب إلى رفح. كان علينا أيضاً تغيير أمتعتنا، نظراً إلى عمليات التفتيش المتوقعة في مطار القاهرة: لا أعلام، وضرورة إزالة الخيام وأكياس النوم، وإعداد حقائب سفر بأغراض سياحية.
في ذلك اليوم، أصبح البيان الذي كان من المقرر إصداره عند وصولنا إلى رفح نصاً نهائياً جاهزاً للتوقيع والترجمة.
أدت المعلومات المتعلقة بعمليات المراقبة ومخاطر الترحيل إلى تحفيز زميلاتنا المصريات على اقتراح إيوائنا في منازلهن. اتصلت بي صديقتي المصرية إيمان وأصرت بشدة على ذلك بالرغم من إيضاحي لها مراراً وتكراراً أننا قد نتعرض للاحتجاز لساعات في مطار القاهرة: «عندما تصلن إلى منزلي، سننام جميعًا لاستعادة قوانا».

الوصول إلى القاهرة: المراقبة والتأشيرات والتفتيش
كان التوتر شديداً في مطار القاهرة. استغرق الحصول على التأشيرات وعبور حرس الحدود ساعات طويلة. جرى تشديد إجراءات المراقبة وتفتيش الأمتعة بدقة متناهية: شواحن الهواتف المحمولة والأغراض الشخصية. تم فحص كل شيء ومراقبة كل حركة. بقينا صامدات، نكرر بلا كلل: «نحن هنا للسياحة».
بينما كنا في انتظار دورنا، شاهدنا حادثة مثيرة للإحباط: ترحيل مجموعة من الجزائريين. يرفعون بصوت جهوري شعارات المقاومة في ممر تحرسه عناصر من البوليس مدججين بالسلاح ومجهزين وكأنهم على استعداد لخوض حرب. يذكرنا تواجدهم المهيب وهيئتهم الحربية بعسكرة مراقبة حدود ما يسمى بالدول الاستبدادية، حيث يتم قمع الأصوات المعارضة عبر عنف جسدي ونفسي بشكل منهجي. مع ذلك، ليست هذه العسكرة وهذه المراقبة المشددة حكراً على الأنظمة الاستبدادية وحدها: قد تكون مراقبة الحدود في ما يسمى بالديمقراطيات، أكثر تهذيباً، لكنها تظل عنيفة بنفس القدر، خاصة عبر العمل، في مجال الهجرة، على فرض سياسات عنصرية وتمييزية قائمة على تقييد الحق الأساسي في حرية التنقل.
يعكس هذا المشهد من الطرد بشكل صارخ البعد السياسي لسفرنا. لا يقتصر دور الدولة على مجرد تدبير تدفق الزوار، بل يندرج في إطار منطق أمني يسعى إلى خنق ما قد يهدد وجود النظام الإمبريالي والاستعماري من أشكال الاحتجاج أو التضامن الأممي.
12 حزيران/يونيو
في ضيافة إيمان: ملاذ أخوي
لم نخرج أخيراً من المطار إلا على الساعة السادسة صباحاً، منهكات لكن مرتاحات.
في الخارج، تنتظرنا سيارة أجرة لتقلنا إلى منزل إيمان. أصرت قائلة: «يجب ألا نذهب إلى الفندق، فهذا خطير للغاية بسبب عمليات التفتيش والمراقبة». أصبح منزلها ملاذنا الأول. نمنا بضع ساعات لاستعادة قوانا.
تنظيم صفوفنا، والتصريح عن هوياتنا، والحرص على توخي الحذر
كان اليوم الأول مخصصاً للراحة وقضاء الإجراءات اللازمة.
تستلزم منا المسيرة العالمية إلى غزة التصريح بأسمائنا، وهذا ما نقوم به. كما اتصلنا بالسفارة الجزائرية في مصر، واستمعت إلينا ووعدت بمتابعة المسألة بحذر، دون التعهد بتأمين حماية مباشرة في حالة الاعتقال.
الاعتصام في نقابة الصحفيين: أول عمل جماعي
في نهاية فترة ما بعد الزوال، حوالي الساعة السابعة مساءً، انضممنا بحذر إلى الاعتصام أمام نقابة الصحفيين المصريين، تحت إشراف رفيقاتنا المصريات.
من حولنا: مناضلات ومناضلون من اليسار المصري، وصحفيون، ومعتقلو رأي سابقون. تنادي الشعارات بمنح ترخيص للمسيرة العالمية، ورفع الحصار، وإنهاء تواطؤ الدول.
نسعى إلى الاندماج في الحشد، والتظاهر بأننا مصريات، لكن الحذر مطلوب، والتوتر مستمر.
التعليمات الصادرة عن المنظمين: انتظار موعد الانطلاق
في وقت متأخر من المساء، أخبرنا المنظِّمون: سيجري الإعلان عن مكان الانطلاق في الساعة العاشرة والنصف من صباح اليوم التالي. بقينا في حالة تأهب، مستعدات للتحرك، واعيات بالمخاطر المحدقة.
13 حزيران/يونيو - اليوم الذي ترجح فيه كل شيء
إفطار حافل بالمشاعر
قبل تلقي تعليمات للانطلاق، قضينا لحظات توقف مؤقتاً: فطور فلسطيني مع والدة بيسان عودة، الحكواتية وصانعة المحتوى والصحفية الغزاوية، المعروفة بعبارتها التي انتشرت عبر الشاشات وعبرت الحدود: «أنا بيسان من غزة، وما زلت على قيد الحياة».
والدة بيسان، لاجئة إلى القاهرة منذ بضعة أشهر، قائمة هناك مع شقيقاتها الأربع وشقيقيها، أدى عنف الحرب إلى اقتلاعهم من جذورهم. يحاولون معاً إعادة بناء مظهر من مظاهر الحياة اليومية، بعيداً عن غزة، لكن بقلوب متجهة دوماً نحو وطنهم.
حول هذه الوجبة البسيطة والغنية - خبز طازج، وزيت زيتون، وزعتر، وزيتون، ولبنة - تدور أحاديث مكثفة. تخبرنا والدة بيسان عن ظروف حياة اللاجئين/ات الفلسطينيين/ات في القاهرة، وما يوجهون/هن من مصاعب يومياً، والمنفى المستمر دون حل.
ينتقل النقاش إلى تصور النساء الفلسطينيات السياسي، وألم الخسائر الأخيرة، لكن أيضا إلى ما تبذله النساء من قوة مذهلة في مواصلة النضال. وتشير إلى معنى المقاومة اليوم: «نحن نقاوم عبر البقاء على قيد الحياة، وبالإنجاب، وبرفض الإبادة. يمثل كل طفل يولد رفضاً للمحو من الوجود».
هزتنا هذه اللحظة. إذ تذكرنا بأن مسيرتنا وتصرفاتنا وشعاراتنا مجرد خيط من خيوط أخرى في هذا النسيج الهائل من النضالات التي تخوضها هؤلاء النساء يومياً.

الساعة العاشرة والنصف صباحاً: تعليمات للانطلاق نحو مدينة الإسماعيلية
صدرت التعليمات: لا يمكن الذهاب إلى العريش انطلاقاً من القاهرة، يجب الاقتراب إلى أقصى حد ممكن، وأصبحت مدينة الإسماعيلية وجهتنا التالية. تلزم المغادرة بمجموعات صغيرة، في سيارات أجرة، تحت ستار القيام برحلة سياحية.
تعيد ياقوتة بن روݣيبي، المحامية والمناضلة النسوية، قراءة قوانين مصر وتذكر بجسامة المخاطر في حالة الاعتقال: قد تؤدي «محاولة اختراق منطقة عسكرية، والمساس بأمن الدولة» إلى السجن لمدة عقود.
قررنا الذهاب إلى هناك على الرغم من كل شيء.
الساعة الواحدة والنصف بعد الزوال: مسار مشحون بالتوتر
يوافق سائق سيارة أجرة خاصة على نقلنا، ويحاول قطع طريق عبر بورسعيد، وهو مسار أطول لكن قد يبعدنا عن الشبهات في حالة التعرض للتوقيف والتفتيش من قبل عناصر البوليس.
كان كل حاجز تفتيش بمثابة قرحة في المعدة، مع رسائل تحذيرية بشأن عمليات اعتقال ومصادرة جوازات سفر.
يسود صمت مطْبق في السيارة، ويجري تشغيل الراديو إلى أقصى صوت ممكن عند كل حاجز تفتيش لإقناعهم أننا سائحات مستمتعات بإيقاعات الموسيقى.

الحصار في مدينة الإسماعيلية
توقف كل شيء بمجرد وصولنا إلى ضواحي مدينة الإسماعيلية. قامت قوات الأمن بإغلاق المدخل. صادروا جوازات سفرنا. وأمرونا بالعودة أدراجنا، واقتادونا خارج المدينة. عند أول حاجز تفتيش، أُجبرونا على النزول من السيارة. لم يستطع السائق الانتظار.
كان تسليم جوازات سفرنا يحدث حسب الجنسية. كان الانتظار بالنسبة للجزائريين/ات أطول، وحالة الارتياب أشد من غيرهم/هن.
وفي آخر المطاف، وصلنا إلى مشارف مدينة الإسماعيلية. لكن هناك، توقف كل شيء. أغلقت قوى الأمن المدخل: لم يعد بإمكان أحد المرور. صادروا جوازات سفرنا دون أي تفسير. «شعرنا بتشديد الخناق علينا، وتلاشي هامش المناورة»، كما تقول إحدى المشاركات.
أمرونا بالعودة، واقتادونا خارج المدينة. عند الخروج من هذه الأخيرة، عند أقرب حاجز تفتيش، أرغمونا على النزول. كان السائق قلقاً وغير قادر على الانتظار. استعدنا أغراضنا، منهكين لكن حازمين.
يجري تسليم جوازات السفر حسب الجنسية. كان الانتظار أطول بالنسبة للجزائريين/ات، والشكوك أكثر وطأة. نرى الأعلام والوجوه ونظرات من لم يستسلموا/ن مثلنا.
تنظيم اعتصام عالمي
هناك، عند حاجز التفتيش، تجسد التضامن. تُرفع راية فلسطينية. ثم أخرى. ثم راية جزائرية وسويسرية ومغربية وتونسية. وترتفع الشعارات: «فلسطين حرة!»، «أوقفوا الحصار!»، «أوقفوا قصف غزة!»
كنا عشرات، ثم مئات، جالسين على الأسفلت الحارق. لحظة انتفاضة مشتركة، انبثقت صرخة جماعية من الاحباط والكرامة. تولت صديقات في الجزائر الاتصال. انتشر البيان عابراً الحدود.
كان هذا البيان في صميم التزامنا. وكان ثمرة كتابة جماعية وأفكار وتمحيص ومشاعر مشتركة واقتناعات راسخة. تحت عنوان «نحن، الناشطات والمنظمات النسوية الجزائرية، نسير نحو غزة»، كان هذا النص تعبيراً عن حركة نسوية جزائرية عميقة مناهضة للإمبريالية وساعية إلى إزالة الاستعمار، وفاء لتراث نضالات شعبنا ضد الاستعمار. وأكدنا فيه أن نضالنا من أجل حقوق النساء لا ينفصل عن النضال ضد اضطهاد الشعوب، وضد الاستعمار والإمبريالية اللذين يسحقان حياة الناس في فلسطين كما في أي مكان آخر.
لم يكن هذا البيان مجرد نص اعلان نوايا: بل كان عملاً سياسياً بحد ذاته، وصرخة مشتركة مع ما يفوق 3000 مشارك/ة من 80 بلداً انضموا/ن إلى المسيرة العالمية إلى غزة - وقافلة الصمود البرية. كان يشير إلى أن المسيرة ليست حلاً سحرياً، بل رفضاً للجمود، وطريقة لكسر الصمت المتواطئ إزاء الإبادة الجماعية الجارية في غزة على يد الاحتلال الصهيوني وحلفائه. كانت كل كلمة فيه تحمل ألم آلاف القتلى والأطفال المتضورين جوهاً والنساء اللواتي قُتلن في القصف بالقنابل، لكنها أيضا كانت تحمل كرامة شعب صامد ومسؤولية الدول والشعوب في الوقوف إلى جانبه.
كنا ندين فيه بوضوح تواطؤ القوى التي تسلح من يمارس الاضطهاد، وندعو الدول إلى كسر صمتها والعمل من أجل وقف فوري لإطلاق النار ورفع الحصار وإنهاء الاحتلال. كنا ندعو الشعوب إلى النزول إلى الشوارع في كل مكان، لأن البقاء بلا حراك خيانة. وكنا نؤكد: «نحن لن نخون».
كان هذا النص، الحامل توقيع منظماتنا وأسمائنا، بمثابة درع أخلاقي بوجه الاتهامات الممكنة، وطريقة لشرح خياراتنا وتحمل مسؤوليتها، مع التذكير بأن عملنا يظل سلمياً ومحترماً للقوانين المحلية، لكنه حازم في مطالبه. كان هذا النص تعبيراً عن جوهر حتى وجودنا: القول بأن فلسطين ستكون حرة، وأننا سنواصل السير ما دام الظلم سائداً.

المساء
تضييق الخناق: قمع عنيف
يقترب اليوم من نهايته، والمفاوضات في طريق مسدود، وتصل قوات الأمن بأعداد كبيرة: حافلات وشاحنات وعربات مدرعة. وتأتي الرسالة: «أوصلتم رسالتكم. والآن، انصرفوا».
نحن نرفض: كيف نغادر في حين لم يتمكن رفاقنا/تنا من استعادة جوازات سفرهم/هن؟ هل ندع غزة تنزف؟ تتصاعد التهديدات: «إما أن تغادروا أو يكون مصيركم الطرد فوراً».
حل الظلام. ظهر رجال بلباس مدني، ووجوه مقنعة. يضربون، وينتزعون، ويلقون إهانات. «كان عنفاً بارداً، ومنهجياً. لم يكن فيه أي شيء وحشي، لكنه كان فعالا تماماً». اقتيد المتظاهرون/ات جرّاً إلى حافلات متجهة إلى وجهات مجهولة: المطار، ومراكز البوليس، والطرق السريعة المهجورة.
نحن، لحسن الحظ أو لسوئه، في الحافلة التي لن تشملها عمليات الطرد فوراً.
في الحافلة: الغموض، والأخبار المتناقلة بيننا
صعدنا إلى الحافلة بالقوة والعنف، بأجسادنا المتألمة وأعصابنا المتوترة. داخل الحافلة، ساد صمت رهيب، تخللته تنهدات ودموع مكتومة ونظرات متبادلة في محاولة للاطمئنان. كان الجميع نساء ورجالا يحاولون/ن فهم ما يجري: إلى أين نحن ذاهبون/ات؟ ما الإهانة التالية التي سنواجهها؟
في هذه الأجواء الخانقة، وردت أنباء على فيسبوك: ردت إيران على هجوم إسرائيل. قال أحد المتظاهرين، ماسكا هاتفه بيده المرتجفة: «إيران... قصفت إيران تل أبيب للتو». اجتاحت موجةُ رعشة الحافلة. ننظر إلى بعضنا البعض، بذهول. ليس هذا خوفاً، ولا فرحاً بسيطاً: بل إدراك حدوث ترجح غير متوقع.
قال متظاهر بجانبي بصوت خافت خائفاً: «لا بد أن هذا هو الجانب الإيجابي الوحيد في تاريخ نظام الملالي». وسرعان ما أضافت متظاهرة أخرى أصغر سناً: »يلزم التحلي بالهدوء... سواء إيران أم لا، تظل هذه أراضي فلسطينية».
تتطاير الكلمات، عالقة، في حين تهتز الحافلة ليلاً. يفكر كل واحد وكل واحدة مليا في معنى ما حدث: ردٌّ مشروع، أجل، لكنها حرب آخذة في الاتساع، ومخاطر جسيمة، وشعوب عالقة في مأزق.
تعمل هذه اللحظة، في هذه الحافلة الضيقة، والرعب مخيم على مشاعرنا والأصوات خافتة تُحلل الوضع، على إبراز روح المسيرة العالمية: راديكاليتها. راديكالية واعية ونقدية وجماعية.
عندما ننظر حولنا، نرى ذلك بجلاء: المجموعات السائدة في هذه المسيرة، تلك التي بقيت حتى النهاية، مكونة من لاسلطويين/ات ومناضلي/ات أقصى اليسار ونسويات مناهضات للاستعمار. بلا أعلام دول، بل أعلام شعوب وحسب.
وفي آخر المطاف، جرى إنزالنا على بعد 20 دقيقة من قلب القاهرة، بفضل صدفة عجيبة. عشنا لحظات من الخوف والسخط، لكن أيضا لحظات من روعة تضامن بلا حدود. ماذا استخلصتُ من هذه التجربة؟ الشجاعة المذهلة لمن ساعدونا: الشعب المصري، والرفاق/ات المجهولين/ات، ومن خاطروا/ن بحياتهم/هن لإيوائنا وحمايتنا وإطعامنا.
رأينا حدود الدبلوماسية، ووحشية الدول، لكن أيضًا قوة الشعوب. لا يصبح أي نضال نسوي كاملًا إذا قام بتجاهل النظام الاستعماري الشامل. في ذلك اليوم، رأينا ما يعنيه ذلك: المقاومة، معًا، بدون أعلام دول، بل بأعلام الشعوب.
كإجراء احترازي، قررنا عدم العودة فوراً إلى منزل إيمان، خوفاً من تعريضها للخطر إذا كنا تحت المراقبة.
بعد ما يناهز ثلاث ساعات، على الطريق إلى منزل مضيفتنا، جرى إيقاف سيارة الأجرة الخاصة بنا ومصادرة جوازات سفرنا مرة أخرى. تضامن السائق معنا واختلق قصة: نحن زبوناته، وسائحات. تفاوض معهم واستعدنا جوازات سفرنا.
كان الاستقبال في منزل إيمان حارًا ومريحًا، وامتدادا للتضامن الأممي.

14 حزيران/يونيو
حصيلة وحذر
اتصلت بنا سفارة الجزائر في القاهرة بشكل غير متوقع. أشاد المتحدث بالتزامنا ووصفنا بـ«وريثات المجاهدات»، لكنه ذكّرنا بحدود العمل الدبلوماسي: في حالة الاعتقال، ما يمكن فعله محدود بشكل كبير. عرض علينا مساعدة مادية، لكن رفضناها، لأننا لا نريد تعريض إيمان للخطر.
بقي عملنا محصورا، كإجراء احترازي، في إطار التواصل مع رفاقنا ومنظمينا. لا داعي للمخاطرة بالتعرض للاعتقال في ظل سياق رفض قاطع من قبل سلطات مصر.
16 حزيران/يونيو
الساعات الأخيرة في القاهرة
بعد يوم هادئ، نقوم بتحضير أمتعتنا. في فترة ما بعد الزوال، نشارك في اجتماع بمقر حزب الكرامة مع أحزاب يسارية لمناقشة المسيرة وقافلة الصمود والوضع الإقليمي ورد إيران.
في وقت متأخر من الليل، نتوجه إلى المطار. يمر ما نخضع له من عمليات مراقبة على ما يرام، بينما يتعرض آخرون للتفتيش والاعتقال. في الطائرة، تعلو الشعارات، في صرخة جماعية أخيرة.
ثم نشهد عملاً تضامنياً غير متوقع: يرفض الطيار الإقلاع حتى يتم الإفراج عن الجزائريين الـ 15 المعتقلين. بعد ساعتين، تقلع الطائرة أخيراً.
كان ذلك مجرد لفتة رمزية: لكنها كانت مهمة
تشكل هذه التجربة نموذجاً ملموساً لما تتميز به الحركة النسوية الجزائرية المعاصرة من نسوية قائمة على التقاطعية ومنادية بإزالة الاستعمار. نحن لسنا مجرد نساء مشاركات في المسيرة إلى غزة؛ حن ننتقد النظام العالمي القمعي بشكل عام، وهذا إرث كسبناه من النضالات المناهضة للاستعمار في الجزائر، والذي يتجسد اليوم عبر انخراط في حركة تضامنية أممية.
يُظهر القمع الذي تعاني منه النساء كيف أن النظام العالمي الرأسمالي والإمبريالي، المدعوم من قبل الدول المتواطئة، يُستخدم لإسكات كل الأصوات المعارضة، وخاصة المدافعات عن الضحايا/ت والشعوب الخاضعة للاستعمار. يرفض توجهنا النسوي تجزئة النضالات: فحقوق النساء مترابطة بشكل جوهري مع النضال ضد العنصرية والاستعمار والرأسمالية والنزعة العسكرية.
بانضمامنا إلى المسيرة العالمية إلى غزة، أردنا تجسيد هذا الفكر النسوي السياسي الذي يأخذ في الاعتبار الترابط بين أشكال الهيمنة. يشكل هذا العمل الجماعي، على الرغم من محدوديته بسبب القمع، عملية مقاومة سياسية نسوية ترفض ترك النساء والأطفال والرجال الفلسطينيين/ات معزولين/ات أو غير مرئيين/ات أو مجرد ضحايا/ات سلبيين/ات. إنهم/هن طرف فاعل في نضالهم/هن، وتضامننا دعم لحقهم/هن في الحياة والمقاومة والتغيير الاجتماعي.
كما قامت تجربة السفر والتوترات وحالات رفض الدخول والوحشية التي مارستها عناصر البوليس، بتسليط الضوء على هشاشة الوضع السياسي للحركة النضالية الأممية، المرهونة بمنطق الأمن الذي تعتمده الدول، لكنها أبرزت أيضا قوة العمل الجماعي والتضامن النسائي العابر للحدود.
يُظهر هذا المسار أيضًا أن العمل النسوي السياسي غير مقتصر على فضاء رمزي: إذ ينطوي على مشاركة ميدانية للأشخاص ومخاطر واستراتيجيات، ويتطلب شبكات دعم متينة وفعالة.
تشكل هذه الرحلة، المتسمة بالتضامن وعنف الدولة والإصرار، دليلاً واضحاً على ضرورة وجود حركة نسوية منادية بإزالة الاستعمار ومناهضة للعنصرية وأممية. قمنا، نحن المناضلات النسويات الجزائريات، بتجسيد مواصلة كفاح تاريخي ضد جميع أشكال الاضطهاد، انطلاقاً من النساء الجزائريات المجاهدات إلى النساء الفلسطينيات الخاضعات للحصار.
لم تكن مسيرتنا مجرد نزهة، بل كانت فعلاً سياسياً جذرياً ورفضاً قاطعاً للظلم وتواطؤ الدول الصامت. أدى عملنا النضالي، في عالم تفرض فيه اجراءات مشددة على عملية عبور الحدود وغالباً ما تُمنع فيه أشكال التضامن، إلى رسم معالم فضاء مقاوَمة عابرة للحدود الوطنية، بفضل القوة الجماعية للنساء والشعوب المناضلة.
في ذلك اليوم، وفي خضم القمع، أدركنا أن التضامن النسوي العالمي حصن بوجه الوحشية، ومنبع أمل وسلاح ضد الاضطهاد.
مادامت غزة تنزف دماً، وفلسطين تحت الاحتلال، والنساء والأقليات السياسية وجميع ضحايا/ات الاضطهاد محرومين/ات من حقوقهم/هن، والإمبريالية والرأسمالية تعطيان الأولوية للعسكرة والتسلح والحرب: فإن نضالنا النسوي والمدافع عن إزالة الاستعمار لن يتوقف.
28 حزيران/يونيو 2025