مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

النضال لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة في منطقة القوقاز

مظاهرة ضد قانون التأثير الأجنبي. تبليسي، 21 أبريل 2024، تصوير Jelger Groeneveld // CC BY 2.0

جورجيا أمة صغير. يبلغ عدد سكانها 3.8 مليون نسمة، وتقع في منطقة القوقاز، وتعاني من أزمة عميقة. انتفض سكانها ضد الحزب الحاكم، حزب الحلم الجورجي، رداً على اعتماد قانون التأثير الأجنبي - المستوحى من قانون روسيا - وقانون معاد لمجتمع الميم -عين، وضد تزوير الانتخابات الأخيرة وتعليق مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

يتحكم الملياردير بيدزينا إيفانيشفيلي Bidzina Ivanishvili بشؤون حزب الحلم الجورجي. يمثل أغنى أوليغارشي في البلد، بثروة تبلغ 6.4 مليار دولار، أي ما يفوق نصف ميزانية الدولة وخُمس الناتج المحلي الإجمالي للبلد. يعمل هو وحزبه، على الرغم من نزاعاتهما مع الغرب وعلاقاتها المميزة مع روسيا، على التعاون مع جميع القوى الإمبريالية والشركات متعددة الجنسية لنهب واستغلال سكان البلد وثرواته وموارده.

قام شعب جورجيا، ساخطا ضد هذا الاستبداد والاستغلال، بتنظيم إحدى أهم التعبئات الجماهيرية وأهمها في تاريخ بلده. إنه يناضل لإرساء الديمقراطية والمساواة. رد حزب الحلم الجورجي بأقصى درجات الوحشية، بقمع المتظاهرين/ات واعتقالهم/ن. لكن الحركة لا تبدي أي أمارات تراجع. يظل البلد في حالة من التوتر الشديد.

تجمع مناضلون/ات يساريون/ات، في خضم هذا النضال غير المسبوق، لتشكيل الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية لسد ما خلفه اليسار من فراغ. قام أشلي سميث Ashley Smith، من موقع Tempest، بإجراء حوار مع فانو أبراماشفيلي Vano Abramashvili، ومايا باركيا Maia Barkaia، وإيا إرادزي Ia Eradze، وسوفو فيردزويلي Sopho Verdzueli، من مناضلي/ات هذه الحركة النضالية وقادة/ات المنظمة الجديدة.

 

يخوض شعب جورجيا منذ أشهر نضالاً شرساً ضد حكومة حزب الحلم الجورجي. ما الذي أدى إلى اندلاع هذه التظاهرات؟ وما مطالبها الرئيسية؟

سوفو فيردزويلي: تكمن الأسباب العميقة للتظاهرات الجماهيرية العارمة والمستمرة في انتخابات يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر وما أعقبها من أحداث، خاصة قرار حزب الحلم الجورجي (RG) بتعليق سيرورة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. تلاعب حزب الحلم الجورجي بالانتخابات لتأمين تحكمه الكامل بالحكومة. أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة التي يعاني منها نظامنا السياسي منذ فترة طويلة.

يعاني البلد من مشكلات خطيرة، خاصةً نظام انتخابي غير عادل يكفل تركيز سلطة الحكم. يفتقر البلد إلى مؤسسات مستقلة تحول دون تزوير النتائج أو غير ذلك من أشكال الشطط في استعمال السلطة. يمثل هذا النظام الفاسد نتاج جميع مشكلتنا السياسية والاقتصادية الأخرى: الفقر وأوجه انعدام المساواة، وغياب الرقابة الديمقراطية على السلطة، والهجرة إلى خارج البلد، وتحكم النخب بوسائل الإعلام التي لا تقوم سوى بنشر الدعاية.

يخضع حزب الحلم الجورجي لتحكم الأوليغارشي بيدزينا إيفانيشفيلي، أحد أغنى أثرياء العالم. لجأ حزب الحلم الجورجي إلى مختلف أشكال التلاعب لتأمين إعادة انتخابه، خاصة عبر شن حملة دعائية مكثفة، وقمع المعارضة، وشراء أصوات الناخبين، وترهيب المستخدمين/ات.

كان السكان على أمل أن تؤدي الانتخابات البرلمانية إلى حل الأزمة السياسية التي أثارها قانون العملاء الأجانب وغيره من القوانين المعادية للديمقراطية التي سنتها حكومة جورجيا قبل إجراء الانتخابات. لكن على عكس من ذلك، أفضت إلى تفاقم الأزمة السياسية. وعلى الرغم من مصادقة اللجنة الانتخابية رسمياً على النتائج، تحوم شكوك مشروعة حول مدى تعبير هذه النتائج عن إرادة شعب جورجيا. قاطعت أحزاب المعارضة البرلمان، الذي يعتبره الشعب مؤسسة غير شرعية. ولم يؤد انتخاب البرلمان لرئيس جديد إلا إلى تفاقم أزمة شرعية حكومة جورجيا.

ثم أثار قرار حكومة جورجيا بتأجيل قرار مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، المنصوص عليه في دستورنا، معارضة جماهيرية. ومنذ ذلك الحين، نظم الشعب تعبئات حاشدة. لم تقتصر التظاهرات على العاصمة تبليسي Tbilissi، بل امتدت إلى جميع أنحاء البلد، في المدن والقرى الصغيرة. وهذا حدث غير مسبوق.

كان رد حكومة جورجيا على التظاهرات الجماهيرية المتواصلة قمعاً وحشيا على نحو مطرد. قامت بنشر عناصر البوليس لمهاجمة تظاهرات سلمية، واعتقال عدد لا يحصى من المناضلين/ات وتعريضهم/ن للتعذيب والمعاملات اللاإنسانية. أصبحت أعمال العنف الفظة التي تمارسها عناصر البوليس اليوم مسألة عادية.

وكما كان متوقعاً، لم تقم الحكومة بأي تحقيق أو توجيه اتهامات ضد عناصر البوليس، بل رفعت دعوى قضائية ضد المتظاهرين/ات. وكانت النتيجة: اعتقال ما يفوق 50 مناضلا/ة كسجناء/ات سياسيين/ات. وهذا أمر لم يسبق له مثيل.

أدى هذا الوضع إلى صياغة المطالب السياسية للحركة. لا نطالب وحسب بإجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة، بل أيضا بالإفراج عن المعتقلين/ات السياسيين/ات. لكن حزب الحلم الجورجي تجاهل هذه المطالب تمامًا. إذ يتمثل هدفه في توطيد سلطته عبر فرض مزيد من القوانين القمعية والاستبدادية ضد التظاهرات السلمية ووسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني. وهكذا، أصبح حزب الحلم الجورجي، منذ تشرين الأول/أكتوبر، نظامًا استبداديًا يحكم بالقوة وليس بموافقة الشعب.

مايا باركيا: أود التأكيد على أننا لا نعتبر الأزمة السياسية الحالية ظاهرة معزولة، بل جزءًا لا يتجزأ من أزمة ديمقراطية مستمرة، تميز ليس وحسب نظام حزب الحلم الجورجي، بل أيضًا الحكومات السابقة، بما في ذلك حزب الحركة الوطنية المتحدة1. تتحمل الأحزاب السياسية القائمة، وما تدير من نظام مزور، وتكرس من تفاوتات طبقية، المسؤولية الكاملة عن وضعنا الراهن.

كانت جورجيا مسرحاً لتجارب نيوليبرالية، خاصة منذ بداية العقد الأول من سنوات 2000. تمثل الأزمة الراهنة والحالة هذه نتاج ثلاثين عامًا. لكنها مختلفة تمامًا. تهاجم جورجيا ما يشكل أسس الديمقراطية في بلدنا. أصبحت حقوقنا الأساسية مهددة. مما يضفي على الوضع الحالي بعدًا وجوديًا.

بالإضافة إلى المطالب الفورية بإطلاق سراح المعتقلين/ات وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، تطرح الحركة الجورجية من أجل الديمقراطية الاجتماعية مطالب طويلة الأمد. نطمح إلى إلغاء جميع القوانين الرجعية التي فرضها النظام وإلى النضال ضد التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية العميقة في جورجيا.

 

ما التوجهات السياسية للحركة؟ ما هي النقاشات الدائرة؟ هل تشكلت تيارات سياسية متماسكة ذات برامج؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي؟

سوفو فيردزويلي: تختلف الحركة الحالية تمامًا عن الحركات السابقة. بداية، من حيث حجمها وطول أمدها. إنها حركة جماهيرية. وتشمل معظم مدن البلد. ننظم أشكالا احتجاجية جماهيرية يوميا منذ ما يفوق ثلاثة أشهر.

تتسم الحركة بتنوعها السياسي، كما يمكن التوقع عندما ينخرط هذا العدد الكبير من المتظاهرين/ات في التعبئات. يمثل هؤلاء تعبيرا عن مجموعة واسعة من الاحتجاجات التي لا تقتصر على الجغرافيا السياسية والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والتهديد الروسي.

بالطبع، تُطرح هذه الرهانات على نطاق واسع، لكن دوافع الحركة أعمق بكثير وتشمل اهتمامات سياسية واجتماعية واقتصادية عديدة. ومع ذلك، لم يتم التعبير عن هذه الانشغالات في إطار مطالب الحركة. لكنها تظهر أحيانًا. على هذا النحو، نسمع هنا وهناك شعارات يسارية إلى حد ما، خاصة أثناء المسيرات الليلية.

على عكس ما كان عليه الحال في الماضي، فإن هذه الحركة حركة شعبية. كان السياسيون/ات والأحزاب الانتهازية في السابق يقفون في الصفوف الأمامية للنضال. لكن الحال لم يعد كذلك اليوم.  لم يعودوا/ن في طليعة الحركة لأن الشعب قد يعارض ذلك. سئم الناس من السياسيين/ات بشكل عام.

في غياب هؤلاء الأخيرين/ات اكتشف المواطنين/ات قدرتهم/ن على بناء أسس النضال وخوضه بأنفسهم/ن. تسعى المعارضة السياسية إلى فرض نفسها عبر الجبهة المشتركة للتنسيق بقيادة الرئيسة سالومي زورابيشفيلي Salomé Zourabichvili، التي تحظى بحضور في وسائل الإعلام والجهات الفاعلة الدولية. لكنها لا تقود الحركة الاحتجاجية في الشارع.

بالطبع، هذا لا يعني أن الحركة قادرة على الاستمرار دون وجود استراتيجية وتنظيم سياسيين واضحين. لكن هذه الاستراتيجية يجب أن تنبثق من الحركة وأن تكون قائمة من أجل الحركة. بينما كان كُثر يخشون تلاشي زخم الحركة، فإننا نشهد صمود السكان، فضلاً عن انحرافات حزب الحلم الجورجي التي تستمر في إثارة النضال.

مع ذلك، فإننا نمر بلحظة حاسمة، لأننا نواجه مصيرنا بمفردنا. قامت بريطانيا مؤخراً بفرض عقوبات، لكن من الضروري وجود رد عالمي أكثر تماسكاً وتنسيقاً بوجه التدابير الاستبدادية التي ينتهجها حزب الحلم الجورجي.

مايا باركيا: بالضبط. إن التعبئة الحالية فريدة من نوعها في تاريخنا. إنها جماهيرية، مستقلة، أكثر أفقية وذاتية التنظيم. بدأت تتجاوز مجرد الدعوات إلى الديمقراطية لتشمل مطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

شهدت حركة الاحتجاج، منذ صدور أول قانون بشأن العملاء الأجانب في عام 2023، موجات متتالية تخللتها فترات تقدم وتراجع. لكن منذ 28 تشرين الثاني/نوفمبر، لم تشهد هذه الحركة أي تراجع. إذ ينزل الناس إلى الشوارع ليل نهار.

يوجد تطور آخر كبير على اليسار. كنا سابقاً دوماً مترددين في الانضمام إلى التيارات السائدة، لعدم اتفاقنا معها على الصعيد الأيديولوجي. لكن ارتباطنا بها يعود إلى أننا نشاطرها المطلب الأساسي المتمثل في الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، لم نتنازل عن قيمنا ومبادئنا.

كنا في الماضي نخشى من سيطرة قوى أكبر حجم والأحزاب التقليدية. لكن هذه المرة، انضمت مجموعتنا الجديدة، الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية، إلى حركة الاحتجاج، ووجدت وسيلة للتعبير عن مطالبنا لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية إلى جانب الدعوة العامة للديمقراطية، وحرصت على أن يظل صوتنا قوياً وسائداً في خضم النضال.

 

كيف كان تدخلكم في النضال؟ ما أنواع الأشخاص المنضمين إلى حركة الاحتجاج؟ هل انخرط العمال/ات فيها؟

مايا باركيا: تتسم حركة الاحتجاج الوطنية وأيديولوجيتها بتنوع بالغ. تواجهت القوى المنظمة على الصعيد السياسي، لكنها باتت متحدة في إطار هذه الحركة الجديدة. تشارك الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية في النضال وتعمل على بناء أسسه بكل الوسائل الممكنة. لكننا نقترح بديلاً من داخلها. نحن منظمة منغرسة بعمق من الناحية الأيديولوجية. على الرغم من تنوع أصولنا السياسية، فإننا نتقاسم التزامًا مشتركًا بالعمل لتحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة الاقتصادية.

تكتسي مسألة الديمقراطية أهمية أساسية بالنسبة لنا، لأننا شهدنا في جورجيا سابقاً اشتراكية بدون ديمقراطية، وفي هذه العقود الأخيرة ديمقراطية بدون عدالة اجتماعية واقتصادية. وبالتالي، من الضروري تأكيد أن العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية والديمقراطية أمور غير قابلة للفصل.

تعمل النقابة الجورجية الرئيسية بوجه خاص لصالح الحكومة وأرباب العمل. وبالتالي، فهي لا تمثل مصالح العمال/ت ومطالبهم/ن. مع ذلك، تتشكل نقابات مستقلة جديدة. وجميعها ضرورية لبناء تنظيم فعلي للطبقة العاملة في أماكن العمل وحركة الاحتجاج. ينتمي أعضاء كُثر في الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية إلى هذه النقابات، ويشغل بعضهم/ن مناصب قيادية فيها.

يكمن أحد أهدافنا في نسج علاقات متينة بين مجموعتنا والنقابات ومختلف المنظمات المحلية. سعينا بوجه خاص إلى توطيد علاقات مع الحركة الطلابية في مختلف الجامعات.

يدور أحد أهم النضالات في مدينة شياتورا Chiatura. تمتلك المدينة اقتصاداً أحادي الصناعة مبني حول شركة تعدين. بعد خصخصتها في عام 2006، أفلست الشركة مؤخراً وقامت بتسريح 3500 عامل/ة. أطلق عمال المناجم حملة مستمرة منذ أشهر. تم مؤخراً، اعتقال أربعة عمال مناجم مضربين عن الطعام في الساعة الثالثة صباحاً.

نشهد أزمة ديمقراطية تخنق الأصوات المعارضة وتجعل العمال/ات عاجزين/ات أمام النخب السياسية والاقتصادية. تسعى حركتنا جاهدة لدعم نضالهم/ن والتعبير عن تضامنها معهم/ن. نحن مقتنعون بأن النضال لتحقيق هدف جماعي يتطلب عملاً جماعياً والتزاماً من قبل المجموعات المنظمة.

فانو أبراشفيلي Vano Abraashvili: يكمن هدفنا في ربط نضال عمال المناجم، وغيره من النضالات الاجتماعية والنقابية، بالتظاهرات الحاشدة. نسعى إلى تجاوز الانقسامات بين مختلف فئات المجتمع والفصل بين المطالب الديمقراطية والاقتصادية.

لا يمكن فصل هذه الروابط، خاصة في شياتورا، حيث تعاونت الحكومة والشركة لاستغلال العمال وتسريحهم. وهم الآن يواجهون أزمة إنسانية. ويطالبون الحكومة بالاستجابة لمطالبهم بالحصول على تعويضات ورعايات طبية وحتى طعام وإعادة تشغيل.

وعلى هذا النحو، لا يقتصر نضال عمال المناجم على شركاتهم، بل يمتد ليشمل أيضاً الحكومة. ترفض حكومة حزب الحلم الجورجي التنازل عن أي شيء لعمال المناجم، لأنها تدرك أن أي تنازل سيفتتح الباب أمام مجموعات أخرى من العمال الذين قد يفرضون عليها مطالب اقتصادية واجتماعية وديمقراطية أكثر أهمية. لم يقدم حزب الحلم الجورجي والحالة هذه أي تنازل لعمال المناجم أو لحركة الاحتجاج ككل.

إن رد الحكومة العدائي على جميع المطالب يمهد الطريق لتجاوز عزلة مختلف النضالات.  ويتيح لنا بناء جسور التضامن بين نضال عمال المناجم والحركة الديمقراطية. مما سيساعدنا على تشكيل حركة حقيقية لعمال/ات جورجيا.

 

يكمن أحد التحديات التي يواجهها النضال بجورجيا في نموذج التنمية النيوليبرالية – رأسمالية استخراجية وعابرة – الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي على البلد. ما هذا النموذج بالضبط؟ ما مشكلاته؟ هل يمثل موضع طعن في النضال؟

إيا إيرادزي: كانت جميع الحكومات التي تولت الحكم في العقود الأخيرة ملتزمة بنهج نموذج التنمية النيوليبرالية هذا. إنه مصدر جميع مظالمنا من أجل إرساء الحقوق الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية. تهدف الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية التي ننتمي إليها والحالة هذه إلى التنديد بهذا الواقع أمام حركة الاحتجاج برمتها.

أنت تشعر بعدم الأمان في هذا البلد، سواء كنت عامل منجم أو مدرسا أو أي شيء آخر. ليس لدينا نظام حماية اجتماعية. الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية غير مضمونة. وكما هو الحال بالنسبة لعمال المناجم في شياتورا، نحن جميعا مثقلون/ات بالديون. بلغ مستوى مديونية الأسر مستويات عالية جدا في جورجيا.

كشف عمال المناجم بشكل مأساوي عن مشكلة الديون التي يعاني منها البلد بأسره. بعد فقدانهم وظائفهم، لم يتمكنوا من سداد ديونهم. كما يواجه الموظفون/ات الذين سرحتهم الحكومة بسبب مواقفهم/ن السياسية ومشاركتهم/ن في الحراك ديوناً مستحيلة السداد.

يمثل خوف الأسر من سداد الديون أحد الأسباب الرئيسية التي تفسر الإحجام عن خوض الإضراب. تؤدي هذه الديون إلى توحيدنا جميعًا في إطار حالة هشاشة مشتركة. نواجه جميعًا أوضاع هشاشة متشابهة إلى حد ما. مما يجعلنا نخشى شن النضال، لكن ذلك بدوره يحفزنا على خوضه، لأن الحياة، كما نعرفها، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، أصبحت متعذرة التحمل.

يشكل نموذج التنمية النيوليبرالية السبب الهيكلي لتجربتنا الجماعية مع الديون. قامت جميع حكومات جورجيا، تحت تأثير القوى العظمى والرساميل الأجنبية والوطنية، بإخضاع جميع سياساتها الاقتصادية سعياً إلى جذب الاستثمارات، وتحقيق مردودية الشركات، وتشييد البنى التحتية لنقل البضائع عبر البلد، ونهب مواردنا الطبيعية عن طريق استغلال المناجم وبناء السدود على مجاري مياهنا.

أدى هذا النموذج إلى تركيز الرأسمال في أيدي أوليغارشية بلدنا، وتغيير تنظيم العمل، وتفكيك دولة الرفاه. وبالتالي، نواجه انعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي بشكل منهجي، ونضطر إلى الاستدانة لتلبية حاجاتنا الأساسية. إذا فقدنا فرص عملنا، فإننا نفقد الإعانات الاجتماعية ونصبح مثقلين بديون لا يمكن تحملها. وحتى إذا حصلتم/ن على فرص عمل، فإنكم تواجهون/ن ظروف معيشية وشغلية صعبة.

لم يتغير هذا النموذج الاقتصادي قيد أنملة مع اجراء الانتخابات. قامت الحكومة السابقة التابعة لحزب الحركة الوطنية المتحدة بفرض هذا النموذج النيوليبرالي. وحذا حزب الحلم الجورجي حذوها. وقاما على حد سواء بوضع مصالح الرأسمال الأجنبي والخاص في المرتبة الأولى، ومصالح العمال/ات في المرتبة الثانية.

تمثل شركة شياتورا نموذجًا لهذا الاتجاه العام. قامت الشركة بعد خصخصتها، بإخضاع عمال المناجم لظروف عمل مروعة، وتجاهلت تدابير السلامة الأساسية وانتهكت حقوقهم. وعلى الرغم من تعدد الغرامات التي فرضتها وزارة البيئة على الشركة لتلويثها الهواء ونهر المدينة الرئيسي، لم يتغير الوضع، ما عدا أن العمال باتوا مسرحين من عملهم.

يوضح ذلك كيف تتحكم النخب، وخاصة الأوليغارشية مثل إيفانيشفيلي، بالحكومة. وعلى هذا النحو، بغض النظر عن المرشح المنتخب، فإن الهيكل الأوليغارشي للاقتصاد يجبر الدولة على العمل لصالح الأثرياء وضد الشعب.

استخدمت النخبة الاقتصادية وشركاؤها متعددو القوميات تحكمهم بالدولة لتنفيذ مشاريع مختلفة تسمى مشاريع تنموية. حولوا جورجيا إلى مركز لنقل المواد الخام، وجنة للعملات المشفرة واستخراج الموارد الطبيعية. عادة ما يتم تمويل مشاريع البنى التحتية «التنموية» (السدود والطرق السريعة والموانئ وغيرها) عبر قروض أجنبية مقدمة من بنوك إنمائية متعددة الأطراف.

كل ذلك يزداد تشويهاً بسبب مصالح أوليغارشيتنا. يقوم إيفانيشفيلي بصياغة هذا النموذج النيوليبرالي برمته لخدمة مصالحه الخاصة. نحن إذن أمام نيوليبرالية ذات سمات أوليغارشية.

يتجلى هدفنا مع الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية في تسليط الضوء، في إطار النضال، على جميع المشكلات المرتبطة بالنموذج النيوليبرالي. علينا أن نوضح للمواطنين/ات أن النيوليبرالية الأوليغارشية هي السبب في الطابع المعادي للديمقراطية الذي تتسم به دولتنا. يتعين تغيير النموذج الاقتصادي القائم برمته لإقامة المجتمع الأمثل الذي نطمح إليه جميعاً.

 

كيف تم التعامل مع الاتحاد الأوروبي في هذه النضال، وهو متواطئ في تنفيذ البرنامج النيوليبرالي؟

مايا باركيا: في عام 2024، سبقت موجات احتجاجية عديدة الاحتجاج الحالي، الذي اندلع بعد إعلان الحزب الديمقراطي تعليق مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. كان ذلك القشة التي قصمت ظهر البعير. يشكل الدفاع عن الديمقراطية الهدف الأساسي الذي يوحد صفوف الحركة.

تتسم المواقف بشأن الاتحاد الأوروبي بالتنوع داخل الحركة. تعمل الأحزاب القديمة التي نفذت المشروع النيوليبرالي، وبالتالي ساهمت في المشكلة، على تأييد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما نحن، في الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية، فلنا موقفنا الخاص بشأن الاتحاد الأوروبي.

نحن جميعًا متحدون/ات في النضال دفاعًا عن الديمقراطية، لكن هناك أيضًا اختلافات حول ما يعنيه ذلك. بالنسبة لنا، لا يمكن فصل الديمقراطية عن العدالة الاجتماعية والاقتصادية. ونتطلع إلى شكل أكثر جذرية وتشاركية من الديمقراطية: الديمقراطية المباشرة. لا تكفي الديمقراطية التمثيلية. ندعو إلى ارساء الرقابة الديمقراطية على المجتمع والمؤسسات وأماكن العمل.

نستلهم من تاريخ جورجيا لاستخلاص نماذج سابقة. كانت جمهوريتنا الأولى، التي تأسست عام 1918 واستمرت حتى عام 1921، فترة قصيرة الأمد شهدنا خلالها تجربة ديمقراطية بالغة الأهمية. تأسست على يد حكومة ائتلافية بقيادة الاشتراكيين الديمقراطيين.

تجاوزوا إطار الديمقراطية التمثيلية. لم يطبقوا الديمقراطية المباشرة، بل ما أسموه الديمقراطية بدون وساطة، وهي تنويع هجين من الديمقراطية التمثيلية والمباشرة. يكتسي هذا الإجراء السابق أهمية بالنسبة لنا، لأنه يثبت أن الديمقراطية ليست شيئًا مستوردًا أو دخيلًا على تاريخنا، بل تشكل أمرا خضع لتجربة اليسار بالفعل. نريد الاستناد إلى هذا التقليد لبناء ديمقراطية تشاركية ولامركزية في جورجيا على المدى الطويل.

نتبنى تصوراً مختلفاً حول الاتحاد الأوروبي مقارنة بتصور حزب الحركة الوطنية المتحدة والأحزاب التقليدية الأخرى، التي تقدمه على أنه جنة وتوحي بأن مشكلات جورجيا ستحل بمجرد الانضمام إليه. على العكس من ذلك، ننظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه حديقة، حتى لو انضممنا إليه، فسيكون أمامنا الكثير لنفعله حتى يخدم البلد مصالح الشعب. نرى الانضمام مسألة حياة أو موت، لحمايتنا من إمبريالية روسيا. يشكل الاتحاد الأوروبي في الواقع الفضاء الوحيد الذي قد نعيش فيه فعلياً لمحاربة النيوليبرالية في جورجيا وبناء مجتمع عادل وقائم على المساواة.

نخوض معركة مزدوجة: بداية للبقاء على قيد الحياة بوجه تهديد إمبريالية روسيا المباشر، ثم لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية. لا يمكن تحقيق ذلك عن طريق استنساخ الإصلاحات الغربية أو الأجنبية، بل عبر خوض نضالنا الخاص من الأسفل.

باع حزب الحركة الوطنية المتحدة البلد إلى الأوليغارشيات عبر خصخصة الممتلكات الوطنية. وبما أن حزب الحلم الجورجي لم يعد لديه الكثير ليبيعه، ركز اهتمامه على خصخصة الموارد الطبيعية لصالح شركات الاستخراج. لا يخضع قانون العمل لدينا لأي ضوابط تنظيمية، مما يتيح للشركات تثبيت ظروف عمل مروعة وساعات عمل طويلة وممارسة تمييز في مكان العمل. فرضت الأحزاب الحاكمة هذه الممارسة دون أي معارضة. واتخذ هذا الوضع منحى خطيراً في ظل حكومة حزب الحلم الجورجي.

وعلى هذا النحو، يمنحنا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فرصة لخوض صراع الطبقات لتحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية. وقد يكون ذلك من شبه المستحيل في ظل التهديد المستمر بتدخل موسكو.

 

أحدث انتخاب دونالد ترامب تغيراً جذرياً في السياسة الأوروبية الآسيوية. أبرم ترامب اتفاقاً صريحاً مع روسيا بقيادة بوتين لتقسيم أوكرانيا. ما تأثير هذا الانتخاب على النزاع والرهانات السياسية؟

فانو أبرشفيلي: تشكل المناورات الجيوسياسية التي يقوم بها ترامب في أوروبا الشرقية مصدر قلق كبير لجورجيا.  كان أول رد فعل لجورجيا قائماً في محاولة تنويع علاقاتها مع مختلف الحكومات، من روسيا إلى إيران، سعياً لكسب أشكال دعم. كما كانت جورجيا ضمن الحكومات القليلة التي حضرت تنصيب رئيس إيران الجديد.

لكن ذلك انفجر في وجهها. وجد حزب الحلم الجورجي نفسه إلى جانب مجموعات ترفع شعار «الموت لأمريكا». بالطبع، لم يعجب ذلك ترامب وبقية النخبة السياسية الأمريكية. كانت تلك غلطة فادحة من جانب حزب الحلم الجورجي. سيتخلى عن هذا النهج لتهدئة غضب ترامب.

بدأ حزب الحلم الجورجي بالفعل في تقليد خطاب ترامب حول محاربة الدولة العميقة2 و«الحرب الشاملة». حتى أنهم يشاطرون خطاب جي دي فانس JD Vance à Munich في ميونيخ، الذي شجب قمع الاتحاد الأوروبي لليمين المتطرف. لكن ذلك انفجر في وجههم، لأن حزب الحلم الجورجي بالفعل حزب يميني متطرف، في سدة الحكم، ويقمع الجميع. ندد البعض بهذه النفاق. وبالتالي، انقلب تقليدهم لترامب وفانس ضدهم.

بغض النظر عن هذا الجنون، يدرك حزب الحلم الجورجي بوضوح أن جورجيا أصبحت حبيسة الترتيبات الجيوسياسية التي يدبرها ترامب بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. تشكل أوكرانيا سابقة خطيرة لما قد يفعله ترامب بجورجيا. حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على موافقة روسيا بشأن خطة لتقسيم غنائم نهب أوكرانيا.

قد يتعامل ترامب مع جورجيا بنفس الطريقة، من خلال تقديمها كهدية لروسيا لضمها إلى منطقة نفوذها. وكدولة صغيرة تقع بين قوى إقليمية عديدة، فإننا عالقون في فخ كلاسيكي كما وصفه ثوقيديدس Thucydide: «القوي يفعل ما بوسعه والضعيف يتحمل ما عليه تحمله».

يدور قلقنا الأكبر حول تداعيات ما يجري بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشأن أوكرانيا. وإليكم سيناريو كارثي: إذا انهار الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، قد نجد أنفسنا محاصرين في إطار حرب أوسع نطاقاً.

تمتلك روسيا قواعد عسكرية وحتى ميناء بحري في أوشامشير Ochamchire، في أبخازيا Abkhazie، وهي منطقة في جورجيا تحتلها روسيا منذ حرب عام 2008. وتستخدم روسيا هذا الميناء لشن عملياتها في البحر الأسود. إذا استهدفت أوكرانيا هذا الميناء، فقد تصبح جورجيا مسرحاً جديداً للحرب.

سواء حدث ذلك من عدمه، فإن صورة الولايات المتحدة الأمريكية في جورجيا تضررت إلى حد كبير. لا يمكن أن يقوم حتى أكثر المؤيدين تعصبا لأمريكا بمساندة الاقتراح الاستعماري الجديد الذي قدمه ترامب لروسيا بتقسيم البلد ونهبه.

إيا إيرادزي: بالضبط. كان لرئاسة ترامب تأثير كبير على أعضاء الحركة الشعبية. حتى كانون الثاني/يناير الماضي، كان الجميع يرى في الديمقراطية الأمريكية نموذجاً يحتذى به لجورجيا، على الرغم من مشكلاتها العديدة. أمّا اليوم، يرى الجميع تقريباً في الولايات المتحدة نموذجاً للأزمة الديمقراطية المستشرية في العالم.

واليوم، يدرك الناس بشكل مطرد أننا نساهم في خوض نضال عالمي ضد اليمين المتطرف والأوليغارشيات. يشكل ذلك صدمة لجورجيين/ات كثر   كانوا/ن يثقون/ن بالولايات المتحدة الأمريكية. لكنه أدى إلى تعزيز اقتناعنا بضرورة الاعتماد على مقدراتنا على العمل. لا يوجد منقذ خارج جورجيا ليخلصنا من حكومتنا الاستبدادية. علينا تحرير أنفسنا بأنفسنا.

لا يمكننا الاعتماد وحسب على القوى الخارجية لتحقيق ذلك. لكن يتعذر بلوغ ذلك بمفردنا، لأننا بلد صغير. لذا، نعلق آمالنا على الحركات الشعبية في بلدان أخرى ضد يمينها المتطرف وأوليغارشيتها وحكوماتها الاستبدادية.

 

أنشأتم مؤخراً الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية لسد ما يعانيه اليسار من فراغ سياسي. كيف وصلتم إلى هذا القرار؟ ما مواقفها السياسية الأساسية؟ ما القوى التي استقطبتها؟ كيف تتطورون داخل هذه الحركة؟

سوفو فيردزويلي: تتمتع جورجيا بتقاليد ديمقراطية، أرستها أول جمهورية جورجية في مطلع القرن التاسع عشر. لكن هذه التقاليد تعرضت للتهميش والنسيان. وتسعى الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية إلى إحياء هذه التقاليد في صلب التظاهرات الحالية.

أدركنا، في خضم الحركة الجماهيرية، ضرورة إيجاد بديل قائم على القيم وذي طابع مستدام على حد سواء. أظهرت انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الماضي ذلك بجلاء. لم يكن أحد راضياً عن ما يُسمى بأهون الشرور. لا تزال معظم المعارضة السياسية مرتبطة بالسياسات النيوليبرالية والمعادية للديمقراطية بسبب مؤامراتها السابقة، في حين أن دعاية حزب الحلم الجورجي، التي تحظى بتمويل سخي وتغطية واسعة، تنجح في تقديم جميع المعارضين على أنهم حلفاء حزب الحركة الوطنية المتحدة.

عندما اشتكى كثر منا من هذا الوضع، قيل لنا: «لماذا لا تخلقوا بديلاً؟» فقبلنا التحدي وبدأنا التفكير في إنشاء منظمة جديدة.

ليست هذه المرة الأولى التي تُطلق فيها هكذا مبادرة؛ إذ جرت بالفعل محاولات لإنشاء حركة اشتراكية ديمقراطية، بل وحتى حزب سياسي. لكننا نعتقد أن فرص النجاح أكبر هذه المرة. أدت الأزمة السياسية والصراعات والإحباط العام إزاء غياب بديل سياسي حقيقي إلى حفز اليسار، بالرغم من الخلافات الطفيفة، على التجميع وتأسيس الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية.

إنها حركة وليست حزباً سياسياً. رفضت حكومة حزب الحلم الجورجي بالفعل طلب تسجيلنا كمنظمة غير ربحية، وهي الشكل القانوني الوحيد الذي تنص عليه التشريعات التي تسري على الحركات. لكن نواصل جهودنا على الرغم من ذلك.

تتقاسم الحركة من أجل الديمقراطية الاجتماعية تبني وجهات نظر أيديولوجية واضحة، ملخصة في بيان مبادئها. ويمكن اختصار هذه المبادئ بشكل عام في الديمقراطية التشاركية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية. ليس في صفوفنا زعيم كاريزمي متمتع بموارد مالية ضخمة أو رأسمال اجتماعي هائل.

نحن تنظيم جمعوي ذو هيكل أفقي وديمقراطي للغاية. إنها إحدى قيمنا السياسية. لا نتنازل عن قيمنا داخل الحركة ولا نلتزم الصمت الاستراتيجي بشأن هذا الموضوع أو ذاك بشكل انتهازي. ندافع عن مواقف بشأن جميع أنواع القضايا التي لم تحظ بشعبية بعد، وذلك من أجل اقتناع شرائح واسعة من السكان بشكل مطرد أثناء التظاهرات.

يتمثل واحد منها في موقفنا تجاه الاتحاد الأوروبي. نرى أن السياسة الخارجية المؤيدة لأوروبا تكتسي أهمية حيوية بالنسبة لجورجيا. نعاين أيضًا أن الولاء تجاه روسيا وثيق الارتباط بممارسة الأعمال الاستبدادية والمعادية للديمقراطية في بلدنا. ومن ثم، نتبنى موقفًا حازمًا وثابتًا حيال توجه سياستنا الخارجية.بالطبع، هذا لا يعني امتناعنا عن إبداء آراء نقدية بشأن بعض سياسات الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك العديد من سياساته وبرامجه الاجتماعية غير الصائبة.

نحن منظمة حديثة العهد، لكن ننمو عدداً وتأثيراً في بلد صغير. يفوق عدد أعضائنا حالياً 150 عضواً، ولدينا مجموعات عمل عديدة ونساهم بنشاط في بناء نضال أوسع على مختلف الجبهات. يتمثل هدفنا الرئيسي حالياً في بلورة برنامج سياسي. نريد ابراز ما يجب أن يكون عليه البديل السياسي الحقيقي والفعال. نسعى إلى أن نضع الخطاب السياسي والبرامج السياسية السائدة على كلا الجانبين موضع نقاش وتساؤل.

مايا باركيا: أنشأنا منظمتنا في سياق حالة طوارئ. إن الفراغ هائل، لكنا عازمون/ات على تعبئة قوانا لملئه. في هذه اللحظة، علينا بناء منظمة قوية، مستعدة لمواجهة أي سيناريو سياسي، بما في ذلك العمل السري القسري.

إنها معركة طويلة الأنفاس، ليس وحسب في جورجيا، بل أيضاً في جميع أنحاء العالم. نواجه جميعاً تحديات متشابهة بشكل مطرد. علينا في هذه الأوقات العصيبة أن نجعل من الكفاح لتحقيق الديمقراطية في جميع المجالات، من حركاتنا الخاصة إلى مجتمعنا ككل، أولوية قصوى. ينبغي في إطار معركة أوسع أن نناضل من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية.

 

ما يمكن أن يفعل اليسار في العالم لمساندة الحركة الجورجية؟

إيا إيرادزي: يلزم أن يكون منطلق اليسار العالمي الحوار مع المناضلين منا وفهم ما يحدث بالفعل على أرض الواقع. لا نحبس أنفسنا في إطار روايات بتصورات مسبقة. حاولوا فهم الفروق الدقيقة في وضعنا.

حاولوا جاهدين فهم سبب رفع البعض علم الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية. لا تتسرعوا في تصنيف الأشخاص والحركات. يجب على اليسار إدراك أن خياراتنا وهامش مناورتنا محدودة في البلدان التابعة، مثل بلدننا. توجد روسيا على حدودنا، وتحتل نسبة 20% من أراضينا، وتهدد استقلالنا.

على اليسار عدم التسرع في إصدار الأحكام، وعليه النظر إلى ما نقوم به بالفعل نحن اليسار في جورجيا: نسعى إلى إيجاد متنفس للنضال من أجل المجتمع الذي يطمح إليه اليسار بأسره. لكننا نقوم بذلك في ظروف بالغة الصعوبة.

أعتقد أيضًا أن على اليسار ألا يقلل من شأن ما يفعله حزب الحلم الجورجي بالمواطنين/ات في هذا البلد أو يجعله نسبيًا. نعرف جميعًا أشخاصًا في النضال تعرضوا/ن للعنف والاعتقال، لمجرد كفاحهم/ن من أجل الديمقراطية.

يجب على اليسار في العالم الاصغاء إلينا. وفهم الفروق الدقيقة في وضعنا الصعب كبلد لا يملك سوى خيارات قليلة، أدنى بكثير من تلك المتاحة للقوى الأكثر ثراءً وقوة. وعليه خاصة معاملتنا باحترام وارساء تضامن مع حركتنا.

نرغب في إقامة علاقات مع قوى متعاطفة مع اليسار في العالم. بدأنا للتو في التقرب من شخصيات تقدمية وأكاديميين ومنظمات في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الخارج. علينا نسج روابط في إطار نضالنا المشترك.

تتمثل مشكلتنا الرئيسية بالطبع في اليمين المتطرف والأوليغارشيات، هنا وفي جميع أنحاء العالم. لكننا نوجه انتقادات إلى اليسار على صعيد العالم. لا يفكر اليساريون في كثير من الأحيان إلا بطريقة تحليلية، دون تفحص جورجيا أو منطقتنا أو حتى بلدانهم من منظور سياسي واستراتيجي. وعلى تعبير سوفو Sopho، يمثل تحليل ونقد كل شيء وكل شخص نعمة لا نملكها.

أعتقد أن اليسار في فخين: التفكير بشكل سياسي وحسب، والتفكير على نحو استراتيجي فقط. يؤدي أحدهما دون الآخر إلى ارتكاب كل أنواع الأخطاء. علينا مواجهة كليهما إن أردنا بناء يسار قادر على التدخل في العالم الفعلي.

علينا بدايةً تعزيز التضامن العالمي. نخوض نضالا مشتركا ضد الاستبداد والأوليغارشية والنيوليبرالية وتغير المناخ وأزمات منظومية أخرى كثيرة. نحن جميعا في خضم هذه المعركة.

 12 مايو 2025

لمصدر

  • 1

    الحركة الوطنية المتحدة (MNU)، التي أسسها ميخائيل ساكاشفيلي Mikheil Saakachvili  في عام 2001، حزب مؤيد لأوروبا قاد جورجيا من عام 2004 إلى عام 2012. ينتمي إلى يمين الوسط وعضو في حزب الشعب الأوروبي، ومناهض لروسيا بشدة.

  • 2

    الدولة العميقة مفهوم يستخدم إشارة إلى شبكات غير رسمية وخفية قد تعمل داخل الدولة لتقويض القرارات الرسمية.