
في مقدمته الجميلة من صفحتين بعنوان”هايتي، ديْننا“، الذي نُشر بإذن كريم من دار سيلبس ، يتحدث فريديريك توماس عن الماضي: "جرى انتزاعكم من أراضيكم ومن عائلاتكم. أُخْتُطِفتُم من كوت دور، من داهومي، من أرض الأراداس. رُكِنتم في قاع البواخر، ولم يكن لديكم شيء، ولم تكونوا شيئًا. لقد رُميتم، مكبّلين بالسلاسل، على بعد آلاف الكيلومترات في أرض غريبة عنكم ”، ويبني جسرًا إلى الحاضر والمستقبل:"مضى الزمن، لكن وعدكم باقٍ. أنا مدين لكم بجزء من راحتي وحقوقي وأسلحتي. وعلى عكس فرنسا، أنا أدفع ديوني".
الكتاب صغير، ولكن فريديريك توماس، على عكس آخرين، لا يقدم صورة كاريكاتورية، ولا ينسى، ولا يمحو هذا ولا ذاك، ولا يطمس التناقضات. ضربة مقابل ضربة في كتابة رائعة...
أشخاص محوَّلون إلى عبيد، وعبيد سابقون، وأفارقة كاريبيون، حرروا أنفسهم وحدهم. حدثٌ لم يسبقه مثيل، ” لا تزال الموجة الصدمية تصلنا، ولا تزال تهز القوى"، لا يُغتفر بنظر أسياد العالم. "إن المثال السام لهذه الدولة السوداء الأولى، المتحدرة من ثورة عبيد، له قدرة إرعاب الحاضر، وعلى إدامة الأحلام والتمردات والمخاوف".
يتحدث المؤلف عن سياسات فرنسا، وإعادات كتابة التاريخ، والتفاوت بين الدول، والنظرة الاستعمارية لزمن محبوس، ومرسوم شارل العاشر (17 أبريل 1825)، "إن نصرا محرزاً بالنضال يتحول إلى استقلال تمنحه السلطة المهزومة". ويعود لتناول الثورة، ومزارع قصب السكر، والإداريين والمالكين، والبيض الصغار، والسود الأحرار، وعبيد المزارع، ” وكل العلاقات الاجتماعية مشبعة ومنظمة ومحددة تضافريا بعنف العبيد"، و كتاب "اليعاقبة" السود لسيريل روبرت ليونيل جيمس ـ C.R.L. James، والعنصرية وهلع المستعمِرين، وفرانسوا دومينيك توسان لوفرتور.
"تندرج الثورة في الخط الذي فتحته الثورتان الأمريكية والفرنسية". مرسوم الحرية العامة، وإلغاء العبودية، ودور ليجيه-فيليسيتيه سونثوناكس Léger-Félicité Sonthonax ، ” صدى التمرد بات الآن عالميا". يجب ألا تخطئوا، ” لقد كانت المبادرة الحقيقية صادرة عن العبيد الذين انتفضوا ومارسوا ضغطًا هائلاً على جميع القوى المعنية". لا يمكن قبول هذه البادرة المُحرِّرة، بل سيتم إنكارها وتحويلها إلى تنازل من السلطة (وهي عادة المسيطرين آنذاك كما هو الحال الآن!). ومع ذلك، وكما يشير الكاتب محقًا، فإن ”الثورة الهايتية تخلق "ذوات جماعية" أُخَر تضحك على هذه السلطات...“.
يحلل فريديريك توماس، في الفصل التالي، الميثاق الاستعماري الجديد، "التحدي يكمن في التفكير معا في الهيمنة الدولية وهيمنة الطبقة الحاكمة الهايتية" ووضع التبعية في ظل الاستعمار الجديد، وبنية المجتمع الاستعماري والسلطة الجديدة الناشئة عن الثورة الهايتية، ونموذج الزراعة المكثفة " المزرعة هي منصة استيراد وتصدير، حيث مركز اتخاذ القرار مُرحَّل، “العمالة الحرة التي تذكرنا بأيام العبودية، و“ مقاومة العبيد السابقين العنيدة، الرافضة للعودة إلى المزارع"، والحفاظ على وسم العبودية والاستعمار، وأيضًا ‘ مشروع زراعة بديل “، وانقسامات المجتمع الهايتي الداخلية، والأوليغارشية، والأسطورة التأسيسية والفشل الاقتصادي. ويختتم المؤلف هذا الفصل بكشوف الحساب المطلوبة من الدولة الفرنسية والحاجة إلى سياسة تعويضات...
الانتفاضات، ولحظة 1825، و“ هايتي الدولة الأكثر تفاوتا في القارة الأكثر تفاوتا في العالم"، وتكرار الصدمات "على خلفية كوارث طبيعية وعدم استقرار سياسي وفقر"، والمساعدة الإنسانية و"طرق إغفال هايتي"، ومن يتحدثون عن الطوارئ دون التاريخ وينسون الحقوق والمقاومة، وحركات التعبئة في العام 2008، والغضب ضد الفساد وغلاء المعيشة، والخلط الدولي بين"أسوأ السياسات وسياسة الأسوأ"، والنظرات المشتركة للمنظمات غير الحكومية والدبلوماسيين الدوليين، ركام الصمت، "المخاوف المدفونة منذ تلك الليلة الشهيرة في أغسطس 1791"، سلطة إخفاء السلطة، المسؤوليات غير المرئية، وسياسة المساعدة الإنسانية كمبرر " لما يُفعل وما لا يُفعل، وما يُتاح له أن يُفعل"، ورفض "انتقال قائم على قطيعة"، واتفاقية مونتانا، وحكومة آرييل هنري، والعصابات المسلحة ورفض" فرض حظر حقيقي على الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة "، والأوليغارشية والنخب، والاشتغال الشبيه بالمافيا. نحن بحاجة، في مواجهة بناء الحقائق المزيفة والمضللة، وفي مواجهة إخفاء السلطات والمسؤوليات، إلى إعادة الاعتبار للتاريخ وكلمات سكان هايتي من أجل القطع مع استراتيجيات الميثاق الاستعماري الجديد...
يختتم فريديريك توماس بفصل عن "التعويضات". و علينا، ضد فكرة أن شيئًا لم يحدث، أن ننظر وجها لوجه إلى الشعب الهايتي، ونعترف بالحقائق والمسؤوليات، ونسن سياسة تعويضات: "فرنسا مدينة لهايتي بدين يجب أن تسدده “.
يجب علينا أن نبرز الطبيعة الاستثنائية لانتفاضة عام 1791، ونبدد القراءات أحادية اللون الحداثة، ونحلل ” آلية التوجيه نحو الخارج والسلب المزدوجة" “ وتراكب المشهدين الدولي والوطني، ونرفض القومية الضيقة المفصولة عن مناهضة للاستعمار وعن الأممية ونبطل ما يفعل باسمنا...
نحن بحاجة إلى كتب كهذه إذا ما أردنا أن اندماج نضالاتنا اليومية مع اشتعال العالم...“. الثورة الهايتية هي وعد يجب الوفاء به “.
فريديريك توماس هايتي: ديننا
Éditions Syllepse، باريس 2025، 96 صفحة، 5 يورو
(*) فريديريك توماس Frédéric Thomas عالم سياسة متخص في هايتي، وزميل باحث في مركز دراسات القارات الثلاث في لوفان لا نوف (بلجيكا) ومؤلف كتاب ”L'échec humanitaire - Le cas haïtien“.
ديديّه إبشتاين متقاعد من القطاع الخاص، عصامي، ومحرر مع آخرين لكتب نشرتها دار سيلبس Syllepse ، ومشرف على مدونة Entre les lignes entre les mots.