
اصطدم قطار بضائع يوم 28 شباط/فبراير عام 2023، قرب مدينة لاريسا في منطقة تيساليا، بآخر للركاب سائراً في الاتجاه المعاكس لكن على نفس المسار. أفضى هذا الحادث الرهيب إلى اندلاع حريق هائل. أدت الكارثة، التي عزاها رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس Kyriakos Mitsotakis بدايةً إلى مسؤولية رئيس المحطة وحده، فور وقوعها، إلى موجة سخط عارمة لا تزال ضخمة اليوم بالأقل كما كانت قبل عامين، حين بلوغ خبر وفاة 57 شخصًا، ضمنهم عمال/ات السكك الحديدية وشبان/ات عديدين/ات1، على عكس آمال واعتقاد يمين الحكومة فائق الليبرالية. شهدت اليونان في هذه الأيام الأخيرة أضخم التظاهرات منذ عقود، مطالبة بتحقيق العدالة تحت شعار «موتانا، أرباحهم».
كانت أسباب الحادث الفعلية غريبة: كان وزير النقل كارامانليس Karamanlis ، قبل أسبوع من وقوع المأساة، يتباهى بما تتمتع به قطارات البلد من سلامة ممتازة، لكن بعد ذلك اتضح عدم تشغيل نظام التحكم عن بعد والإشارات الضوئية بأي وجه. كما تبيّن خاصة أن نقابات عمال/ات السكك الحديدية كانت تطالب بتطبيق تدابير السلامة دون جدوى، وحذرت بعد تعدد الحوادث من مغبة حصول كوارث ما لم تتخذ تدابير فورية.
ثم سرعان ما تحولت المشاعر الجياشة، التي اجتاحت البلد بعد هذه المأساة، إلى سخط عارم بعد اكتشاف مدى الإهمال الذي طال شبكة السكك الحديدية. وكما أشار بانوس كوسماس Panos Kosmas في مقال بصحيفة Ef Syn يوم 27 شباط/ فبراير، كانت القطارات الضحية الرئيسية للخيارات السياسية في قطاع النقل منذ سنوات السبعينيات، لصالح شركات الطرق السيارة والحافلات الخاصة (KTEL) والشاحنات والسيارات. شهدت الشركة الوطنية للسكك الحديدية منذ أواخر سنوات التسعينيات عملية تفكيك إلى كيانات عديدة، حتى وصلت إلى خصخصة في سنوات 2010 –الأمر الذي لم تقم الترويكا حتى بالمطالبة به- حيث تتولى من جهة شركة السكك الحديدية اليونانية OSE مكلفة بالصيانة، بعد تقليص عدد عمالها إلى 750 عاملًا /ة، ومن جهة أخرى تشرف شركة هيلينيك ترين (Hellenic Train) الخاصة، التابعة لشركة السكك الحديدية الإيطالية، على شؤون القطارات. نعلم الآن أن ما يسمى بالقطارات الحديثة على خط أثينا-سالونيك هي قطارات تخلصت منها شركة السكك الحديدية السويسرية (نظرياً بغرض القائها في مستودعات الخردة) لأنها مسببة مشاكل عويصة. بوجه كل ذلك، كان إصرار ميتسوتاكيس على إلقاء المسؤولية على رئيس المحطة وحده (مع شعار «كلنا مسؤولون» كبديل...) يبدو بالفعل على حقيقته: أكاذيب الدولة واحتقار الضحايا.
والأكثر من ذلك، ستؤدي الانتخابات البرلمانية في ربيع العام 2023، حيث حقق فيها اليمين فوزًا عريضًا (بنسبة 41%، سيعارض بها حزب الديمقراطية الجديدة- بقيادة ميتسوتاكيس- كل الانتقادات وكل المطالب طيلة سنتين)، إلى اقتناع هذا الأخير بأن تعبئات السخط المذهلة المنظمة في شهر آذار/مارس عام 2023 ماضي انقضى.لا يبدو أن امتناع نسبة 46% من الناخبين/ات عن التصويت - وهو رقم كبير بالنسبة لليونان – أفضى إلى اثارة تساؤلات حول مقدرته على فرض نظامه: كان القانون والنظام، ولا يزالان، شعار حكومة يمينية فائقة الليبرالية وقمعية بشكل خطير، ومنفتحة على اليمين المتطرف وناخبيه (حققت مختلف المجموعات اليمينية المتطرفة ما يناهز نسبة 14% في انتخابات حزيران/ يونيو عام 2023...).
كل الأسباب لتأجيج السخط الشعبي
هذا لأن التعبئات ضد سياسة اليمين فائقة الليبرالية - وازدراء حكومته لها- لم تتوقف منذ ربيع العام 2023، خاصة في صفوف الشبيبة كما رأينا العام الماضي مع الحراك - الذي أيدته أغلبية الطلاب/ات- ضد إحداث الجامعات الخاصة المفروض برغم بند دستوري مانع له.
لكن السخط عارم جدا في أوساط شريحة كبيرة من السكان، في تناقض صارخ مع ما تنشره الصحف العالمية حول «المعجزة الاقتصادية» التي حققها ابن الوزير السابق المحافظ كونستانتينوس ميتسوتاكيس Konstantinos Mitsotakis. لكن الواقع الاقتصادي متمثل في ارتفاع تكاليف المعيشة وطرد صغار ملاك المنازل المثقلين بالديون. إنه التدمير المنتظم للخدمات العامة الأساسية: المستشفيات في حالة يرثى لها، مع تولي اليميني الاستفزازي المتطرف أدونيس جورجياديس Adonis Georgiadis منصب وزارة الصحة، بعد أن كان يشغل منصب مقدم برامج تسويقية في التلفزيون سابقاً، بحيث يهين الموظفين ويساند بوضوح خصخصة قطاع الصحة. كما أن المدارس في نفس الحالة، مع المشروع الوزاري التعليمي الرهيب مؤخرا والذي أطلقته مؤسسة مالك السفن أرسطو أوناسيس Onassis وترعاه، علاوة على مطاردة النقابيين التي تتطلب دعماً عاجلاً من النقابات في العالم. يشهد البلد أيضًا تنامي عدد حوادث العمل، ما يدل على فرط الاستغلال الذي يمارسه أرباب العمل الذين يحوّلون كل مطالبهم إلى تدابير حكومية، ينفذها بإذعان وزير العمل سيئ السمعة كوستيس هادجيزاكيس Kostis Hadjizakis، المنفذ المشؤوم لإجراءات قمع حقوق العمال/ات. يرتبط ميتسوتاكيس أيضًا بعدد من فضائح الدولة، وأشهرها فضيحة التنصت: تنصت ميتسوتاكيس و/أو المقربين منه على شخصيات بارزة عديدة، باستخدام برنامج بريداتور (Predator): زعيم حزب باسوك Pasok(الحركة الاشتراكية اليونانية)، وصحفيين، وحتى مسؤولين في اليمين وضباط في جهاز البوليس مما أدى إلى وقوع مئات الضحايا! على الرغم من الجهود التي بذلها ميتسوتاكيس للتكتم على فضيحة كان من المفترض أن تجبره على الاستقالة (اكتفى بإقالة ابن شقيقه...)، تخضع الآن لمحاكمة طويلة، لكن هذه الفضيحة تشكل خاصة تحذيراً حول الطابع الخطير لرئيس الوزراء هذا وحاشيته - وخاصة اليمينيين المتطرفين الذين تمت ترقيتهم إلى مناصب المسؤولية مثل «الوزير الخارق» ماكسيس فوريديس Makis Voridis، قائد الشبيبة سابقاً في طغمة الكولونيلات والمعروف (قبل ميلي Milei وجهازه...) بالفاشي صاحب الفأس، الذي كان يلاحق الطلبة/ات اليساريين في أثينا في سنوات السبعينيات...
وفي هذا الإطار، أعادت تظاهرات عديدة في العام الفارط إلى الأذهان أن السخط للمطالبة بالعدالة لصالح ضحايا أحداث قطار تمبي لا يزال شديداً جدا كما كان دوماً، مع تنظيم حفل تضامني في شهر تشرين الأول/ أكتوبر في الملعب الأولمبي القديم في أثينا، والذي امتلأ عن آخره بعشرات آلاف المتضامنين/ات2.
في غضون ذلك، وفي غياب تحقيق جدير بهذا الاسم حول ظروف حادث القطار، وأسبابه الدقيقة، تولت عائلات الضحايا مسؤولية ما رفض ميتسوتاكيس القيام به، ، رغم تعهدات لم يصدقها عد كبير- كان تعهد بنفس الالتزام فيما يتعلق بفضيحة التنصت! كانت المعلومات التي أتاحت العائلات فرصة تسليط الضوء عليها مذهلة: بعد 4 أيام من الحادث، تم محو كل ما قد يتيح التوصل إلى أدلة على الميدان، بناءً على أوامر بتنفيذ عملية إزالة مخلفات مأساة القطار سريعاً. كما سعت العائلات إلى فهم كيفية نشوب الحريق. وفي الآن ذاته، نددت برغبة حكومة اليونان في التكتم على الفضيحة، في حين أدان الاتحاد الأوروبي نفسه حكومة اليونان لعرقلة سير التحقيقات اللازمة.
كانون الثاني/يناير - شباط/فبراير عام 2025: عندما رفعت تجمعات ضخمة شعار «كفى»!
انضاف عنصر رهيب وحاسم بفضل عمل الخبراء/ات المفوضين/ات من قبل العائلات في بداية شهر كانون الثاني/يناير عام 2025: تم العثور على رسائل الضحايا الموجودة على رقم هاتف الاستغاثة 112، حيث يمكن سماع صوت شابة تحذر بعد وقوع الحادث مباشرة من عدم قدرتها على التنفس. يتضح بعد ذلك أن المعلومات الدائرة حولها الشكوك حقيقية: أدى انسكاب مادة - قد تكون بنزينًا - إلى اختناق ركاب/ات عديدين/ات قبل انفجارها واندلاع الحريق. ادعت الحكومة أن زيت تشغيل المحرك كانت في القاطرات. لكن هذا العنصر لا علاقة له بالحادث، وفقًا للخبراء/ات. لم يسفر ذلك عن وفاة أشخاص عديدين وحسب، بغض النظر عن الصدمة، بل بات من المؤكد أيضا، بشكل أو بآخر، عدم قانونية نقل هذه المادة، دون معرفة كيف حصل ذلك بالضبط، وبأي كميات ولصالح من. كانت صرخة «لم يبق لي أكسجين» منذ تلك اللحظة، وفي جميع أنحاء اليونان، الشعار الرئيسي الذي رفعته التعبئات الجديدة في بداية هذا العام.ودعت لجنة العائلات إلى تنظيم أول تلك التعبئات التي احتجت بشدة أيضًا على قيام الأغلبية اليمينية بتعيين كونستانتينوس تاسولاس Konstantinos Tassoulas رئيسًا جديدًا للجمهورية، والذي كان حتى ذلك الحين رئيسًا للجمعية الوطنية، ومتواطئًا مع ميتسوتاكيس في إخفاء ملفات قد تكون مفيدة في عملية التحقيق.
نظمت هذه التعبئة الوطنية يوم الأحد 26 كانون الثاني/يناير، بدعوة من لجنة العائلات وحدها، وتناقلها النسيج النقابي والسياسي اليساري والجمعوي برمته. كانت شكوك تحوم حول نجاح ذلك، لكن بفضل مختلف أصناف النقاشات واللقاءات الأولية، أصبحت التجمعات حاشدة، متخطية إطارها المنظم إلى حد كبير، إذ ضمت مئات آلاف المتظاهرين/ات في الشوارع - في ما يفوق 100 مدينة وحتى خارج البلد. سرعان ما تعذر الاقتراب من ميدان سنتغما Syntagma، مكان التجمع، في أثينا. كان أول رد فعل على هذا النجاح، الذي حضره عشرات الطلاب/ات الصرب/ات المعبئين/ات لنفس القضايا، وتخللته خطابات شديدة اللهجة وشعارات منددة بحكومة «الكاذبين» و«القتلة»، هو القمع العنيف في نهاية التجمع، في إشارة إلى مدى نقمة السلطات على نجاح المبادرة الباهر.
كانت السلطة في الأيام التي تلت ذلك، وبعد نجاح تظاهرات الطلاب/ات في 7 شباط/فبراير، في حالة اضطراب وحيرة تامين لأول مرة منذ 6 سنوات، مترددة بين ادعاء التعاطف (حضور ميتسوتاكيس في برنامج تلفزيوني) وإهانات وزراء اليمين المتطرف للعائلات، في محاولة لإنقاذ روايتها بشأن المأساة عبر العثور صدفةً على مقطع فيديو، مصور في 28 شباط/ فبراير عام 2023 على حد ادعائها، يعرض قطار الشحن - لكن لم يصدق صحته سوى قلة من الناس. وفي مظهر من مظاهر العصر، بدأ قسم من اليمين في التشكيك في موقف ميتسوتاكيس، وبصفة أساسية في سياسة رئيس الوزراء «الأوربانية» orbanesque[سياسة المجري فيكتور أوربان Viktor Orbán]3. حذر دعاة اليمين المتوترون باطراد، بوجه نداء جديد لتنظيم تعبئة، من المشاركة في يوم الحراك الآخر المزمع انطلاقه يوم 28 شباط/فبراير: دعت إليه نقابة الاتحاد العام لعمال اليونان GSEE، التي تمثل النقابة الوحيدة في القطاع الخاص، والتي لم تكن أعلنت حتى ذلك الحين عن أي مبادرة، وكذلك اتحاد نقابات موظفي القطاع العام ADEDY. وفي الواقع، دعت الحركة النقابية برمتها وحتى جمعيات التجار/ات إلى تنظيم إضرابات وتجمعات. أقدمت الحركة النقابية بأكملها في الواقع، وحتى جمعيات التجار/ات، على الدعوة إلى تنظيم إضرابات وتجمعات. ثم استندت الحكومة بعد ذلك إلى حجتين قديمتين: تشكل هذه المبادرة مناورة سياسية من قبل اليسار، وحتى من قبل القومية (اليسارية) زوي كونستانتوبولو Zoé Konstantopoúlou بوجه التحديد. لم يؤد ذلك إلا إلى تعزيز اقتناعات الـ80% من السكان الذين يرَوْن سعي ميتسوتاكيس إلى عرقلة مسار التحقيقات! تتمثل الفكرة المبتذلة الثانية فيما يلي: قد يكون هذا اليوم خطيرًا مع احتمال سقوط قتلى، وهذا يعني بالأساس، اعترافًا بأن السلطة هي من يفتعل مشكلات لتبرير نشر عناصر أجهزتها القمعية! ويوجد في طليعة هذه الدعاية الوزيران اليمينيان المتطرفان، فوريديس Voridis وجاورجيادس Georgiadis...
كان الرد على الحكومة واضحًا: لم تتوقف الحركة الاقتصادية في البلد برمته وحسب في يوم 28 شباط/فبراير عام 2025، حيث أغلقت جميع المحلات التجارية أبوباها تقريبًا، بل كانت التجمعات أيضًا إحدى تلك اللحظات التي «دوّن فيها الشعب التاريخ»، كما عنونت صحيفة برين Prin4. كانت التجمعات حاشدة في جميع أنحاء البلد، حيث شارك ما لا يقل عن 400000 في أثينا، و200000 في سالونيك، وعشرات الآلاف في عدد من المدن - وحتى في الخارج - وفي المجمل طبعاً ما يفوق بكثير مليون متظاهر/ات5 تنديدًا بعرقلة مسار التحقيقات بشأن الكارثة، وإضافة إلى الشعارات السابقة، أصروا على « الاستقالة!»، وما يزيد من تثبيت ذلك أن الرد الوحيد من هذه السلطة الميؤوس منها جاء، مرة أخرى، في شكل تعديات جديدة وعنيفة جدا من قبل قوات أمنها الآلية. لكن إصرار المتظاهرين/ات كان بلا حدود: وعلى الرغم من التعديات، واستخدام خراطيم المياه، عاد آلاف متظاهري/ات أثينا إلى التجمع أمام البرلمان مرارا وتكراراً! وحتى صحف اليمين أكدت على أن اثارة «المشكلات» لم تنل من مشاركة شخص واحد بالأقل من كل 10 أشخاص من اليونانيين في تظاهرات تلك الجمعة الشهيرة!
لم يبق لدينا أكسجين: ارحلي أيتها الحكومة التي تخنقنا!
كان ممكناً أن يكون اليوم التاريخي 28 شباط/فبراير ذروة تثبط تنظيم مبادرات جديدة، ستكون أقل ضخامة بالضرورة. لكن العكس تمامًا هو الذي حدث: تتضاعف المبادرات الجماهيرية في الشوارع. وعلى هذا النحو، قام عشرات آلاف المتظاهرين/ات مساء يوم الأربعاء 5 آذار/مارس، بإحياء ذكرى الضحايا أمام البرلمان بإلقاء 57 فانوساً في السماء، كما قام عشرات آلاف آخرين بنفس الشيء في جميع أنحاء البلد. في خرج الطلاب وموظفي قطاع التعليم، بما في ذلك نقابة المعلمين في المدارس الثانوية OLME، يوم الجمعة 7 آذار/مارس، إلى الشوارع في منتصف النهار، فيما نظمت تظاهرة أخرى في المساء. بنحو غير متوقع، لم تشهد ملاعب كرة القدم وكرة السلة انتشار لافتات ضخمة تطالب بالعدالة في حادث تمببي وحسب، بل توقفت المباريات فيها أيضاً في الدقيقة 57، لمدة 57 ثانية، في صمت مذهل... يوضح ذلك كله ما يعبر عنه شعار «سنمضي إلى النهاية... لا تمبي أخرى بعد اليوم» من قوة وإصرار معممين.
يقوم هذا المطلب على وعي جماهيري تلخصه بوضوح إحدى شخصيات لجنة عائلات الضحايا، ماريا كاريستيانو Maria Karystianou: تعتبر أن ابنتها جرت التضحية بها على مذبح إله المال. وهذه، بالطبع، هي المعركة الجوهرية: حيواتنا أهم من أرباحهم في اليونان كما في أي مكان آخر! من وجهة النظر هذه، يشكل ميتسوتاكيس رمزًا شبه كاريكاتوري، كما أصبحت المطالبة باستقالته اليوم شعارًا مركزيا.
لا يمكن لهذه الفكرة التي لا غنى عنها حجب مشكلتين. تكمن المشكلة الأولى في تحقيق التعبئات التي لم تتوقف بأي وجه منذ عام 2019 نتائج مرضية. بات ميتسوتاكيس وفريقه، مع كل ما ينشرونه من دعاية بشأن «الدولة المثالية والمعصومة من الخطأ»، أشخاصا مبتذلين، حتى بالنسبة لقسم من اليمين6، الذي يعمل على ترتيب بدائل وحلول ترقيعية محتملة، سواء بزعامة وزير الدفاع الحالي ديندياس Dendias أو القومي ساماراس Samaras . مع ذلك، قد يتمكن ميتسوتاكيس تماماً من البقاء زعيماً لليمين، عبر التخلص من بعض الأشخاص البارزين لإنقاذ النظام، مثل وزير الخارجية السابق المستقيل كريستوس تريانتوبولوس Christos Triantopoulos، الذي يمثل أحد المسؤولين عن عملية إزالة مخلفات أحداث القطار بشكل سريع في آذار/مارس 2023، وعن طريق إسكات فوريديس Voridis وجورجيادس Georgiadis لفترة من الوقت (لكن بالطبع دون استبعادهما، إذ يحتاج إليهما كثيرًا)، متذرعًا على سبيل المثال بتصويت نوابه/ته ال 157 ضد اقتراح حجب الثقة عن حكومته مقابل تصويت 136 نائبًا معارضًا/ة لصالح القرار في 7 آذار/مارس بسبب أحداث القطار المميت.
تداعيات سياسية غير مؤكدة
لكن المشكلة الفعلية هي الثانية: وهي مشكلة يسار مذرر ، ولا يحظى بمصداقية حتى الآن. أصبح حزب باسوك، منذ عدة أشهر وفي أعقاب الأزمة الداخلية لحزب سيريزا Syriza، الحزب المعارض الرئيسي الذي تعرض لهزيمة ساحقة أثناء فترة تنفيذ اليونان مذكرات تسوية مع دائنيها... نوعية زعيم الحزب حالياً، أندرولاكيس Androulakis، تجعل مؤسسه أندرياس باباندريو Andreas Papandreou يبدو ثورياً. كان موقفه أثناء الأزمة الحالية، بالإضافة إلى كونه أحد ضحايا فضيحة التنصت التي تورط فيها ميتسوتاكيس، متمثلا في المشاركة في التجمعات ليس بصفته عضوًا في باسوك، لكن «أبًا ومواطنًا»، مشيرًا إلى أن تجمعات 28 شباط/فبراير بعثت «رسالة مفادها وجود خلاف بين المجتمع والحكومة». بينما يصر حزب سيريزا واليسار على ضرورة رحيل ميتسوتاكيس، قدم أندرولاكيس اقتراحًا بحجب الثقة عن الحكومة في البرلمان، مؤكدًا الرغبة في معرفة الحقيقة بشأن أحداث تيمبي أولا، وليس استقالة ميتسوتاكيس. شارك في التصويت على هذا الاقتراح حزب سيريزا وحزبان آخران من اليسار البرلماني، لكن الحزب الشيوعي اليوناني KKE امتنع عن التصويت...
أما بالنسبة لليسار الجذري والثوري، فيدين عن حق السعي إلى البقاء في ميدان البرلمان، لكن لا يزال يعاني من الانقسام إلى حد كبير. بينما كانت التعبئة الاجتماعية ورفض الحكومة فائقة الليبرالية حدثين استثنائيين كما يتضح، لم يبرز حتى اللحظة أدنى أثر لسياسة يسارية بديلة ذات مصداقية إلى حد ما 7،ومن الجلي انعكاس ذلك على ما سيحدث لاحقًا، في حين أن تعبير «خذوا هذه الحكومة وارحلوا!» كان شعارًا متداولاً على نطاق واسع في آذار/مارس 2023.
يمكن تناول مسار أو مسارين ممكنين لما سيحدث بعد ذلك مباشرة: المسار الأول بالطبع هو تجسيد ضرورة التعبئة في الشارع في الأيام المقبلة كما هو مقرر، مع المطالبة بكشف حقيقة ما حصل في أحداث قطار تيمبي من جهة، ما يعني وجود قضاء مستقل (توجد منذ عامين أمثلة عديدة على انحياز كبار القضاة إلى جانب روايات الحكومة) وخبراء لا علاقة لهم بميتسوتاكيس (وهذا لا ينطبق على حالة المتحدث باسم اللجنة التي أصدرت التقرير الأخير). ومن جهة أخرى، على الشارع صون «مذكرته بشأن حجب الثقة عن الحكومة» مع تصعيد التنديد بالحكومة التي تحرمنا من استنشاق الأوكسجين. لكن يمكن الاعتقاد أن المطالبة بإعادة تأميم قطاع السكك الحديدية وتوحيده، مع توفير الموارد البشرية والمادية اللازمة لوجود قطارات آمنة تحت رقابة عمالية، قد يساهم في خلق نضال مشترك: تدعو مختلف الهياكل بتحقيق ذلك، وقد يشكل مطلبًا موحدًا، مع توسيع نطاقه ليشمل إرساء خدمة عامة لوسائل النقل العام، بالنظر إلى حالة ميترو أثينا - التي كشفتها الحوادث التي كادت أن تقع - أو ميترو مدينة سالونيك ( الميترو، الذي يمثل واجهة لليمين، معطل في أغلب الأحيان فيها). قد يتيح ذلك أيضًا التساؤل عن الأولوية المطلقة التي تحظى بها السيارات والشاحنات والحافلات الخاصة من الناحيتين الاقتصادية والبيئية... وبشكل أعم، سيساعد ذلك على تقويض كل سياسة تفكيك الخدمات العامة وخصخصتها.
كما يعني ذلك أيضًا المطالبة بكشف الحقيقة حول مآسي أخرى. كان بعض المتظاهرين في التجمعات المنظمة في أثينا، يربطون رعب غرق السفينة في سواحل مدينة بيلوس، حيث قضى ما لا يقل عن 600 مهاجر حتفهم غرقًا في ظروف مريبة، بحادثة الجثث الممزقة لـ 8 مهاجرين/ات سقطوا من زورقهم بعد مناورات عناصر خفر السواحل البحرية في سواحل جزيرة رودس Rhodes. تشكل العدالة والتضامن في هذه الأيام التي تشهد تعبئة استثنائية، بذور البديل السياسي الفعلي، وينبغي أن تكون كذلك!
أثينا، 8 آذار/مارس عام 2025
- 1
إضافة إلى ذلك، ظل أحد ضحايا أحداث قطار تيمبي بعد عامين بين الحياة والموت.
نُشرت مقالات عديدة بقلم أندرياس سارتسيكيس في انتيكابتليست L'Anticapitaliste وانبريكور Inprecor حول المأساة وأسبابها والسخط الشعبي.حسب التسلسل الزمني: «كارثة السكك الحديدية في اليونان: "موتانا، أرباحهم"» « Catastrophe ferroviaire en Grèce : “Nos morts, leurs profits” » في 4 آذار/مارس 2023، «اليونان: موجة سخط بعد كارثة السكك الحديدية» « Grèce : vague de colère après la catastrophe ferroviaire » يوم 8 آذار/مارس 2023، «اليونان: "لن ننسى جريمة أحداث تيمبي بأي وجه"!» «Grèce: “Jamais on n’oubliera le crime de Tèmbi” ! » في 15 آذار/مارس 2023 في انتيكابتليست، «اليونان: تضافر النضالات حول الذكرى المأساوية لحادثة قطار تيمبي» «Grèce: Convergence des luttes autour du tragique anniversaire de Tèmbi » في 29 شباط/ فبراير 2024 في مجلة انبريكور،«اليونان: تعزيز النضالات وتوحيدها!» « Grèce : amplifier et unir les luttes ! » في 13 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، «اليونان: تعبئات لمعرفة أسباب مأساة حدث قطار تيمبي» في 20 شباط/ فبراير 2025، «اضراب جماهيري وتظاهرات تاريخية تضامنا مع ضحايا قطار تيمبي» « Grève massive et manifestations historiques pour les victimes de Tèmbi » في 1 آذار/ مارس 2025 في أنتيكابيتاليست.
https://npa-lanticapitaliste.org/actualite/international/grece-jamais-noubliera-le-crime-de-tembi
https://lanticapitaliste.org/actualite/international/grece-amplifier-et-unir-les-luttes
- 2
أثارت أغنية ضجة في هذه الظروف: تلك التي كتبها بالمناسبة المغني الممتاز فيفوس ديليفورياسFivos Delivorias ، وتمثل خطابا من أب إلى ابنه المقتول في الحادث. https://youtu.be/hq3eZ65RFJ0?si=7nZWDlKRuX537d4g
وترتبط أغنية أخرى في الحفل بالمأساة، ألقتها فرقة الراب كيني ثنيتي (مجرد بشر Simples mortels)، بعنوان ”Je vais tarder ce soir“ (”سأتأخر هذه الليلة“).
- 3
وعلى هذا النحو، انتقد الوزير اليميني القومي السابق أنطونيس ساماراس، االمطرود مؤخرًا من حزب الديمقراطية الجديدة، سلوك الحكومة المشين تجاه أسر الضحايا.
- 4
يتم إصدار مجلة برين Prin من قبل تيار اليسار الجديد NAR، الذي ظل لسنوات عديدة المجموعة الرئيسية لليسار المناهض للرأسمالية، والمتحدر من انشقاق طال الحزب الشيوعي اليوناني KKE في عام 1989، وخاصة في قطاع الشبيبة. انسحبت تيارات عديدة في السنوات الأخيرة من تيار اليسار الجديد NAR الذي عقد مؤتمره للتو لتأسيس منظمة جديدة تحمل اسم منظمة Kommounistiki Apeleftherossi (التحرر الشيوعي).
- 5
يمكن استخلاص فكرة عن الحشود الحاضرة يوم 28 شباط/فبراير من الصور التي جمعتها صحيفة ” إي أف سين “ Ef Syn (Quotidien des Rédacteurs).
https://www.efsyn.gr/ellada/koinonia/464653_deite-tin-istoria-apo-psila-drone-binteo-foto
- 6
لم ير ميتسوتاكيس في تجمعات يوم 28 شباط/فبراير سوى أقلية ضئيلة داعية إلى استقالته: إذ يعتقد أن الأغلبية الساحقة من المتظاهرين/ات متفقة معه على ضرورة مضي اليونان قدما. وإذا لم تصله أصوات مئات آلاف الشعارات التي تطالب باستقالته وتصف حكومته بالقتلة، فقد تجاوزنا مرحلة الاستفزاز... علاوة على ذلك، أعلن يوانيس إيكونومو Iannis Ikonomou المتحدث باسم الحكومة لحظة وقوع مأساة تيمبي في 7 مارس/آذار أمام الجمعية الوطنية رفض الخط الحالي القائم على تعبير «ميتسوتاكيس أو الفوضى»!
- 7
تعكس استطلاعات الرأي هذا الوضع المثير للقلق: في استطلاع للرأي (معهد GPO) بداية شهر آذار/مارس، حصل حزب الديمقراطية الجديدة على نسبة 23.1%، وحزب باسوك على نسبة 14.8% وحزب إلينيكي ليسي Elliniki Lyssi (يمين متطرف) على نسبة 9.2%، والحزب الشيوعي اليوناني (KKE) على نسبة 7.9%، وحزب بليفيزي إلفثيرياس Plevsi Eleftherias(بزعامة كونستانتوبولو) على نسبة 6.9%، وحزب سيريزا على نسبة 6%، وحزب فوا لوجيك Voix Logique (يمين متطرف) على نسبة 4.2%، وحزب نيكي Niki (يمين متطرف) على نسبة 2.2%، وحزب جبهة العصيان الواقعي الأوروبي ميرا Mera (بقيادة فاروفاكيس) على نسبة 1.8%، وحزب اليسار الجديد نيا أريستيرا Nea Aristera (انشقاق كوادر حزب سيريزا) على نسبة 1.7%. أعلنت نسبة 52.5% من المستطلعة آراؤهم/ن تأييدها إجراء انتخابات عامة سابقة لأوانها بسبب تطورات مأساة أحداث قطار تِيمبي.