مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

تركيا: من الحركة الكردية إلى التعبئات الجماهيرية

بقلم آيدن أوراز
عبد الله أوجلان يتفقد مقاتلين مسلحين في سبتمبر 1991. (c) Getty images

بمناسبة الاتفاق على حل حزب العمال الكردستاني، يقدم أوراز أيدن (Uraz Aydin) تاريخ هذه الحركة وتطورات الاحتجاجات ضد نظام أردوغان.

هل بوسعك تقديم نبذة عن حزب العمال الكردستاني (PKK) وتوجهاته الرئيسية، وما يميزه عن غيره من التشكيلات السياسية اليسارية أو القومية؟

يلزم وضع تأسيس حزب العمال الكردستاني في سياق متسم بتسييس وتجذر. شهدت سنوات الستينيات تطوراً في الحركة العمالية وتجذراً ثورياً، خاصة في أوساط الشبيبة. لكنها كانت أيضًا عقدًا من صحوة الوعي القومي الكردي. تحقق هذا التسييس القومي الكردي إلى حد كبير داخل حزب العمال التركي (TIP) الذي كان الفاعل السياسي الرئيسي في الحركة العمالية على مدى هذا العقد. في أواخر سنوات الستينيات، وخاصة بعد العفو العام الصادر في عام 19741، عندما أُطلق سراح آلاف المناضلين الأتراك والأكراد المعتقلين منذ التدخل العسكري في عام 1971، بدأ الثوار الأكراد في تأسيس منظماتهم المستقلة2. نشأ حزب العمال الكردستاني في أعقاب ذلك، لكن في وقت متأخر نسبياً. على الرغم من أنتاريخ المنظمة الرسمي يعود إلى عام 1973، لم يعقد مؤتمره التأسيسي سوى في عام 1978. كان سابقاً بمثابة نواة مكونة من طلبة وخاصة مدرسين ملتفة حول عبد الله أوجلان Abdullah Öcalan. كانوا يطلقون على أنفسهم اسم «ثوار كردستان»، لكن كانوا معروفين خاصة باسم «أبوجو» («أنصار أبو» – اختصار لاسم عبد الله). وهكذا، منذ البداية، كانت شخصية أوجلان تكتسي أهمية كبيرة.

على صعيد البرنامج، لم يكن هناك ما يميزه عن العديد من المنظمات اليسارية الكردية الراديكالية التي كانت تدعو إلى الكفاح المسلح من أجل «كردستان مستقلة وموحدة وديمقراطية واشتراكية» وفقاً لمنظور قائم على مراحل. لكن في غضون ذلك، كانت الأسلحة تستخدم بوجه خاص دفاعا عن النفس ضد تعديات اليمين الفاشي المتطرف المعروف باسم منظمة «الذئاب الرمادية» أو في الحرب الأخوية التي كانت تدور رحاها داخل صفوف اليسار الثوري. كان حزب العمال الكردستاني أحد المجموعتين الرئيسيتين اللتين لم تكونا مترددتين في استخدام السلاح ضد المجموعات الكردية (والتركية) المنافسة، لكن لم يكن الوحيد في هذا المجال. وعلى هذا النحو، قبل انقلاب عام 19803، كان حزب العمال الكردستاني منظمة ثورية كردية ضمن منظمات ثورية كردية أخرى.

 

ما مبرر شن كفاح مسلح ضد دولة تركيا في عام 1984؟

في الواقع، لم يبدأ انغراس حزب العمال الكردستاني في أوساط السكان الأكراد الفقراء والفلاحين سوى بعد عام 1984 خاصة. فلنعد قليلاً إلى الفترات السابقة. غادر أوجلان تركيا في عام 1979 أثناء حالة الطوارئ المعلنة في البلد، لكن قبل الانقلاب. كان ذلك عاملاً حاسماً في بناء المنظمة. على هذا النحو، كان له متسع من الوقت لعقد اتصالات مع مجموعات المقاومة الفلسطينية في سوريا ولبنان، وإعداد الظروف الملائمة لاستقبال مناضلي حركته في المنفى، مما سيشكل أيضا فرصة لاكتساب تدريب عسكري حقيقي. بعد انقلاب عام 1980، دعا عبد الله أوجلان مناضليه إلى العودة سراً إلى سوريا. حيث سيتلقوا تدريبهم في نفس المعسكرات التي يتدرب فيها الفلسطينيون بوادي البقاع اللبناني الذي كان خاضعاً للاحتلال السوري. سيشارك بعضهم في المقاومة ضد غزو إسرائيل للبنان. وسيفقد حزب العمال الكردستاني عشرات الأعضاء في هذه العملية، مما سيمنحه أيضًا بعض الشرعية.

هكذا أشعل حزب العمال الكردستاني الكفاح المسلح في آب/أغسطس 1984... لأن أوجلان كان يرى أن جيشه بات جاهزاً.كانت مسألة اللجوء إلى القتال العسكري كوسيلة لتحرير كردستان مبررة ليس بسبب الظروف أو موازين القوى السائدة في ذلك الوقت، بل على أساس برنامجي منذ عام 1978.

كان الهجوم على دولة تركيا مخططًا له منذ عام 1982، لكن تم تأجيله مرات عديدة. علاوة على ذلك، كان أوجلان يعمل آنذاك في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت التحالفات والخلافات بين مختلف الدول والحركات الكردية الوطنية (في العراق وإيران) تشكل أرضية شديدة التقلب. كان هذا السياق غير المستقر يؤثر أيضًا على ظروف النضال. إن التحالف الذي أبرمه مع مجموعة بارزاني Barzani، السائدة في شمال العراق، والتي كان ينظر إليها في السابق على أنها إقطاعية ورجعية، كان حاسماً على سبيل المثال في بناء معسكراته في الجبال على الحدود مع تركيا، وبالتالي شن حرب الغوار. وهكذا، بينما كانت جميع المجموعات الكردية والتركية الأخرى تسعى إلى صون قوتها في المنفى، في سوريا وبوجه خاص في أوروبا، كان حزب العمال الكردستاني الوحيد الذي انخرط في خوض كفاح مسلح فعلي. إن الشرعية التي اكتسبها مع تقدم هجماته أتاحت له الاستقطاب بشكل مطرد، على الرغم من تكبده خسائر كبيرة في صفوف مقاتليه على جبهات القتال.

 

بعد مرور 40 عامًا، ألا يبدو أن إعلان حل حزب العمال الكردستاني بمثابة فشل على الصعيدين العسكري والسياسي؟

أعتقد أن الأهداف العسكرية لم تعد قائمة بالفعل منذ عقود عديدة. إذا كان أوجلان، عند تأسيس الحزب وفي سنوات الثمانينيات، يرى أن أي هدف يقل عن الاستقلال (مختلف أشكال الحكم الذاتي، الكيانات الفيدرالية...) هدف رجعي، فإن زعيم حزب العمال الكردستاني كان شرع في مراجعة أفكاره منذ بداية سنوات التسعينيات، خاصة بعد سقوط الديكتاتوريات البيروقراطية. وسينتهي به الأمر، كما نعلم، إلى نقد شكل الدولة-الأمة.

كان أوجلان سعى بالفعل إلى إجراء مفاوضات في عام 1993. وبعد اعتقاله في عام 1999، بدأ في الدفاع عن توجه جديد تمامًا، مما شكل مفاجأة كبيرة لقادة/ات حزب العمال الكردستاني ومناضليه/ته المستعدين/ات لتصعيد الحرب والهجمات الانتحارية. كان هذا التوجه يروم إنهاء الكفاح المسلح لصالح وقف إطلاق النار بشكل دائم لتمهيد الطريق أمام حل سياسي. كان والحالة هذه يتخلى بشكل قاطع عن الهدف الاستراتيجي المتمثل في إقامة كردستان مستقلة. تلا ذلك سيرورتا تفاوض أخريان في 2007-2009 و2013-2015، لكن للأسف باءتا بالفشل. مع ذلك، فإن إنشاء منطقة روج آفا Rojava  المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال شرق سوريا يجب تفسيرها أيضًا في هذا الإطار العسكري والسياسي. يمثل وجود هيكل إداري مرتبط بحزب العمال الكردستاني على حدود تركيا مكسباً هاماً للتنظيم، وضد دولة تركيا، وفي مواجهة منافسه التاريخي في شمال العراق، زمرة البارزاني وحزبها الديمقراطي الكردستاني.

 

أين وصلت المفاوضات الجديدة اليوم؟

يجب توضيح أن الحركة الكردية ليست مجرد حركة مسلحة. إذ تمكن حزب العمال الكردستاني من تشكيل حركة جماهيرية تضم ملايين الأشخاص، بهياكل مدنية متنوعة تطورت أحياناً بديناميات مستقلة، على الرغم من استبداد المنظمة. واليوم، يبدو أن القاعدة المدنية الديمقراطية أكثر أهمية وفعالية إلى حد كبير في كفاحها مقارنة بالهيكل المسلح على صعيد ما ينبغي تحقيقه للشعب الكردي من أهداف. وبالتالي، إذا كانت هناك بالتأكيد سمات قابلة للانتقاد بشدة مثل استبدادها، وفرط عبادة الزعيم، والإعدامات الجماعية التعسفية الداخلية (خاصة في مطلع سنوات 80-90)، وعشرات الهجمات العشوائية... لا بد من الاعتراف بأن هذه الحركة، مع مرور الوقت، ساهمت بشكل كبير في توطيد وعي قومي لدى الشعب الكردي، ورسخته إلى حد كبير يسارا، مع قيم نسوية ومبنية على المساواة وأخوة بين الشعوب. يمثل ذلك، من وجهة نظر تاريخية، ميزة مهمة.

على صعيد المفاوضات، بدأ كل شيء بمكالمة هاتفية غير متوقعة من زعيم اليمين المتطرف والحليف الرئيسي لأردوغان، دولت بهجلي Devlet Bahçeli، في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2024، دعا فيها عبد الله أوجلان إلى التوجه إلى البرلمان لإعلان نهاية الكفاح المسلح وحل حزب العمال الكردستاني. بعد فترة من المفاوضات الغامضة للغاية بين دولة تركيا وأوجلان، بمشاركة وفد من حزب اليسار الأخضر DEM (حزب إصلاحي يساري متحدر من الحركة الكردية) وقيادة حزب العمال الكردستاني، أعلن مؤسس المنظمة، من سجنه في جزيرة إمرالي Imrali في بحر مرمرة، في رسالة بتاريخ 27 شباط/فبراير 2025، ضرورة أن يقوم حزب العمال الكردستاني بحل نفسه.

نجهل ما دار من نقاشات داخل المنظمة. كانت هناك بالفعل توترات بين عبد الله أوجلان والمجلس الرئاسي للمنظمة في المفاوضات السابقة. وبالتالي، من الصعب تصور أن قيادة حزب العمال الكردستاني وافقت بسرعة على سيرورة تم الإعلان عنها بشكل مفاجئ. تؤكد قيادة المنظمة بشدة على ضرورة أن يقود أوجلان السيرورة برمتها، مما يمكن تفسيره بعدم رغبتها في تحمل مسؤولية ذلك مباشرة.

 يشكل نزع سلاح حزب العمال الكردستاني بالتأكيد أساساً مهماً لتجريد المسألة الكردية من طابعها العسكري، حتى لو كان نظام أردوغان سيسعى بلا شك إلى توجيه هذا السيرورة وفقاً لمصالحه، وخاصة لتحطيم التحالف بين الحركة الكردية والمعارضة الديمقراطية البرجوازية بقيادة حزب الشعب الجمهوري (CHP)4، الذي يجرمه النظام. مع ذلك، لا نعرف دوما المكاسب الديمقراطية التي سيحققها الأكراد بعد حل حزب العمال الكردستاني. من المرجح أن تتشكل لجنة برلمانية لتحديد الإجراءات اللازمة. ينبغي أن تشمل هذه الإجراءات، في مرحلة أولى، الإفراج عن المعتقلين/ات السياسيين/ات (المرتبطين/ات بالحركة الكردية)، وإلغاء الوصاية (kayyum) على البلديات الكردية وإعادة العُمد إلى مناصبهم، وإعادة إدماج أساتذة تجمع «أكاديميون من أجل السلام» في وظائفهم، وإتاحة الفرصة لأوجلان لقيادة حركته بحرية، والتواصل مع الخارج، وتلقي الزيارات، إلخ.

ينبغي وفقا للحركة الكردية أن تأتي بعد ذلك إصلاحات أخرى أكثر هيكلية، تتعلق بالوضعية الاعتبارية لهويتهم وثقافتهم القومية داخل مجتمع تركيا، مما قد يستلزم دستورا جديدا. يعتزم أردوغان بالفعل تغيير الدستور ليتمكن من الترشح في الانتخابات المقبلة. هل سيكون دستورًا يضمن حقوق الأكراد ويوطد في الوقت نفسه الطابع الاستبدادي للنظام؟ هذا السؤال مثير للنقاش، لكن لم نصل إلى هذا الطور بعد. تكمن مشكلة أخرى في الترتيب الذي ستتبعه هذه الخطوات. فهل ستنتظر الدولة حتى تستكمل عملية تسليم السلاح لتطبق الإصلاحات الديمقراطية المفترضة، أم أن العمليتين ستتداخلان؟ قد يبدو أن أردوغان يفضل الاحتمال الأول – الذي من الصعب على حزب العمال الكردستاني قبوله – في حين أن بهجلي يبدي موقفاً أكثر واقعية في هذا الشأن.

 

ما التطور السياسي الذي تشهده تركيا منذ الحركة المناهضة لسجن عمدة إسطنبول، إمام أوغلو İmamoğlu؟

بعد 19 آذار/مارس، شهدنا حراكاً اجتماعياً لم يسبق له مثيل منذ مدة طويلة. نزل ملايين المواطنين والمواطنات إلى الشوارع دفاعاً عن العُمد المنتخبين وحق التصويت والديمقراطية والحرية. على الرغم من أن الحركة كانت غير متجانسة إلى حد كبير، يمكن ملاحظة تجذر ملحوظ خاصة بين شبيبة الجامعات والمدارس الثانوية.

كما هو الحال غالبًا بعد تفجر الاحتجاجات العفوية، تلاشى زخم الحركة بعد مرور بعض الوقت. مع ذلك، استمر الزخم لحظة بفضل حملات المقاطعة ضد بعض المجموعات الرأسمالية الداعمة لحزب العدالة والتنمية. لكن في غياب أسس نضال اجتماعي مستدامة، وبرامج عمل وأشكال تنسيق قادرة على إطالة أمد المقاومة - باستثناء إصدار حزب الشعب الجمهوري دعوات متفرقة إلى تنظيم تظاهرات - يمكن القول إن الحركة فقدت زخمها في الشارع اليوم، حتى وإن بقيت موجة السخط قائمة بشدة.

لكن النظام يواصل قمعه ضد حزب الشعب الجمهوري عبر شن عدة موجات متتالية من الاعتقالات في مختلف بلديات اسطنبول. يوجد حالياً 11 عمدة رهن الاعتقال في انتظار المحاكمة. وشُنت آخر موجة من حملة «محاربة الفساد» ضد العمدة السابق لحزب الشعب الجمهوري في مدينة إزمير وطاقمه (ما مجموعه 160 شخصاً رهن الاعتقال الاحتياطي). نحن الآن في اليوم المائة من اعتقال إمام أوغلو، ولا تزال قائمة الاتهامات ضده غير جاهزة. مما يدل بوضوح مدى تعسف نظام أردوغان بشكل صارخ. إلى جانب ذلك، هناك أيضا محاولة قانونية لتقسيم حزب الشعب الجمهوري. تم رفع دعوى قضائية بسبب مخالفات مزعومة أثناء مؤتمر حزب الشعب الجمهوري لعام 2023، حيث تم انتخاب أوزغور أوزيل Özgür Özelرئيسًا جديدًا للحزب - وهو زعيم يتبنى، منذ اعتقال إمام أوغلو، سياسة معارضة غير معتادة بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري. 

مع ذلك، فإن الرئيس السابق للحزب والمرشح السابق للرئاسة، كمال قلجدار أوغلي Kemal Kılıçdaroğlu، الذي كان خسر أمام أردوغان في عام 2023، يلمح، في إطار منطق انتقامي، إلى إمكانية استعادته رئاسة الحزب في حال إلغاء المؤتمر.كما يؤكد في اعتقاده أن التعبئة التي اندلعت في 19 آذار/مارس كانت عديمة الجدوى، وأنها شأن بين إمام أوغلو والقضاء. وبالتالي، يسود توتر واضح وعلني بين فريق كمال قلجدار أوغلي وفريق أوزيل وإمام أوغلو. وفي الوقت الحالي، تم تأجيل المحاكمة إلى شهر أيلول/سبتمبر.

 

ما وضع الحركة العمالية حالياً؟

لم تقم المنظمات النقابية للحركة العمالية عمليا بأي دور يذكر في هذه الحركة الاحتجاجية. لم تقم الطبقة العاملة في حد ذاتها بالتعريف عن نفسها في الحركة. لا يزال جزء مهم من السكان منفتح على دعاية أردوغان، على الرغم من تدهور حاد في القوة الشرائية منذ سنوات عديدة. وحتى هذه اللحظة، لم تبذل سوى جهود ضئيلة للغاية (خاصة من قبل اليسار الجذري والمناهض للرأسمالية والثوري) حتى يتسنى استيعاب أن المسألة الديمقراطية والمسألة الاجتماعية وثيقتا الارتباط.

يجب إثراء التطلعات الديمقراطية بمضمون طبقي. إن «الصدمة البروليتارية»، على حد قول إرنست بلوخ Ernst Bloch ، لا تزال الغائب الرئيسي عن إطار الكفاح ضد النظام. إنها تشكل ما يواجهه اليسار الثوري من مهمة استراتيجية أكثر أهمية وحسماً من الناحية التاريخية وأكثر صعوبة. وتتمثل في تجاوز الانقسام الثقافي-الديني الذي يشكل استمراره وتعميقه السلاحَ الرئيسي لحزب العدالة والتنمية، ثم إحلال التقاطب الطبقي مكانه.

لكن للعودة إلى ضعف النقابات في الحركة، ثمة أسباب عديدة لذلك: أولاً، معدل الانخراط في النقابات ضعيف في تركيا، حيث يناهز نسبة 15٪ وحسب. ومن اللازم الأخذ في الاعتبار أن هذه النسبة لا تشمل سوى العمال/ات «المسجلين/ت» في القوائم الرسمية، وبالتالي لا تضم من يعملون/ن بشكل غير رسمي. وعلى هذا النحو، فإن نسبة الانتساب إلى النقابات في الواقع أدنى من ذلك بكثير.

علاوة على ذلك، فإن أكبر الاتحادات النقابية تابعة لليمين المحافظ والقومي. ويوجد بعضها تماماً في حضن حزب العدالة والتنمية. وبالتالي، ينبغي عدم توقع قيام هذه النقابات بتنظيم إضراب، خاصة في ظلّ السياق السياسي حالياً. يمثل اتحاد النقابات الثورية في تركيا DISK واتحاد نقابات موظفي القطاع العام KESK أكثر الاتحادات النقابية يسارية. لكن هنا كما الحال في أماكن أخرى، لا توجد دوماً ترابطات عضوية متينة للغاية بين النقابات وأعضائها، وتحوم شكوك جدية حول مشاركة العمال بشكل جماعي في هذه الإضرابات. بقدر ما أن ذلك قد يعرضهم بشكل كبير لخطر فقدان فرص عملهم، نظراً لأن القوانين، وحتى الدستور، لم يعد لها أي معنى في هذا البلد. منذ عدة سنوات، أصبح كل إضراب محظوراً («مؤجلاً») بذريعة الإخلال بالأمن القومي.

مع ذلك، في حزيران/يونيو 2025، شهدت بلدية إزمير إضراباً بمشاركة 23000 عامل وعاملة، وكان مطلبهم/ن الرئيسي، المشروع للغاية، قائماً في الحصول على زيادات في الأجور والمساواة في الأجور مع زملائهم الذين يؤدون نفس العمل. كانت نقابة عمال الخدمات العامة في تركيا  Genel-Iş، المنضوية تحت لواء اتحاد النقابات الثورية في تركيا DISK، قادت الاضراب، المنظَّم بشكل أساسي في بلديات حزب الشعب الجمهوري (CHP) وبتفاهم تام معها. لم يستمر الإضراب سوى أسبوع واحد، وحقق العمال مكاسب دالة في أعقابه5. لكن تفاعل حزب الشعب الجمهوري وفصيل «الياقات البيضاء» في الطبقة العاملة مع هذا الإضراب كان سلبياً للغاية: «أنتم تخدمون مصلحة حزب العدالة والتنمية عبر إضعاف بلدياتنا»، «لماذا يطالب عمال النظافة بنفس أجور الأطباء؟». أظهرت لنا هذه الردود مرة أخرى مدى أهمية إعادة بناء التضامن والوعي الطبقي دوماً حتى (وربما بوجه خاص) في أوقات التعبئة ضد نظام دكتاتوري.

 

ما الحالة الذهنية السائدة في أوساط السكان بوجه الحروب التي تشنها إسرائيل؟

من الواضح تماماً أن معاداة الصهيونية موقف يتقاسمه جميع السكان تقريبًا. لكن هناك بعض الصعوبات في بناء حركة موحدة لدعم فلسطين ومناهضة العدوان الإسرائيلي على إيران. يتبنى النظام الإسلامي والقومي بقيادة أردوغان، بطبيعة الحال، موقفاً معادياً لإسرائيل وينظم تجمعات حاشدة تضامناً مع فلسطين. لكن من المؤكد أن التجارة مع إسرائيل والعلاقات المالية والعسكرية مع تل أبيب مستمرة! مؤخراً، أعلن سلجوق بيرقدار Selçuk Bayraktar، صهر الرئيس التركي أردوغان، وصانع الطائرات المسيرة التركية الشهيرة، عن إنشاء شركة مشتركة مع شركة ليوناردو Leonardo الإيطالية التي تتعرض لانتقادات بسبب بيعها أسلحة لإسرائيل وتستهدفها تظاهرات في مدن عديدة في العالم. من ناحية أخرى، فإن نظام رادار كوريجيك Kürecik، الواقع في قاعدة حلف شمال الأطلسي في مقاطعة ملطية بتركيا، مدمج مباشرة في شبكة الدفاع الإسرائيلية. وبالتالي، فإن معاداة أردوغان للصهيونية مجرد خطاب رنان أكثر من كونها حقائق ملموسة.

تكمن صعوبة أخرى في أن الحركة الكردية نادراً جداً ما تنظم أشكال تعبئة دعماً للقضية الفلسطينية. اتسمت العلاقات بين الحركة الكردية والمقاومة الفلسطينية - سواء بين أوجلان وعرفات، أو بين حزب العمال الكردستاني ومنظمة التحرير الفلسطينية أو حماس - بتوترات وخلافات منذ سنوات 1990. وفي الآونة الأخيرة، كان جميل بايق Cemil Bayık، أحد قادة حزب العمال الكردستاني، انتقد أساليب حماس أثناء عملية «طوفان الأقصى» وأعلن أن على الشعبين الفلسطيني واليهودي إيجاد سبل العيش في إخاء. لكن السبب الأكثر ارتباطاً بالظروف الراهنة يكمن بلا شك في دعم واشنطن وتل أبيب لوحدات حماية الشعب YPG (المنضمة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) FDS)6، التي يُنظر إليها على أنها حليف في سوريا. كان أوجلان انتقد بشدة هذا الوضع. أثناء لقائه مع وفد حزب اليسار الأخضر DEM في 21 نيسان/أبريل 2025، كان قد أشار في معرض حديثه عن قوات سوريا الديمقراطية (FDS) إلى أن «إسرائيل شكلت حشدها الشعبي الخاص بها» (في إشارة إلى ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران والتي تنشط في العراق).

 

هل يمكن أن نشهد تقارباً جديداً بين الحركة الكردية والمعارضة، على الرغم من مناورات أردوغان؟

تجدر الإشارة إلى أن التقارب بين الحركة الكردية والمعارضة البرجوازية العلمانية كان فعالاً بوجه خاص في الانتخابات. كانت هاتان القوتان المعارضتان بحاجة إلى بعضهما البعض للانتصار على قوى النظام، على صعيدي الانتخابات البلدية والرئاسية على حد سواء. في آخر المطاف، لم يكن ذلك كافياً لإطاحة أردوغان في عام 2023. من الصعب للغاية توقع ما ستكون عليه موازين القوى ومواقف كل عنصر من هذه العناصر بحلول موعد الانتخابات المقبلة، المقررة في عام 2028، لكن من المرجح جداً أن تقام قبل ذلك. هل ستستمر سيرورة السلام في ظل كل ما يسود الشرق الأوسط من انعدام استقرار وأجواء حرب؟ كيف ستكون حالة حزب الشعب الجمهوري بعد هذه المحاولة الجبارة لتجريمه؟ هل سيتم الإفراج عن أكرم إمام أوغلو، وهل سيكون بوجه خاص مؤهلاً للتمكن من توحيد المعارضة ضد أردوغان؟

لكن أعتقد أن الأهم هو بناء هياكل قادرة على ضمان مواصلة النضالات ضد النظام في مختلف المجالات. سواء تعلق الأمر بالمعركة ضد فتح مناطق الزيتون للاستغلال المنجمي، أو حركة النساء، أو أزمة السكن التي أصبحت مشكلة كبيرة، أو حركة مجتمع الميم-عين LGBTI، أو حتى تعبئة الآباء ضد تسليع التعليم وأسلمته، يجب أن يتمثل الهدف الأساسي لليسار الثوري، في خلق هياكل وأشكال تنسيق ولجان في جميع هذه المجالات، استعداداً للتعبئات الجماهيرية الاجتماعية و/أو الديمقراطية القادمة، ومنع دينامية النضال هذه من التلاشي في ظرف بضعة أسابيع.

 

4 تموز/يوليو 2025

هذا الحوار نسخة محيّنة من ذاك الذي أجراه مع موقع SolidaritéS على الرابط التالي.

  • 1

    تشكل مذكرة 12 آذار/مارس 1971 انقلاباً عسكرياً بـ«الطريقة التركية»، حيث قام الجيش، دون الاستيلاء على السلطة مباشرة، بفرض حكومة استبدادية بذريعة استعادة النظام. كان هذا التدخل يروم سحق الحركات العمالية والطلابية التي كانت في أوج زخمها، وفرض قمع وحشي على اليسار الثوري. مع ذلك، مع وصول بولنت أجاويد Bülent Ecevit إلى السلطة في عام 1973، صدر عفو عام، مما أتاح الإفراج عن مناضلين يساريين عديدين اعتقلوا بعد الانقلاب.

  • 2

    يرى تيارنا أن فكرة ضرورة أن تتم الثورة في البلدان الخاضعة أو الإقطاعية على مرحلتين، أولاً، الثورة الوطنية أو البرجوازية، التي قد تشكل رأسمالية ديمقراطية ومستقلة عن الإمبريالية، ثم بعد ذلك الثورة الاجتماعية، إنما هي بمثابة فكرة ثورة «عبر مراحل». نعارض هذا التصور بنظرية الثورة الدائمة، التي تشير إلى ضرورة دمج المرحلتين لتحقيق الانتصار.

  • 3

    في 12 أيلول/سبتمبر 1980، استولى الجيش على السلطة متذرعاً بحدوث مواجهات بين المجموعات السياسية اليسارية واليمينية القومية. أدى هذا الانقلاب إلى تدمير مكاسب النضالات العمالية والشعبية، وإقامة نظام دكتاتوري عسكري دموي، وإرساء أسس النيوليبرالية الاستبدادية في تركيا.

  • 4

    ) Cumhuriyet Halk Partisi، حزب الشعب الجمهوري، حزب تأسس عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك، عضو في الأممية الاشتراكية وعضو مشارك في حزب الاشتراكيين الأوروبيين.

  • 5

    زيادة في الأجور بأثر رجعي بنسبة 30٪ عن الأشهر الستة الأولى من العام وزيادة بنسبة 19٪ في تموز/يوليو. يتجاوز معدل التضخم في تركيا 35٪ سنوياً، وفقاً للأرقام الرسمية.

  • 6

    تشكل وحدات حماية الشعب (باللغة الكردية: Yekîneyên Parastina Gel) الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الكردي في سوريا. تمثل قوات سوريا الديمقراطية (FDS) القوات التي تضم وحدات حماية الشعب (YPG).

المؤلف - Auteur·es

آيدن أوراز

ينتمي أورز أيدين إلى مئات أساتذة تجمُّع «أكاديميون من أجل السلام»، طُردوا من وظائفهم في عام 2016 بسبب التوقيع على عريضة ضد أعمال العنف التي ارتكبتها الدولة ضد الشعب الكردي. يشتغل اليوم مترجماً وصحفياً مستقلاً، بعد منعه من العودة إلى عمله في الجامعة. أيدن عضو اللجنة المركزية في حزب العمال التركي (TIP) والمكتب التنفيذي للأممية الرابعة.