مجلة وموقع تحت مسؤولية المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

كتابات ماركس في طورها الأخير، حول الاستعمار والجندر وشيوعية الشعوب الأصلية: مقابلة مع كيفن أندرسون

بقلم كيفن أندرسون

كتابات ماركس في طورها الأخير، حول الاستعمار والجندر وشيوعية الشعوب الأصلية: مقابلة مع كيفن أندرسون. حاوره: فيديريكو فوينتيس

يركز كتابك الجديد على الطور الأخير في كتابات ماركس. لماذا هذا الاهتمام الخاص بماركس في طوره الأخير؟ هل تسعى إلى مقارنته بـ ”ماركس المبكر“؟

على غرار ما حدث قبل عقود بشأن «ماركس المبكر»، تجري المناقشات حول «ماركس في طوره الأخير» منذ مدة، برغم أنها لم تتبلور فعليًا إلا في السنوات الخمس الأخيرة. صدر كتابي «ماركس ومجتمعات الأطراف »1 قبل حوالي 15 عامًا، متناولا بعض كتابات ماركس في طوره الأخير، كانت متاحة آنذاك. لكن في السنوات الخمس الماضية، صدر كتاب كوهي سايتو، Karl Marx's Ecosocialism: Capital, Nature, and the Unfinished Critique of Political Economy (إيكولوجية ماركس: رأس المال والطبيعة والنقد غير المكتمل للاقتصاد السياسي)، وكتاب مارسيلو موستو، The Last Years of Karl Marx: An Intellectual Biography (السنوات الأخيرة من حياة كارل ماركس: سيرة فكرية)، من بين كتب أخرى عديدة.

في رأيي، لا يمكننا رفض ماركس في طوره الأخير ولا ماركس المبكر، فكلاهما ماركس، و لدى كليهما أشياء كثيرة مهمة. فضلا عن أنني لا أعتقد بإمكان الحديث عن قطيعة بين ماركس «الناضج» في «رأس المال» و«الغروندريسة» وأي من هاتين الفترتين. ما أردت فعله في هذا الكتاب هو تدقيق كون الطور الأخير من حياة ماركس يمثل حقبة مختلفة في كتاباته.

 

تلاحظ، في مقدمتك للكتاب، تركيز بعض الماركسيين حصرا على كتابات ماركس بشأن رأس المال على حساب مسائل أخرى؟ ما هي المسائل الأخرى التي تود لفت الانتباه إليها في كتابك؟

اشتغل العديد من الباحثين الآخرين على أفكار ماركس في نهاية حياته بشأن البيئة، فيما ركزت أنا اهتمامي على ملاحظاته الخاصة بالعرق والجندر والاستعمار. هذه المسائل حاضرة في جميع كتابات ماركس، حتى في أعماله الأولى. لكن بعض الجوانب تغدو أكثر وضوحًا بمُضيِّ الوقت، سواء من الناحية الكمية أو من حيث المواقف الجديدة التي تبنّاها. هذا ما أسعى إلى إبرازه.

 

لماذا تكتسي هذه المسائل أهمية لفهمنا لنقد ماركس للرأسمالية؟

إذا نظرنا إلى الفصل قبل الأخير بالمجلد الأول من كتاب «رأس المال»، نجد ماركس يتحدث عن تنامي تركز قوى الإنتاج، ما يؤدي بدوره إلى نمو الطبقة العاملة وتركزها بما هي اجتماعية. يصف ماركس كيف يتطور رأس المال بمرور الوقت، موضحًا أن وقت الانتقال الثوري قادم، وأنه يجب إطاحة رأس المال لتجاوز تناقضات الرأسمالية.

لكنه لا يشير بتاتا إلى العرق أو الجندر أو الدولة. ما يعرضه ماركس نموذجٌ مجرد — مجرد بالمعنى الإيجابي، لأنه يحاول التركيز على أبرز خصائص الرأسمالية. لكن هذا يعني أن تفسيره للرأسمالية في المجلد الأول من «رأس المال» يظل على مستوى عام جدًا، ممكن التطبيق على كل المجتمعات الرأسمالية الصناعية تقريبًا.

لكن، عندما تفحصٍ عن كثب، ومقارنة الرأسمالية في إنجلترا عام 1870 بالرأسمالية في الولايات المتحدة اليوم، على سبيل المثال، يمكن تبينٌ فوري لكونها أكثر تعقيدًا. وقد تعمق ماركس في هذه التعقيدات طوال حياته، حتى في سنواته الأولى.

على سبيل المثال، كان ماركس ينظر إلى الولايات المتحدة والبرازيل، اللتين كانتا البلدين الرأسماليين الكبيرين الوحيدين المعتمدين على إنتاج حديث قائم على العبودية، على أنهما شكلان من أشكال الرأسمالية العنصرية.في خمسينات القرن التاسع عشر، كتب أن الثورة ربما لن تبدأ في البلدان الأكثر تقدماً صناعياً، بل في الأطراف، أي الصين والهند. وعندما اندلعت انتفاضة في بولندا عام 1863، كتب ماركس إلى فريدريك إنجلز قائلاً: «يمكن للمرء أن يأمل أن تتدفق الحمم البركانية هذه المرة من الشرق إلى الغرب». لكن هذه الأفكار لم تكن قط مفصلة جداً في تلك الحقبة.

شرع ماركس، في أواخر حياته، يركز عن كثب على هذه المسائل. على سبيل المثال، نظر ماركس إلى التفاعلات بين القطاعات المستعمرة وما يسمى بالدول الرأسمالية المركزية، مثل التفاعلات بين أيرلندا وإنجلترا. لكنه اهتم أيضًا بعلاقة الإنجليز والأيرلنديين في إنجلترا، معتبرا إياها شبيهة في بعض الأوجه للعلاقة العنصرية بين الشغيلة البيض والسود في الولايات المتحدة.

هذا أمر بالغ الأهمية، لأن هاذين العنصرين مرتبطان مباشرة بالاستعمار: من ناحية، ثمة العامل الاستعماري الأيرلندي والحركة القومية (التي يساندها) وتأثيرها على الرأسمالية البريطانية. ومن ناحية أخرى، هناك البروليتاريا من المهاجرين الأيرلنديين في إنجلترا الذين أُجبِروا على الهجرة، بسبب كان إلى حد بعيد هو الاستعمار البريطاني. لذا، فإنه يتناول هذه المسألة من زوايا مختلفة.

لسوء الحظ، يعتبر بعض الماركسيين اليوم أن مثل هذه التعقيدات والقضايا الخاصة بمجتمعات رأسمالية مختلفة هي أمور لا طائل منها، في حين أنها في الواقع فائقة الأهمية.

 

هل أثر تطور آرائه على رؤيته للثورات؟

نموذج ماركس المجرد قاده في البداية إلى اعتقاد أن إنجلترا، نظرًا لصناعاتها الكبيرة وطبقتها العاملة، هي البلد الوحيد الذي يستوفي الشروط الاقتصادية اللازمة لثورة مناهضة للرأسمالية.

لكن تفكيره بدأ، بحلول متم سنوات 1860، يشهد تغيرا. كان ماركس لا يزال يرى أن الشغيلة البريطانيين يتمتعون بإمكانات ثورية كبيرة، لكنه بدأ يدرك أن الطاقة الثورية قد تأتي من خارج القطاعات الصناعية الأكثر تقدماً في الطبقة العاملة الإنجليزية. بدلاً من ذلك، بدأ ماركس بالأحرى يرى أن انتفاضة زراعية في أيرلندا قد تكون الشرارة التي تهز بريطانيا وتدفعها في وجهة ثورية.

بزغ عنصر آخر في كتابات ماركس في متم سنوات 1870، ومطلع سنوات 1880.بدأ يعتبر هذه التمردات في الأطراف ليس فقط ذات أهمية سياسية لإضعاف قوة البلدان الرأسمالية المركزية، بل أيضًا حاملة لإمكانات شيوعية. ركز بوجه خاص على روسيا، التي بدأ يعتبرها مركز الطاقة الثورية الجديد في القارة.

وضع ماركس، في آخر ما كتبمقدمة البيان الشيوعي لعام 1882السؤال التالي: «هل يمكن أن تنتقل الأوبشينا (الكمونة الفلاحية) الروسية، برغم تأكلها الشديد، لكنها لا تزال شكلاً من أشكال ملكية الأرض الجماعية البدائية، مباشرة إلى شكل أعلى من الملكية الجماعية الشيوعية؟» جوابه هو أنه «إذا أصبحت الثورة الروسية إشارة لثورة بروليتارية في الغرب، بحيث يكمل كل منهما الآخر، فإن الملكية الجماعية الحالية للأرض في روسيا يمكن أن تكون نقطة انطلاق تطور شيوعي".

يمثل هذا انعطافا كبيرًا عن لغة البيان الشيوعي في عام 1848. في ذلك الوقت، كان ماركس يقول إن العلاقات الزراعية القديمة يجب أن تُقتلع وتُدمَّر. ولهذا السبب أيد التجارة الحرة؛ كان يريد أن ننتشر الرأسمالية في كل مكان وتقلب البنيات القديمة ما قبل الرأسمالية. بات ماركس يقول إن العناصر الموجودة داخل هذه البنيات الاجتماعية ما قبل الرأسمالية — ما كان يسميه بالشيوعية البدائية يمكن أن تكون أساسًا لحركة ثورية.

 

ماذا يمكنك أن تخبرنا عن نظرة ماركس إلى الجندر والرأسمالية في كتاباته الأخيرة؟

اهتم ماركس كثيرا بالجندر في أواخر حياته. كتاب إنجلز، أصل العائلة والملكية الخاصة والدولةوهو كتاب رائع من نواحٍ عديدة — مستند إلى حد كبير إلى ملاحظات كتبها ماركس في السنوات الثلاث الأخيرة من حياته. لكن مسألة الجندر كانت من أصعب أجزاء كتابي.

كانت إحدى الصعوبات تكمن في أن كتابات ماركس عن المجتمعات الأصلية (بشكل رئيس في الأمريكتين) وعن اليونان القديمة وروما مليئة بالمناقشات حول الجندر، لكن هذه القضية لا ترتبط مباشرة بالحركات الثورية وبالطعن في النظام. تتحدث كتاباته عن أيرلندا في أواخر سنوات 1860 أو عن روسيا في سنوات 1870 كثيرًا عن الثورة، لكنها لا تذكر الجندر بشكل محدد. لم يعد إلى هذه المسألة إلا في نهاية حياته، في عام 1881، عندما نظر، على سبيل المثال، إلى الجندر في أيرلندا قبل الاستعمار البريطاني.

بيد أن كتاباته تبدو إلى حد ما في اتجاه معاكس لما كتب إنجلز لاحقًا. إذ كان إنجلز يقول إن ارتباط النظام البطريركي والعلاقات الجندرية بالملكية الخاصة والدولة يستتبع أنه باستهداف هذه الأخيرة يكون استهداف الأبوية والعلاقات الجندرية. حدا هذا الرأي بإنجلز إلى كتابة عبارة مقتبسة من هيجل: ”كانت إطاحة الحق الأمومي هزيمة تاريخية عالمية للجنس الأنثوي“.

بيد أنه عندما نظر ماركس في العلاقات بين الجنسين عند الإغريق والرومان، لم يعتبرها هيمنة مستمرة. أكد ماركس أن النساء الرومانيات كن يتمتعن في بعض النواحي بحرية أكبر من النساء الأثينيات. يبدو هذا دالا على أنه كان يرى أطوار صعود وهبوط في العلاقات بين الجنسين، وليس هزيمة تاريخية عالمية غير متمايزة، كما وصفها إنجلز.

إذا فكرنا في هزيمة تاريخية عالمية متواصلة للنساء، تظهر مشكلتان. أولاً، هذا ينفي دور النساء على مدى آلاف السنين، كما يشير ماركس فيما يخص روما، أو كما يمكن ذكره في سياقات أخرى عديدة.

ثانياً، إذا حدثت هذه الهزيمة، التي عززت النظام البطريركي، متزامنةً تقريباً مع ظهور الملكية الخاصة والدولة، فيمكننا في ظل الرأسمالية الحديثة مهاجمة النظام البطريركي بفعالية أكبر باستهداف الملكية الخاصة الرأسمالية بما هي الأساس الاقتصادي لكل من النظام البطريركي والدولة. وتلا ذلك أن كانت حركات النساء ملحقة لليسار الاشتراكي، وليس مستقلة. كان ذلك، في الواقع، سياسة جيل الاشتراكيين الذي أعقب ماركس وإنجلز.

 

كيف أثرت كل هذه التطورات على أنشطة ماركس الثورية؟

لنأخذ أيرلندا مثالا: كان ماركس وإنجلز في البداية، رغم دعمهما الدائم لأيرلندا ضد بريطانيا، معاديين جدًا للقوميين الأيرلنديين البرجوازيين، معتبرين إياهم غير مبالين بالطبقة العاملة.

لكن ظهرت، بحلول 1869-1870، حركة قومية تقدمية في أيرلندا، هي أخوية الفينيان، التي كانت حركة شعبية تهتم بخفض الإيجارات بقدر اهتمامها بطرد المحتل الأجنبي. لم تكن حركة اشتراكية، لكنها كانت حركة واعية بالصراع الطبقي.مع ذلك، أشاد ماركس بأخوية الفينيان وبرنامجها الزراعي.

وخلص ماركس أيضًا إلى وجوب عملٍ مُضنٍ لكسب ثقة الشغيلة الأيرلنديين في إنجلترا، خاصة وأن معظم الأشخاص الذين عمل معهم في الفرع المحلي لجمعية الشغيلة العالمية (الأممية الأولى) كانوا إنجليزا. وقال إنهم بحاجة إلى إعلام العمال الأيرلنديين بأنهم يدعمون حقهم في تقرير المصير، وحتى الاستقلال إذا كان ذلك ما يريدونه، من أجل كسر حاجز عدم الثقة، وفصل هؤلاء الشغيلة عن القوميين البرجوازيين وكسبهم إلى الأممية.

كان الوضع مغايرا تمامًا في روسيا. لم تكن ثمة حركة قومية، وبكل الأحوال لم  تكن ثمة حركة قومية يسارية. بدلاً من ذلك، كان هناك كل صنوف الاشتراكيين. كان معظمهم مثقفين معجبين بكتاب «رأس المال» وأرادوا تطبيقه بشكل دوغمائي على روسيا. كان يتحدثون عن الحاجة إلى طرد الفلاحين من أراضيهم من أجل تصنيع روسيا وخلق طبقة بروليتارية. أجابهم ماركس أن هذا ليس ما كان يقصد. لكن كان هناك أيضاً جناح آخر، الشعبويون، يعوزهم الوضوح النظري، لكن ماركس كان معجباً بهم لأنهم أيضاً كانوا يرون أن للفلاحين الروس طاقة ثورية كامنة.

بالطبع، لا نعرف ماذا كان من شأن ماركس أن يفعل بكتابات طور حياته الأخير. لكن لدينا مقدمة البيان الشيوعي، حيث يتحدث عن الحاجة إلى توحيد هذه العناصر — الشيوعية الزراعية الروسية والبروليتاريا الاشتراكية الحديثة لأوروبا الغربية. بنظر لماركس، كان على الطرفين إيجاد طريق وحدتهما.

 

هل تعتقد أن كتابات ماركس في طوره الأخير تضع موضع سؤال بعض الأفكار السائدة بين الماركسيين اليوم؟

أعتقد أن فكرة التقدم هي موضع سؤال إلى حد كبير في كتابات ماركس في طوره الأخير. اعتبر في كتاباته المبكرة الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية تقدما بسيطا إلى حد ما. لكن مع مرور الوقت، تظهر كلفة هذا التقدم بشكل متزايد في كتاباته.

كتب ماركس، في المجلد الأول من رأس، المال أن الرأسمالية «تحول كل تقدم اقتصادي إلى كارثة اجتماعية»، خاصة بالنسبة للطبقة العاملة. وواصل النظر إلى الرأسمالية بشكل عام على أنها تقدم — لم يتخل قط عن هذا الرأي تمامًا — لكنه يقول في كتاباته اللاحقة أمورا لم يكن ليقولها من قبل عن جوانب التقدم السلبية.

وجه العُملة الآخر هو أنه بدأ يرى لبنات أساسية محتملة للاشتراكية في بعض الهياكل الاجتماعية الجماعية ما قبل الرأسمالية. ومن الساخر أنك لو قلت ذلك في اجتماع ماركسيين في روسيا عام 1900، لاعتبروك شعبويا، لا ماركسيا.

قال البعض إن ماركس استثنى روسيا بسبب مسار تطورها المغاير. لكن يمكنك أن ترى في كتاباته عن الهند والمجتمعات الأصلية في شمال إفريقيا وأمريكا اللاتينية أن ماركس كان يعتقد أيضًا أن البنيات الاجتماعية الجماعية في تلك المجتمعات يمكن أن تكون أساسًا للثورة. وهذا يمثل تغيرا قياسا بكتاباته في سنوات 1840و1850 ، حيث كان ماركس على دراية بهذه البنيات الجماعية، لكنه كان يعتبرها أساساً للاستبداد الشرقي ومغلقة أمام أي شكل من أشكال التقدم.

 

أي مستتبعات ترون لهذه الكتابات على اليسار اليوم فيما يخص الذات الثورية ؟

ثمة اليوم عشرات وجهات النظر المتباينة داخل اليسار العالمي. لكن إذا نظرنا إلى تلك التي تحظى بقدر كبير من التأييد، يمكننا تمييز  قوى إصلاحية أكثر قليلاً، مثل تلك المحيطة بـبيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو-كورتيز[الاشتراكيين الديمقراطيين الأمريكيين]، و جان-لوك ميلينشون [زعيم حزب فرنسا الأبية] و جيريمي كوربين [الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني].

وهم يميلون إلى التركيز على الطبقة، ورأس المال، والتفاوت الاقتصادي، ومحنة الطبقة العاملة، وضرورة أن تقترب الأحزاب اليسارية أكثر من الحركة النقابية. ويقول البعض صراحة إننا بحاجة إلى الابتعاد عن مسائل الهوية، مثل العرق والجندر والجنسانية؛ وأن اليسار يفرط في الحديث عنها، ما يثير استياء الطبقة العاملة البيضاء، أو لا يستهدف رأس المال بما فيه الكفاية.

ثم هناك اليسار الذي نشأ من حركة «حياة السود مهمة» وحركة التضامن مع فلسطين، بالإضافة إلى جزء كبير من الطلاب اليساريين، الذين يميلون إلى إعطاء الأولوية للهوية ويرون العمال البيض محافظين لمجرد أنهم بيض وذوي امتيازات — مع أن من يقولون ذلك هم في الغالب أوفر امتيازات.

كان ماركس مدركًا بوضوح لقضايا العرق والجندر والاستعمار، لكن لا يكفي أن نقول إنه كان أكثر حداثة مما كنا نعتقد. بالنسبة لماركس، كانت هذه المسائل دائماً مرتبطة برأس المال والطبقة — وهذا ما ينقصنا كثيراً اليوم.

يمكن أن تُسعفنا كتابات ماركس على إدراك أننا بحاجة إلى دمج هذين اليسارين. لا أعني ذلك بطريقة شعبوية وغير نقدية، ولكن لا يمكن لأي من الطرفين أن يرفض الآخر ببساطة، لأن كلاهما يحوز طاقة راديكالية كبيرة. علينا أن نجد طرقاً لإجراء حوار حقيقي و وحدة حقيقية.

تتيح لنا الحركة الفلسطينية اليوم فرصة لتحقيق ذلك، لأن كلا الجناحين اليساريين منخرطان في هذه الحركة بقوة. هناك فرصة لإجراء نوع من الحوار. وقد ظهر هذا الإمكان في الفوز الانتخابي المذهل لزهران مامداني [مرشح الاشتراكيين الديمقراطيين] في نيويورك، وهو نقطة مضيئة نادرة في بلد يواجه تهديداً متزايداً من فاشية ترامب.

فرنسا هي مثال آخر حيث توجد، من ناحية، حركة عمالية ضخمة، كما رأينا في الإضرابات الجماهيرية في عام 2023، ومن ناحية أخرى، انفجارات غضب منتظمة في الضواحي ضد عنف الشرطة في نفس العام. ومع ذلك، لم يكن بين الاثنين سوى صلات قليلة.

ما كان يقوله ماركس في كتاباته عن أيرلندا هو وجوب أن نجد طرقًا لربط الشغيلة: الحركة العمالية مع انتفاضة الضواحي، لأن هؤلاء الشباب الملونين، الذين غالبًا ما يكونون شبه عاطلين عن العمل، هم من بين أكثر فئات السكان عرضة للاضطهاد. للأسف، لم تقم النقابات العمالية بذلك، على الرغم من أن جماعة ميلينشون حاولت بالفعل إشراك هذه القطاعات في اليسار الاشتراكي، وهو أمر مهم.

وبقدر ما يرتبط هذا بمسألة الاستعمار في كتابات ماركس، فإن هذه المسائل لا تقل أهمية اليوم، بل إنها أعظم أهمية عندما ننظر إلى كيفية تأثير النضالات المحلية المختلفة على العديد من النضالات الأخرى في جميع أنحاء العالم وإلى كيفية إثارة هذه النضالات. ومن الأمثلة الرائعة على ذلك كيف أثارت الانتفاضات العربية في عام 2011 العديد من حركات الاحتجاج، بدءاً من احتلال وول ستريت في الولايات المتحدة في العام نفسه.

سواء تعلق الأمر بشعوب مستعمرة أو شبه مستعمرة، أو شعوب من الأطراف، نحن إزاء أشخاص في ظروف حياة وعمل أسوأ، ومستويات استغلال أعلى، من شغيلة البلدان الرأسمالية المركزية. ومن بينهم تنشأ العديد من الانتفاضات الحالية. أعتقد أن هناك اليوم إحساسًا أكبر بأن هذه النضالات يمكن أن يكون لها تأثير متجاوز للفوارق الجغرافية والثقافية واللغوية.

 

كيفن أندرسون أستاذ علم الاجتماع والعلوم السياسية والدراسات النسوية في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا، ومؤلف وناشر العديد من الأعمال، منها كتابه الرائد ماركس ومجتمعات الأطراف: حول القومية ،الاثنيات والمجتمعات غير الغربية، ومؤخراً  A Political Sociology of Twenty-First Century Revolutions and Resistances علم اجتماع سياسي للثورات والمقاومات في القرن الحادي والعشرين.

ينكب عالم الاجتماع الماركسي كيفن ب. أندرسون في كتابه الأخير، The Late Marx’s Revolutionary Roads: Colonialism, Gender, and Indigenous Communism (  (السبل الثورية لماركس في طوره الأخير : الاستعمار والجندر وشيوعية الشعوب الأصلية) على كتابات كارل ماركس الأخيرة — التي لم يُكشف عن بعضها إلا مؤخرًا — ليستخرج منها أفكارا أساسية ذات أهمية حاسمة للاشتراكيين اليوم.

التقى فيديريكو فوينتيس أندرسون للحديث عن كتابه الجديد لفائدة LINKS International Journal of Socialist Renewal.

المصدر

  • 1

    انظر : خايمي باستور، عن ماركس ومجتمعات الأطراف لكيفن ب. أندرسون – اكتشاف أبعاد ماركس المتعددة https://alomamia.org/node/4714

المؤلف - Auteur·es